التستر بالدين

التستر بالدين

الدكتور عبدالحميد القضاة (رحمه الله)

نشرة فاعتبروا  (196)

          الدين الإسلامي الذي نزل على قلب محمد صلّ الله عليه وسلم واضح وضوح الشمس، لا عوج فيه، يتماشى تمامًا مع فطرة الإنسان السوي، فمن تمسّك به مخلصا فقد فاز فوزًا عظيمًا، أمّا من أخذ بعضه ليتستر به لأغرضه الشخصية أو ليُرضي الحاكم؛ فقد خسر خسرانًا مبينًا.

          فمن الناس من يخلع دينه على عتبةِ المسجد، ثم ينتعل حذاءَه ويخرج للدّنيا مسعورًا، يأكلُ مالَ هذا، وينهشُ عرض ذاك!، ومنهم من يستعمل اللحية لتُصبحَ متراسًا، يختبىءُ خلفها لص كُبير!، وليس بالضرورة كل عباءة سوداء طويلة تخفي تحتها امرأةٌ فاضلة!!

          رحم الله الفاروق الذي كان يعرفُ أن الصلاةَ من الممكنِ أن تُصبحَ مظهراً أنيقًا لمحتالٍ، وأنّ الحج من الممكنِ أن يُصبحَ عباءةً اجتماعية مرموقة لوضيعٍ، وكان يؤمنُ أنّ التّديّنَ الذي لا ينعكسُ إيجابيًا في سُّلوكِ صاحبه، إنما هو تديّنٌ أجوف، لا خير فيه ولا فائدة.!!

          وكان يقول: إن الذين يشتهون المعصية، ولا يعملون بها، أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى. لا تنظروا إلى صيام أحد، ولا إلى صلاته، ولو مشى على الماء أو طار في الهواء، ولكن انظروا من إذا حدّث صدق، وإذا ائتُمِن أدى، وإذا أشفى “أي هم بالمعصية” ورع.

          ليس العاقل الذي يعرف الخيرمن الشر، ولكنه الذي يعرف خير الشرّين، وأحب الناس إليّك من يرفع إليك عيوبك، وصديقك من صدقك وليس من صدّقك، وثلاث تثبت لك الود في صدر أخيك، أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه.

يا وارث مين يورثك؟

          أيام الطاعون الأسود الذى قتل من مصر مائة ألف شخص بما فيهم أم السلطان حسن بن السلطان الناصر قلاوون، وكأن الموت كان وحش أسود يخيم علي البلاد، فيموت في اليوم في مدينة كبيرة كالقاهرة أكثر من ألف شخص، لدرجة تعب الناس من دفن موتاهم.

          ولم يعد القاضي يستطيع أن يوزع التركة على الورثة، لأن الورثة بدورهم يموتون تباعًا، وفي النهاية تؤول الورثة لبيت المال، فأطلق المصريون من يومها “يا وارث من يرثك؟”.

          بالرغم من كل هذه الظروف كان هناك أناس مستهترون يأخذون المواقف بسخرية ولا مبالاة، تمامًا كالمستهترين بفيروس كورونا، فلما زادت الأزمة واشتدت؛ أطلق شيوخ المساجد دعوة للتضرع لله وترك الدنيا لأنه “يا وارث من يورثك؟”، واعتبروا ذلك أنه الحل الأخير.

          المدهش في الأمر أن الموت الأسود “الطاعون” انحسر واختفي بعدها بفترة وجيزة، فالدعاء والعمل الصالح يرفع البلاء، اللّهم أرفع عنا الوباء والبلاء وقنا شر الداء بلطفك.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: