حلمي الأسمر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الإسلام السياسي والكفر السياسي

حلمي الأسمر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

كلما نطّ أمامي مصطلح “الإسلام السياسي”، نطّ في مقابله مصطلح شبه غائب: “الكفر السياسي”. أما المصطلحان الغائبان تماماً، فهما “المسيحية السياسية” و”اليهودية السياسية”. لا أحد تقريباً يتحدّث عنهما، فهما في منأى عن أيّ ذكر. ويُفهم من هذا السياق أنّ من حق معتنقي الديانتين أن يمارسوا السياسة من دون أن يعترض عليهما أحد، وقل مثل هذا عن “الإرهاب الإسلامي” المصطلح الذي لا يتهم صاحبه باللاسامية، الذي يتهم به من يتفوّه بمصطلح “الإرهاب اليهودي” مثلاً!

في النقاشات الخلفية التي دارت بعد معركة “أسوار القدس”، كان مصطلح “الإسلام السياسي” حاضراً، وخصوصاً في ذروة شعور الجماهير العربية بالنشوة التي أثارتها صواريخ المقاومة التي هي من فعل لونٍ من طيف “الإسلام السياسي” الذي “تسلح” فيما بعد، فصار “إسلاماً مسلحاً”، وهو مرفوض أكثر من أخيه “الإسلام السياسي” المصنّف أصلاً نوعاً من الإرهاب، فكيف به حين “يتسلح” ويتجرّأ على جدع أنف “أزعر الحارة” و”مرمطته” كما قال قائلهم؟ حينها تصبح “جريمته” أكبر وأدعى أن يتداعى القوم إلى لجمه وحرمانه قطف ثمار “نصره”، لا بل محاولة قصقصة جناحيه وإدخاله “قنّ الدجاج” لـ”ينقنق” مع إخوته الذين دخلوا قبله كرهاً أو طوعاً.

في تلك النقاشات الخلفية، أخذت بعضهم الحماسة، فهتفوا باسم “حماس” وأصلها وفصلها، حتى إذا هدأت المعركة عادوا إلى “رشدهم” وبدأوا بالسخرية إياها، وحتى “الشيطنة” التي صارت نهجاً متبعاً في خطاب نزلاء “القنّ” إياه.

من المستحسن هنا أن نبحث قليلاً في كيفية ميلاد المصطلح الذي غدا “شتيمةً” لكلّ ظاهرةٍ ترتدي لبوس الإسلام، في محاولةٍ لبناء وعي جمعي شعبي مشوّه لكلّ مسلم مسيّس أو مقاوم، حتى إن أحد بلاد الجزيرة العربية اليوم يرفع لافتاتٍ ضخمة في الشوارع، تحذّر من جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، وهما المقصودتان، على الأغلب، حين طرح مصطلح الإسلام السياسي، فضلاً عن تنظيم الجهاد الإسلامي (أو الفارسي كما يحلو لهم أن يسمّوه)، باعتبار كلّ هذه المكونات “مارقة” من الدين وخارجة عن “القانون” (أيّ قانون؟ لا أدري فهم من يضعون القوانين، ويفصّلونها على مقاس أحذيتهم!)…

حين نبحث في أصل مصطلح “الإسلامي” أي الإسلاموية (Islamism)، أو الإسلام السياسي، ومن أين جاء، وما أصله، ومدى أصالته في الثقافة العربية المعاصرة، نجد كتاباً مهماً بعنوان “إسلاميزم: وجهات نظر متنازع عليها حول مصطلح الإسلام السياسي” صدر عام 2010 عن مطبعة جامعة “ستانفورد” الأميركية، حرّره ريتشارد سي مارتن، وعباس بارزغار. يناقش إيجابيات مصطلح إسلاميزم (Islamism) أي الإسلاموية أو الإسلام السياسي، وسلبياته. السؤال الجوهري الذي يقوم عليه الكتاب: هل مصطلح إسلاميزم (Islamism)، أو (الإسلاموية أو الإسلام السياسي) مسيّس، إلى درجة أنّ العلماء والكتّاب الذين ينشدون الموضوعية يجب أن يتخلوا عنه؟

يفتتح الكتاب نقاشاً بفصلين يقدمان وجهتي نظر متعارضتين حول المنفعة والقيمة الحالية لمصطلح إسلاميزم (الإسلاموية أو الإسلام السياسي). فمن جهة، يدعو البروفيسور دانيال فاريسكو من جامعة “هوفسترا” الأميركية إلى التخلي عن هذا المصطلح. ويريد البروفيسور دونالد إيمرسون، من جامعة “ستانفورد” أن يبقيه. ثم يساهم 13 كاتباً في التعليق على المقالات الافتتاحية، وأخيراً، يجيب الخصمان الرئيسان على ما ورد من آراء. يرى فاريسكو أنّ على الأكاديميين التوقف عن استخدام مصطلح إسلاميزم (الإسلاموية/ الإسلام السياسي)، لأنّه يربط بصورة أكيدة بين الإسلام والعنف، ويعزز الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) في الغرب. ويرى فاريسكو أنّ المصطلح اكتسب شعبية، لأنّه للأسف يجسّد التطرّف والإرهاب الذي يرغب معلقون غربيون كثيرون (والشرقيون اليوم) في نسبتهما إلى الإسلام. ويقول إنّه ليست هناك حاجة لمصطلح من هذا القبيل، لأنّ وضع نعتٍ بسيط يعتبر مناسباً وكافياً، تماماً كأن نقول: المسلمين المتشدّدين. وعلى أيّ حال، وتأكيداً لعدم حياد هذا المصطلح، يجب أن نعترف بأنّه لا يوجد مصطلح كهذا لظواهر مماثلة في اليهودية أو المسيحية أو حتى البوذية، كأن نقول: اليهودية السياسية أو المسيحية السياسية أو البوذية السياسية، على وزن الإسلام السياسي.

لم يكد يستمع إلى رأي هذا الرجل أحد، فقد وجد المصطلح ليبقى، أحببنا ذلك أو لا. ولن يكون في وسع أحد أن يشطبه من القاموس المعاصر. لكنّ الأهم هنا، إطلاق الجدل بشأن هذا المصطلح، كي يكون من يستخدمه على بيّنة من خطورته، وكي يستخدمه بحذرٍ شديد، كي لا يقع في حبائل من أطلقه، خصوصاً أنّ ثمّة كثيرين غيري يعتقدون أنّه مصطلح لقيط، وُجد لتشويه صورة المسلمين، وتقسيمهم بين مسلمين وإسلاميين. ومن ثم، أخذ ضوء أخضر لهجاء الإسلام بشراً وديناً، خروجاً من تهمة العنصرية أو التعصب، أو التمييز الديني، والحضّ على كراهية دين معيَّن، فالإسلامي والمسلم واحد، كما هو الإسلام السياسي والإسلام. وأيّ هجاء أو إدانة لأيٍّ من هذه المصطلحات يقصد بهما هجاء الإسلام نفسه. ولعلّ الهجاء الأكثر إيلاماً هنا حينما تتبنّى دول تتباهى بأنّها مسلمة الرواية الصهيونية في الصراع، فـ”تنقنق” بالنغم المتماهي مع تلك السردية المنحرفة التي تجرّم الضحية وتبرّئ القاتل، حين تحوّل المقاومة إلى “تنظيم إسلاموي إرهابي”، وهي الظاهرة الأكثر طهراً ونظافة وقدسية في المشهد العربي الراهن.

“الإسلام السياسي” أنتج مقاومة استطاعت تحقيق منجزاتٍ غير مسبوقة على غير صعيد، عجزت عنها جماعة “الكفر السياسي” ممن أوصلوا الأمة إلى دركٍ غير مسبوق من المهانة والانكسار والاستلاب.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts