جميل أبوبكر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية (8): إهدار المراتب الاجتماعية

جميل أبوبكر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

عرض وإعداد: جميل أبوبكر

4- إهدار المراتب الاجتماعية: لا تتحقق الحياة السياسية العادلة إلا على أساس من مبدأ المساواة الاجتماعية. وقد جاء الإسلام بهذه المساواة, ونهى القران الكريم عن “العلو في الأرض” وهو نقيض المساواة بالمفهوم الإسلامي: “تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا”. فأساس التفاضل بين الناس في الدنيا والآخرة هو اختلاف كسبهم وجهدهم, وهو أساس التراتبية الاجتماعية. ولقد اهتم النص الإسلامي بمسالة التراتبية الاجتماعية – حتى بمعناها السياسي الضيق – اهتماما واضحا, وسعى إلى محوها محوا, وبخطاب صريح كما ورد في خطبة الوداع “يا أيها الناس, ألا ان ربكم واحد, وان أباكم واحد . ألا لا فضل لعربي على عجمي, ولا لعجمي على عربي, ولا احمر على اسود, ولا اسود على احمر, الا بالتقوى”.

جاءت السنة النبوية- قولا وفعلا- حاسمة في هدر المراتب الاجتماعية المتوارثة. ونظرا الى التحيز الاجتماعي والعرقي الذي كان سائدا لدى اهل الجزيرة العربية يومها ضد السود والموالي  والعبيد وذوي الاعاقة, وانفة العرب من الخضوع لسلطة هؤلاء , جاءت احاديث الطاعة السياسية مهدرة لاي تفاضل اجتماعي, الا على اساس الكسب الشخصي ,بعيدا عن الاعتبارات العرقية والعرفية والجسدية. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم “اسمعوا واطيعوا وان استعمل عليكم عبد حبشي كان راسه زبيبة.” واستمر هذا المنحى المهدر للتفاضل العرقي والاجتماعي مطردا في السنة السياسية الى ختام الحقبة النبوية. فقد عين صلى الله عليه وسلم زيد ابن حارثة وابنه اسامة بن زيد قائدين, وهما من الموالي الذين رفعهم الاسلام, رغم ان معايير النسب والحسب السائدة يومذاك تنظر اليهم نظرة دونية.

ولا تتضمن لائحة امراء النبي صلى الله عليه وسلم قادة من الموالي فقط , بل تتضمن قادة من مختلف القبائل, في تجاوز لضيق الانتماء القبلي السابق على الاسلام. بل تتضمن رجلا اعمى, هو عبد الله ابن ام مكتوم الذي كان يستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة حين يخرج الى الغزو, وحدث ذلك ما يقارب ثلاث عشرة مرة. فضمان حقوق المعاقين امر لم تهتم به الامم الا في العصر الحديث.

وهكذا يتضح ان بعض شروط الاهلية السياسية التي الح عليها الفقهاء في الماضي ضعيفة الاساس النصي, ومن هذه الشروط شرط الحرية الذي تكفي في نقضه الاحاديث الواردة في امارة العبد الحبشي.

ومن هذه الشروط التي تستحق توقفا عنها ايضا شرط الذكورة, وهو شرط أخذه الفقهاء من حديث: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة “. وهذا الحديث من العام الذي أريد به الخصوص, فالعبرة فيه بخصوص السبب لا بعموم اللفظ , بمعنى انه وصف لحال فارس لما جاء الخبر بتمزق دولتهم , وتولية نبلائهم بنت الملك أمرهم, وليس حكما شرعيا عاما . والدليل على ذلك ان ظاهر القران يدل على ان المراة مؤهلة لتولي كل المناصب العامة, بما فيها منصب راس الدولة. فقد وردت قصة ملكة سبأ في القران في مورد الثناء, وقد كانت ملكة تامة السلطة على قومها ,واسعة النفوذ عليهم, فإمارتها عليهم كانت إمارة عامة, كما يدل عليه التعبير القرآني: “اني وجدت امرأة تملكهم واوتيت من كل شيء”, قال في تفسير المنار(واوتيت من كل شيء) عام في كل ما يحتاج اليه الملوك. وايراد القران الكريم لذلك في سياق ايجابي دون اعتراض, رغم اعتراضه على ما لابس حياة اهل سبا يومها من امر مناقض للدين الحق, وهو عبادتهم الشمس : ” وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لايهتدون. الا يسجدوا لله….” ولو كانت امارة المراة حراما- كما يقول جمهور الفقهاء الاقدمين – لاستنكرها القران الكريم في سياق استنكاره شركهم .ولو قلنا إن امارة المراة حرام – كما قالوا – لكان سكوت القران على هذا الامر من تاخير البيان عن وقته, وهو امر مستحيل شرعا, باتفاق علماء الاصول .

وفي السنة السياسية العملية ما يزكي المشاركة الكاملة للمراة في الشان العام دون قيد او شرط . فبيعة العقبة الثانية – التي هي العقد التاسيسي للدولة الاسلامية في العصر النبوي- شاركت فيها امرأتان ,وهما نسبية بنت كعب المازنية , واسماء بنت عمرو. وكانت نسبية ممن حضر بيعة الرضوان ايضا. وفي كل ذلك دلالة صريحة على مشاركة المرأة في الشان السياسي خلال العصر النبوي من البدء الى الختام, وعلى حقها الشرعي, بل واجبها الشرعي, في المشاركة السياسية في مجتمعها. وهو يكفي ردا على قول الجويني : “ما نعلمه قطعا ان النسوة لا مدخل لهن في تخير الامام وعقد الامامة” .

ولم يختلف العلماء في دخول النساء تحت مدلول “لفظ الناس” المتردد في النصوص الشرعية, وهو لفظ كثيرا ما استعمل في احاديث المشاورة “أشيروا علي أيها الناس”, فاستشار الناس”. وقد برهنت أم سلمة رضي الله عنها أنها من خيرة “الناس” واحسنهم حصافة في الراي وحكمة في السياسة ,كما تدل عليه حادثة صلح الحديبية. وكان عمر رضي الله عنه يستشير الصحابية الشفاء بنت عبد الله ,”وكان يقدمها في الراي ويفضلها ” حسب تعبير ابن عبد البر.

ويتضح من كل ذلك ان ما ذكره أبو الأعلى المودودي من ان “السياسة والحكم خارجان عن دائرة المرأة ” تعميم خاطئ , وتحكم في غير محله, لأنه لا يسنده الدليل من الوحي الإسلامي.

يتبع…

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts