الجندي المجهول

الجندي المجهول

الدكتور عبدالحميد القضاة (رحمه الله)

          كلما تدرجنا نزولا في السُلّم البيولوجي للمخلوقات الأصغر، تتعمق الصورة الجادة في القيام بالواجب، حتى إذا وصلنا عالم الميكروبات وجدنا الصورة الأمثل.

          الوظيفة الرئيسية للميكروبات على اختلاف أنواعها، هي تحليل المواد إلى مكوناتها الأساسية، فقد قدمت الميكروبات خدمة للبشرية بأن حَلّلت المواد العضوية، وحولتها إلى بترول وغازات في باطن الأرض، وستبقى هذه الخدمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

          هذه الخدمة العظيمة الهامة التي جرت دون توقف على مدار الزمان والمكان، لم يعرف عنها الإنسان إلّا متأخرا، ولم يُعرف أبطالها إلّا حديثا، فالميكروبات بأنواعها المختلفة، هي اللاعب الرئيسي والفاعل الحقيقي في هذه العملية المهمة، بل هي الجندي المجهول.!

          عرف علماء الجراثيم آلاف الأنواع من الميكروبات في التربة، فهي المستودع الرئيسي للبكتيريا والفطريات والخمائر والفيروسات، ولكل نوع منها دور، وأدوارها  تكاملية، يتدخل الواحد في الوقت المناسب، ليفعل فعله بالمادة التي يقدر عليها، فيحولها إلى مُخرَجٍ آخر، ليأتي دور ميكروب آخر، حتى تكتمل الدورة.

          لا زالت هذه الجيوش الجرارة من الميكروبات في خدمة الإنسان، وهي طوع إرادته، فأصبح بفضل ما أعطاه الله من علم، يوجه الميكروبات لخدمات جديدة. فهي تنتج لـه صناعيا بتقنيات معينة ما يعجز الجسم البشري عن صناعته.

          أما دور هذه الميكروبات في خدمة الإنسان، من خلال الصناعات المختلفة، فحدّث عنها ولا حرج، فالدور كبيرٌ جدا، وفائدة الإنسان من ذلك عظيمة، والميكروبات هي جُنديه المجهول.

البخل الوراثي

          البُخل من أقبح الصفات التي يُمكن أن يتصف بها الإنسان، فهو رذيلهٌ عواقبها وخيمة، وآثارها سيئة على صاحبها فى حياته وبعد مماته، وقد ورد ذم البُخل في سبع آياتٍ فى ست سورٍ من القرآن الكريم: “هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ”، والكثير الكثير من أحاديث الرسول الكريم.

          يُحكى أن أحدهم نزل ضيفًا على صديق له من البخلاء، وما أن وصل حتى نادى البخيل ابنه وقال له: عندنا ضيف عزيز فاذهب واشترى لنا نصف كيلو من أحسن لحم، ذهب الولد وعاد ولم يشترِ شيئًا، فسأله أبوه: أين اللحم؟، فقال الولد: ذهبت إلى الجزار وقلت له: أعطنا أحسن ما عندك من لحم، فقال الجزار: سأعطيك لحمًا كأنه الزبد.

          قلت لنفسي: إذا كان كذلك فلماذا لا أشتري الزبد، فذهبت إلى البقال وقلت له: أعطنا أحسن ما عندك من الزبد، فقال: أعطيك زبدًا كأنه العسل، فقلت: إذًا أشتري عسلًا، فذهبت إلى بائع العسل وقلت: أعطنا أحسن ما عندك من العسل، فقال الرجل: أعطيك «عسلًا» كأنه الماء الصافي، فقلت: عندنا ماء صافٍ، فعُدت دون أن أشتري شيئًا.

          قال الأب: يالك من صبي شاطر، ولكن فاتك شيء، لقد استهلكت حذاءك بالجري من دكانٍ إلى دكان، فأجاب الابن: لا يا أبي، لقد لبست حذاء الضيف، فالبُخل يتوارث.

          ورحم الله الجاحظ صاحب كتاب البُخلاء، ورحم الله الشاعر ابن الرومي الذي يقول:

قتّر عيسى على نفسهِ …… وليس بباقٍ ولا خالدِ

فلو يستطيعُ لتقتيرهِ ……… تَنفَّس من منخرٍ واحدِ

نشرة فاعتبروا (201)

الجندي المجهول

          كلما تدرجنا نزولا في السُلّم البيولوجي للمخلوقات الأصغر، تتعمق الصورة الجادة في القيام بالواجب، حتى إذا وصلنا عالم الميكروبات وجدنا الصورة الأمثل.

          الوظيفة الرئيسية للميكروبات على اختلاف أنواعها، هي تحليل المواد إلى مكوناتها الأساسية، فقد قدمت الميكروبات خدمة للبشرية بأن حَلّلت المواد العضوية، وحولتها إلى بترول وغازات في باطن الأرض، وستبقى هذه الخدمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

          هذه الخدمة العظيمة الهامة التي جرت دون توقف على مدار الزمان والمكان، لم يعرف عنها الإنسان إلّا متأخرا، ولم يُعرف أبطالها إلّا حديثا، فالميكروبات بأنواعها المختلفة، هي اللاعب الرئيسي والفاعل الحقيقي في هذه العملية المهمة، بل هي الجندي المجهول.!

          عرف علماء الجراثيم آلاف الأنواع من الميكروبات في التربة، فهي المستودع الرئيسي للبكتيريا والفطريات والخمائر والفيروسات، ولكل نوع منها دور، وأدوارها  تكاملية، يتدخل الواحد في الوقت المناسب، ليفعل فعله بالمادة التي يقدر عليها، فيحولها إلى مُخرَجٍ آخر، ليأتي دور ميكروب آخر، حتى تكتمل الدورة.

          لا زالت هذه الجيوش الجرارة من الميكروبات في خدمة الإنسان، وهي طوع إرادته، فأصبح بفضل ما أعطاه الله من علم، يوجه الميكروبات لخدمات جديدة. فهي تنتج لـه صناعيا بتقنيات معينة ما يعجز الجسم البشري عن صناعته.

          أما دور هذه الميكروبات في خدمة الإنسان، من خلال الصناعات المختلفة، فحدّث عنها ولا حرج، فالدور كبيرٌ جدا، وفائدة الإنسان من ذلك عظيمة، والميكروبات هي جُنديه المجهول.

البخل الوراثي

          البُخل من أقبح الصفات التي يُمكن أن يتصف بها الإنسان، فهو رذيلهٌ عواقبها وخيمة، وآثارها سيئة على صاحبها فى حياته وبعد مماته، وقد ورد ذم البُخل في سبع آياتٍ فى ست سورٍ من القرآن الكريم: “هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ”، والكثير الكثير من أحاديث الرسول الكريم.

          يُحكى أن أحدهم نزل ضيفًا على صديق له من البخلاء، وما أن وصل حتى نادى البخيل ابنه وقال له: عندنا ضيف عزيز فاذهب واشترى لنا نصف كيلو من أحسن لحم، ذهب الولد وعاد ولم يشترِ شيئًا، فسأله أبوه: أين اللحم؟، فقال الولد: ذهبت إلى الجزار وقلت له: أعطنا أحسن ما عندك من لحم، فقال الجزار: سأعطيك لحمًا كأنه الزبد.

          قلت لنفسي: إذا كان كذلك فلماذا لا أشتري الزبد، فذهبت إلى البقال وقلت له: أعطنا أحسن ما عندك من الزبد، فقال: أعطيك زبدًا كأنه العسل، فقلت: إذًا أشتري عسلًا، فذهبت إلى بائع العسل وقلت: أعطنا أحسن ما عندك من العسل، فقال الرجل: أعطيك «عسلًا» كأنه الماء الصافي، فقلت: عندنا ماء صافٍ، فعُدت دون أن أشتري شيئًا.

          قال الأب: يالك من صبي شاطر، ولكن فاتك شيء، لقد استهلكت حذاءك بالجري من دكانٍ إلى دكان، فأجاب الابن: لا يا أبي، لقد لبست حذاء الضيف، فالبُخل يتوارث.

          ورحم الله الجاحظ صاحب كتاب البُخلاء، ورحم الله الشاعر ابن الرومي الذي يقول:

قتّر عيسى على نفسهِ …… وليس بباقٍ ولا خالدِ

فلو يستطيعُ لتقتيرهِ ……… تَنفَّس من منخرٍ واحدِ

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: