الجلسة العائليـة الأسبوعية (شاهد)

الجلسة العائليـة الأسبوعية (شاهد)

من وصايا الدكتور عبدالحميد القضاة رحمه الله

نصيحة لكل أب وأم أن يخصصا كل أسبوع جلسة عائلية كل يوم جمعه لمدة ساعة – ساعيتن لقراءة سورة الكهف والأدعية المأثورة وتفسير بعض الآيات وقراءة من رياض الصالحين أو من أي كتاب آخر مفيد ثم سؤال الزوجة عن أحوال البيت الحوار والنقاش مع الزوجة والأبناء ثم الختم بالصلاة على النبي مائة مرة.

من فوائد هذه الجلسة :حفظ سورة الكهف والأدعية المأثورة، تفسير القرآن الكريم، تعلم الأحاديث النبوية، حفظ وتطبيق أدعية اليوم والليلة، تخفيف هموم الزوجة ويحل مشاكل الأبناء. هذه الجلسة سنة حسنة يأتيكم خراجها في كل آن وحين فكيف إذا نقلها كل واحد لأبناءه وأحفاده.

قصة هذه الجلسة وكيف بدأت كما ذكرها الدكتور عبدالحميد القضاة رحمه الله في كتابه “محطات وعبر”:

قدر الله لي أن أكون من حجاج قافلة المستشفى الإسلامي لعام 1987م، وكان أميرها الأستاذ الفاضل والداعيه الكريم داوود قوجق . كما ضمت تلك القافلة مجموعة من أهل الخبرة والسابقة، وكان من بينهم نائب الحركة الإسلامية في البرلمان الأردني في حينها المربي الفاضل، شاعر الأقصى يوسف العظم رحمه الله .

كانت الرحلة مبرمجة ومنظمة، بحيث شارك الجميع في الندوات والمحاضرات للقافلة كاملة، كلٌ في مجال إختصاصه، حيث أذكر أن مشاركتي الأولى كانت عن السواك ونظافة الفم، وعندما كان دور الأستاذ يوسف العظم، كانت محاضرته تربوية، ضمّنها مجموعة من النصائح العملية بحكم علمه وخبرته الدعوية، ومن هذه النصائح العملية المفيدة هي أن يفرّغ كل زوج ساعةً من وقته على الأقل في الأسبوع، يجلس فيها إلى زوجته وأولاده، يقرأون … ويتذاكرون … ويتحدثون في شؤون الأسرة … والتخطيط للمستقبل، وشدّد علينا بهذه النصيحة قبل فوات الأوان، وقال: فائدتها تظهر بالإستمرار والمداومة والتبكير أي والأطفال صغار.

وقدر الله لي أن إستفدت من هذه النصيحة، فبدأتُ بتطبيقها منذ عُدت من ذلك الحج، وحتى يومنا هذا. فإن كنت غائباً تعقدها زوجتي مع الأولاد، وإن كنا غائبين في سفر يعقدها الإبن الأكبر … وهكذا، و إجتهدنا في وضع برنامج لذلك، وكانت ولله الحمد ذات فوائد عظيمة، لا يعرفها إلّا الذي جرّبها، وإستمر عليها .

نعقدها كل يوم جمعة لمدة تتراوح بين الساعة إلى الساعتين ، قُبيل الصلاة… نقرأ فيها سورتي الكهف ويس، والمأثورات … ثمّ تفسيرٌ لآياتٍ منتقاةٍ ثم قراءةٌ من رياض الصالحين ، ثم قراءةٌ لأحد الأبناء من كتابٍ مختارٍ، مثل صفات الرسول – صلى الله عليه وسلم – أو كتاب ” ذوقيات المسلم ” … وما شابه ذلك , ثم نسألُ الزوجة عن هموم الأولاد ومشكلاتهم خلال الأسبوع ، لنَحُلّها بالتحاور والتشاور بين الجميع ، ثم يتبعها أحيانا إعلان عن السماح عن أي خطأٍ أرتُكب خلال الأسبوع إذا ذكره صاحبه ، شريطة عدم العودة إليه ، ثم الإطِّلاع على العلامات وبرامج إمتحانات الأبناء للتعاون في تيسيرها ، ثم نختم بالصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مائة مرة.

وقد لاحظت لذلك فوائد عديدة، منها أن حفظ الجميع صغارًا وكبارًا سورة الكهف ويس والأدعية المأثورة تلقائيا، ثم سمعوا تفسير عدة سور من القرآن الكريم ، ثم مجموعةٌ كبيرةٌ من الأحاديث النبوية الشريفة، علاوة على ما نقرأ جميعا من كتب، كما تعودوا أن لا يخرجوا من البيت إلّا وهم على وضوء، مع حفظ أدعية اليوم و الليله.

والأهم من ذلك التعود على هذه الجلسة , يخفف هموم الزوجة، ويحلُ مشاكل الأولاد أولاً بأول ، ثم التعود على الحوار منذ الصغر … وطرح الآراء … والتكلم أمام الأخرين … علاوة على تصحيح المفاهيم الخاطئة التي يمكن إلتقاطها من المدرسة أو الشارع ، ثم إعطاء الجوائز التشجيعية على التفوق وحفظ القرآن الكريم , بحيث يصبح كل عضو في الأسرة مطَّلعاً على برامج الآخرين لمزيد من التعاون في تنفيذها، وأحيانا وللمزيد من الجذب وتحبيب الأبناء في هذه الجلسه كانت تنتهي الى غداء شهي أو رحلة ترفيهية الى مكان يحبونه .

أصبح الأمر من المسلمات عند الأبناء و البنات أن يستمروا على مثل هذه الجلسه في بيوتهم بعد الزواج والإستقلال … وهذا ما اتفقنا عليه جميعا … وكم هي فرحتي و سروري كأب عندما أزور أحدهم أو إحداهن في بيتها لأعلم أنهم قد فرغوا لتوهم من جلستهم العائليه … و الفرحة الأكبر التي تريح النفس أن أسمع من حفيد أو حفيدة تذكّر والديها بوقت الكهف … كناية عن الجلسة العائلية .

هذه الفوائد لا تُجنى من جلسة يتيمه أو إثنتين ، أو جلسة في الشهر …

بل لابد من الإستمرار فيها …

والمداومة عليها أسبوعيا …

مهما كان عمر الطفل صغيراً … أو عمر الأب كبيراً …

فلا بد أن تبدأ … ولا بد من كسر حاجز التردد … ومقارعة الشيطان …

والإسراع في الإلتزام بها … فأفراد الأسرة جميعا بحاجتها…

فوائدها عظيمة للأبناء … والآباء … والأمهات… على حد سواء …!!!

فقد ثبت أن لا شيء يجلب السعادة في هذه الحياة للوالدين بعد الإيمان مثل الولد الصالح والبنت الصالحه، كما ثبت من مشاهدات الواقع الكثيرة أن المال والجاه والمنصب أمور زائله، ولا تجلبُ سعادة لوحدها … فكم من غني ليس بسعيد , وكم من مشهور يحسبهُ الناس سعيدا فتنتهي حياته بالإنتحار , إذا فما بال الأباء منشغلون عن اولادهم ليلا ونهارا، هذا بشركاته وآخر بتجارته … حتى أصبحت تربية أبنائنا ليست من نتاجنا بل نتاج الخادمات والانترنت والفضائيات … والحصيلة تراجع يتلوه تراجع مع مزيد من الإنفلات و الإنحلال .

يخبرنا أهل الإختصاص بأن سلوك أبنائنا في سنين مراهقتهم هي إنعكاس لما زرعه الوالدان فيهم في الستة سنوات الأولى من حياتهم … فماذا زرع الأب المشغول ليلا ونهارا – لجمع المزيد من المال – في نفوس أبنائه حين يُغادرهم في الصباح الباكر وهم نيام ويعودُ إليهم في ساعة متأخرة وهم نيام أيضا ؟! وماذا زرعت الأم المشغولة بعملها ومكياجها وموضاتها، وسلمت الأمر كله للخادمات ؟! النتيجةُ جيل بل اجيال تتنافس بالمزيد من الميوعة والفساد الأخلاقي والعقوق والتفكك الأسري وخراب البيوت …!, وفي النهاية ندم متأخر , ولات حين مندم ؟! ..

مهاجر فقير عربي مسلم إلى أستراليا قبل أكثر من نصف قرن، حيث كانت تلك البلاد بكرا ومجال العمل فيها مفتوح على مصراعيه ،انهمك بالعمل ثم تزوج ورُزق بابنتين، كما رُزق مالا كثيرا حتى اصبح مليونيرا معروفا، لكن هذا المال الذي جمعه بكده وعرقه كان يُشغله عن صغيرتيه … وبعد ان تعدتا سن البلوغ , تفاجاء والدهما بغيابهما عن البيت …. ودُهش لدرجة الصدمة عندما وجدهما قد تركتا رسالة موقعة منهما في البيت، تُفيد بأنهما قررتا ترك البيت الى الأبـد ليعيشا وحدهما بحرية تامة، بعيدا عن والديهما وعلى طريقتهما الخاصة !!….. وحسب قوانين تلك البلاد فهذه تعتبر حرية شخصية، لذلك لايستطيعُ احد بحكم القانون اجبارهما على غير ما يريدان … ولكم أن تتصوروا حال هذا الأب المسكين ….. وقد سمعته مباشرة في إحدى زياراتي الدعوية إلى أستراليا يشكو ويقول : ليتنى أعود فقيرا كما بدأت، شرط أن تعود ابنتاي إلى حضني وبيتي !!! ….. إذن الإنشغال في جمع المال وترك الأبناء وهم صغار لايُفيد بل يعودُ بالحسرة والندم على والوالدين اولا وعلى المجتمع ثانيا .

أيها الأباء، أيتها الأمهات، إستفيدوا من هذه الجلسة غير المكلفة قبل فوات الأوان .

فجزى الله أستاذنا الكريم، شاعر الأقصى، المربي الفاضل يوسف العظم على هذه النصيحة المفيدة، وتغمده بواسع رحمته. ونفعه بأجرها وأجر من عمل بها الى يوم القيامة .

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: