أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

التوسّل بسوريا لذرف الدموع في أوكرانيا

أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

اتهم الرئيس الأميركي، جو بايدن، يوم الثلاثاء الماضي، روسيا بارتكاب جريمة “إبادة جماعية” في أوكرانيا. قبل ذلك بأيام، بدأ الإعلام الغربي يقرع أجراس الخطر مستدعياً إنسانية كاذبة: “جزّار سورية” سيتولى قيادة القوات الروسية في أوكرانيا! الجنرال المقصود هو ألكسندر دفورنيكوف (60 عاماً)، وهو أحد القادة العسكريين الروس الذين أزهقوا حياة آلاف من السوريين، كما أنه أحد المسؤولين عن تسوية مدنهم وبلداتهم وقراهم بالأرض. المفارقة، أن قليلين فقط في سورية كانوا يعرفون اسم هذا الجنرال، وأقلّ منهم في العالم كان سمع باسمه، والسبب أن الإعلام الغربي الذي “استيقظ ضميره” فجأة لم يكن معنياً بأرواح السوريين ودمائهم. إنه نفاق الغرب ومعاييره الانتقائية والمزدوجة، التي فضحتها مواقف وتصريحات بعض دوله ومسؤوليه وإعلامه عن الاستثنائية الأوروبية الغربية مقارنة بغيرها من العالم. قد يقول قائل هنا إن تهمة المعايير الانتقائية والمزدوجة أصبحت مجرّد “كليشيه” لا معنى له، إذ إنها واقع يمارسه القوي ويحاول إخضاع الضعيف له، وهذا صحيح، لكنه لا يمنع أن نبقى نُذَكِّرُ بها خصوصاً الذين ما زالوا يراهنون على الإنسانية الغربية الرسمية المزعومة.

تحذّر واشنطن من أن تعيين الجنرال دفورنيكوف لتولي القيادة العسكرية في أوكرانيا يشير إلى أن الحرب ستدخل مرحلة جديدة تتصف بالوحشية، خصوصاً مع سعي موسكو الآن إلى السيطرة على شرق أوكرانيا، بعد فشلها في بسط هيمنتها على كامل البلاد في الشهرين الماضيين. وحسب مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، فإن رجلاً “بهذه الخلفية العسكرية يتوقع منه أن يسمح بارتكاب مزيد من الأعمال الوحشية ضد المدنيين الأوكرانيين”. مباشرةً، التقط الإعلام الغربي المستنفر رأس الخيط، وبدأ بالحفر في تاريخ الرجل صاحب “السجل الدموي في استهداف المدنيين”. أما بؤرة ذلك السجل فهي سورية، وخصوصاً مدينة حلب. في عام 2015 طلب نظام بشار الأسد، وكان على حافة الانهيار، تدخّل روسيا لمساعدته، ومباشرة لبّى الكرملين. وما بين عامي 2015 و2016، كان دفورنيكوف القائد المكلف بهذا التدخل، واعتمد حينها على القصف الوحشي الواسع والكثيف للمناطق المدنية من الطائرات الحربية الروسية، وأدّى ذلك، كما هو معروف، إلى قلب مجريات الثورة السورية لصالح نظام الأسد.

لاحظ أن استدعاء التاريخ الأسود لهذا الجنرال الروسي، غربياً، ليس المقصود به تحميله مسؤولية جرائمه في سورية أو إبقاءها حيَّة، بقدر ما يهدف إلى تعريته والضغط عليه وعلى موسكو وإحراجهما في أوكرانيا. في اليوم نفسه الذي قال فيه بايدن إنه يعتقد أن روسيا ترتكب “إبادة جماعية” في أوكرانيا، كانت إدارته تعلن عن مزيدٍ من شحنات الأسلحة المتطوّرة التي سترسلها لها بقيمة 700 مليون دولار للتصدّي للعدوان الروسي. منذ شنّ روسيا عدوانها على أوكرانيا، في 24 من شهر فبراير/ شباط الماضي، حصلت كييف من واشنطن على ما قيمته 2.5 مليار دولار من المساعدات العسكرية المباشرة، وهي جزء من 13.6 مليار دولار خصصتها إدارة بايدن لدعم أوكرانيا بشكل عام. هذا فقط من الولايات المتحدة، دع عنك الحلفاء الأوروبيين. قارن ذلك بسورية التي لم يتخلّ، فحسب، عن ثورتها ثلاثة رؤساء أميركيين (أوباما، ترامب، بايدن)، بل إنهم عملوا على خنقها أيضاً. لقد منعت واشنطن تزويد الثوار السوريين بالصواريخ المضادّة للدبابات والصواريخ المضادّة للطائرات، التي أُنْعِمَ بها على القوات الأوكرانية، وبالتالي لم تكن موسكو وحدها شريكة في “الإبادة الجماعية” في سورية، بل إن واشنطن وعواصم غربية وإسلامية وعربية أخرى شريكة في الجريمة. لكن سورية لا بواكي لها.

لم نسمع مسؤولاً غربياً أو عربياً أو مسلماً يصف ما يجري في سورية بأنه “إبادة جماعية”، وكأن أكثر من 600 ألف قتيل، وملايين الجرحى واللاجئين والمهجرين، وأكثر من مائة ألف مختف قسرياً لا إنسانية لهم ولا حقوق ولا كرامة. حتى إيران ونظام الأسد لم توجّه إليهما هذه التهمة، رغم أنهما مستوفيان شروطها لا جدال في ذلك. لا أريد هنا التفصيل في تعريف الأمم المتحدة “الإبادة الجماعية” الصادر عام 1948، ولكنه قطعاً ينطبق على ما يجري في سورية وفلسطين، وما فعلته أميركا من قبل في العراق وأفغانستان، وما تفعله السعودية والإمارات في اليمن، والصين في شينجيانغ، والهند في كشمير.. إلخ. كلهم يقتلون ويدمرون حياة وأمن مجتمعات بأكملها، ويحدّون من قدرتها على التكاثر الآمن. وروسيا هنا ليست استثناء في أوكرانيا. لكن الغرب الأعمى يرى القذى في أعين غيره، ولا يرى العود في عينيه. أما نحن أمة العرب فنرتكب الإبادات الجماعية بحق أنفسنا، ونسمح لغيرنا بسحقنا بها.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts