الحرب على أوكرانيا.. مقدمات لنظام عالمي جديد؟

الحرب على أوكرانيا.. مقدمات لنظام عالمي جديد؟

عمان- رائد صبيح

ليست نزهة روسية في أراضي أوكرانيا، لتحقيق أهدافٍ آنيةٍ وحسب، لكنّها حلقة في سلسلة متواصلة تسعى فيها القوى الكبرى الصاعدة لوضع حدٍ للنظام العالمي القائم الذي تقوده أمريكا كقطبٍ أوحد، وإعادة تشكيله ليكون نظامًا متعدد القوى يعاد فيه توزيع النفوذ والثروات بشكل أكثر عدالة لمصالح تلك الدول، هكذا يرى خبراء مشهد الحرب الروسية الأخيرة.

يرى الخبير الإستراتيتجي وأستاذ الصراعات الدولية الدكتور حسن المومني في تصريحاته لـ “البوصلة” مشهد الحرب الروسية على أوكرانيا من زاويةٍ مختلفة على الرغم من إقراره بأنّ “ما يجري اليوم هو حلقة من سلسلة لتغيير النظام العالمي القائم، تقوده القوى الصاعدة”، منوهًا إلى أن روسيا لوحدها لن تستطيع أن تقلب النظام العالمي إن لم تكن ضمن تحالفات تضم القوى الكبرى الصاعدة مثل الصين والهند وغيرها.

ويؤكد المومني أنه يجب الانطلاق في رؤية المشهد من نقطة بعكس الآراء التي القائلة بأنّ ردة الفعل الأمريكية والغربية باهتة وضعيفة، وإنما كل تفاصيلها تأتي في سياق فهم تحولات القوة وإدارة العلاقات الدولية ونزاع بهذا الشكل يؤكد أن ردود الغرب وأمريكا بالفعل “قوية وليست باهتة”، منوهًا في الوقت ذاته إلى أن “من يصفها بذلك هو الرئيس الأوكراني لأنه تحت الخطر، لكنّ الحقيقة أنه ليس هناك التزام غربي أمريكي بإرسال جيوش للدفاع عن أوكرانيا في حالة حصول حرب واجتياح روسيٍ لها، فلا يجوز النظر للصراع من منظور بسيط، يرى أنه يجب على الغرب التدخل وحماية أوكرانيا، والوقوف بوجه الجيش والقوة الروسية، فلا تدار الأمور بهذا الشكل البسيط”.

ويصف الخبير الإستراتيجي ما يجري بأنه “عنوان من مجموعة عناوين خلافية ما بين روسيا كقوة صاعدة وما بين الغرب الذي أسس بعد الحرب العالمية الثانية نظامًا دوليًا، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي بدأت تبرز قوى صاعدة مثل روسيا والصين والهند وغيرها”، مؤكدًا على أن الحرب “بالنسبة لروسيا هي جزء من عملية تحول في موازين القوى، ولكن روسيا لوحدها لا تستطيع أن تقلب النظام الدولي، لكن الجهد الروسي يعتمد على الصين والهند وغيرهما وسلوكها في المستقبل تجاه الأحداث”، مستدركًا بالقول: إن “ما يجري هو جزء وحلقة من سلسلة لتغيير النظام العالمي القائم”.ويشدد على أن الحرب الروسية سواءً كانت نتيجتها نجاح روسيا أو فشلها فإنّها قطعًا ستؤثر وتحدد حقيقة نمط القوة القادم، إن كانت الدول الغربية استطاعت احتواء محاولات تغيير النظام العالمي أو أنها تدريجيا اثبتت فشلها بعدم القدرة على ذلك وانتصرت روسيا في المعركة.

وأياً كانت النتيجة يرى المومني أن السنوات القادمة لا بد من إعادة تشكيل نظام دولي متوازن وأشبه ما يكون بنظام متعدد القوى، مشددًا على أنّ “الذي سيقرر طبيعة وشكل النظام الجديد الدول الكبرى ذات الإمكانات، وفي نهاية المطاف المسألة ليست مثالية ليبرالية نحقق فيها مبدأ الأمن الجماعي وأن الكل متساوٍ في ذلك، والتغيير سيكون نتيجة حتمية لصراع الدول الكبر لا سيما وأن النظام القادم قد لا يأتي في سياق عادل لكل الدول، فمن يمتلك القوة سيحقق العدالة التي تلامس مصالحه، عبر إعادة توزيع ميزان القوى وتوزيع النفوذ والمكتسبات”.

حرب باردة بين روسيا والغرب

وحول مدة الحرب، يرى المومني أن من مصلحة روسيا أن تنتهي الحرب في أسرع وقت ممكن وأن لا تدخل في مستنقع استنزاف قوتها، وإن كان الصالح الغربي وبالذات الولايات المتحدة وأوروبا بأن يتم استنزاف روسيا ورفع الكلفة عليها.

ويشير إلى أنه “في الوضع الطبيعي من المصلحة الوصول لحالة تفاوض وتحقيق السلم، ولكن الآن هناك مصلحة أمريكية غربية لاستدامة هذا الوضع من خلال دعم أوكرانيا عسكريًا وماديًا، والذي في نهاية المطاف سيرفع الكلفة على روسيا التي ليس لديها اقتصاد منافس للدول الغربية.

ويتابع بالقول: إن روسيا بطبيعة مشتبكة في أكثر من منطقة من مناطق العالم، وبالتالي هل الاقتصاد الروسي يتحمل حالة استنزافية قوية وصراع أشبه بحرب باردة مع الغرب هنا تأتي المسألة، التي إن طالت فستشعر روسيا بقساوة العقوبات التي ستفرضها أمريكا والغرب عليها.

هل نشهد تصادمًا قريبًا بين الدول الكبرى؟

وحول انعكاسات الحرب على منطقة الشرق الأوسط، أكد المومني أنه في نهاية المطاف سيكون تأثير كبير للحرب منطقتنا مرتبط بقدرات روسيا وقوتها، فهل تتناقص قدراتها وقتها وتأثيرها على انغماسها في ساحات مثل سوريا وليبيا وغيرها.

يتابع المومني حديثه: كذلك إن تطور الصراع إلى أكثر من ذلك، فمعظم دول المنطقة تسعى إلى التوازن والوقوف على الحياد، لكن في نهاية المطاف إن تطور الصراع سيترتب على دول المنطقة إعلان مواقف وتبنّيها مثل تركيا والدول التي تتمتع بعلاقات استراتيجية مع أمريكا.

“سيكون هناك تأثيرات اقتصادية كبيرة على المنطقة، بين مستفيد وخاسر، حيث ستربح الدول المنتجة للنفط والطاقة والجانب الآخر سيتأثر بارتفاعات الأسعار”، يقول المومني.

وينوه إلى أن “نهاية هذه الحرب والمآلات سوف يكون لها تأثير على مستوى العالم لكن بالنسبة للصين الأمر معقد فهناك علاقة مع روسيا ولكن هناك اعتمادية اقتصادية على الغرب”.

ويشير المومني إلى أن “الصين غير مستعجلة للتصادم المباشر مع الغرب، لكن إن برزت روسيا كالمنتصر في هذه الحرب هذا يمكن أن يشجع الصين ويضعف النظام الغربي”.

ويضيف أن “العلاقة الروسية الصينية ليست حلفا استراتيجيًا وإنما موضوع مصالح، لكن الصين بالنسبة للغرب هي المنافس الإستراتيجي”.

أوكرانيا .. إرهاصات نظام عالمي جديد

من جانبه يرى الكاتب أسامة أبو ارشيد  أن ما يجري في أوكرانيا اليوم هو مقدّمات مخاض عسير لإعادة تشكيل نظام عالمي جديد، لا نعرف أين سينتهي، فكل السيناريوهات مفتوحة، بما فيها حرب بين القوى العظمى، وإن كانت غير مرجحة، منوهًا في الوقت ذاته إلى أنه في كل الأحوال، فإن العالم مقبل على حقبةٍ جديدة من الاستقطاب، لا نعرف ملامحها بعد، وهل ستكون حرباً باردة بين أقطاب متعدّدة، إن بقيت ذات التحالفات قائمة، أم أنها ستكون حروباً تجارية، أو حروباً بالوكالة.

ويقول أبو ارشيد في مقالته في “العربي الجديد”: نحن أمام صراع إرادات وقوى لإعادة تشكيل الموازين الجيوسياسية عالمياً، وهو الأمر الذي لن تقبل به واشنطن بسهولة، خصوصاً وأنها تتربّع على رأس هرم النظام العالمي، وإن كانت مكانتها تتعرّض لتقويض وإضعاف مستمر.

ويتابع بالقول: ضمن تلك المعطيات، نشهد في السنوات القليلة الماضية تشكّلاً لمحاور وأقطاب جديدة تسعى إلى تحدّي الهيمنة الأميركية وضعضعتها، خصوصاً في ظل تصاعد حدّة الاستقطاب السياسي والثقافي في الولايات المتحدة. أهم تلك المحاور على الإطلاق هو المحور الصيني – الروسي، والذي يجتذب إليه دولاً أخرى ساخطة على السياسات الأميركية، كإيران وكوريا الشمالية. في المقابل، فإن المحور الغربي، متمثلاً في “الناتو” تحديداً، يعاني من تصدّعات فيه، بعضها بسبب تراجع مستوى الموثوقية بعموده الفقري، أي الولايات المتحدة، وبعضها الآخر يتعلق بحسابات أطرافه المتعارضة، كما نرى الآن في حسابات ألمانيا الاقتصادية مع روسيا، وحسابات فرنسا التي تريد اعتماداً أوروبياً أمنياً أكبر على الذات بعيداً عن أميركا، أو تركيا، التي كثيراً ما تتعارض حساباتها في الشرق الأوسط مع حسابات واشنطن وأطراف أوروبية أخرى.

ويستدرك بالقول: في المقابل، الصين متردّدة في أن تورّط نفسها في تحالف عضوي مع قوة عظمى عسكرية، ولكن تعاني هشاشة اقتصادية، مقارنة بخصومها الغربيين، فمستوى علاقات بكين الاقتصادية مع الولايات المتحدة وأوروبا لا يقاس أبداً بمستوى علاقاتها مع روسيا. وتدرك الصين أن حجم الاقتصادين، الأميركي والأوروبي، مجتمعين يشكلان 50% من الاقتصاد العالمي. ومن ثمَّ، هي لا تريد أن تجد نفسها مشمولة بعقوبات اقتصادية، إن وجد الغرب نفسه مضطراً لذلك، رغم تداعياتها السلبية على الطرفين. ولكن، هذا لا يعني استحالة تحقق التحالف بين روسيا والصين تحت وطأة الضرورة والحسابات الجيوسياسية في حال ما وجدا نفسيهما أمام مساع غربية لاحتوائهما وإضعافهما معاً.

فيتو روسي

يذكر أن روسيا استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يستنكر الغزو الروسي لأوكرانيا، في حين امتنعت الصين عن التصويت في خطوة تعدها الدول الغربية انتصارا لإظهار عزلة روسيا على الصعيد الدولي.

وامتنعت الإمارات والهند أيضا عن التصويت على النص الذي صاغته الولايات المتحدة.

وصوّت الأعضاء الآخرون بمجلس الأمن وعددهم 11 لصالح مشروع القرار.

ومن المتوقع أن تتبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة المكونة من 193 عضوا مشروع القرار.

يأتي امتناع الصين عن التصويت بعد أسابيع فقط من إعلان بيجين وموسكو عن شراكة “بلا حدود”، ودعم كل منهما الآخر بشأن أوكرانيا وتايوان مع وعد بالتعاون بشكل أكبر ضد الغرب.

وقالت السفيرة الأمريكية ليندا توماس غرينفيلد بعد أن استخدمت روسيا حق الفيتو “نحن متحدون خلف أوكرانيا وشعبها رغم أن عضوا دائما ومتهورا وغير مسؤول في مجلس الأمن يسيء استخدام سلطته لمهاجمة جارته وتخريب الأمم المتحدة ونظامنا الدولي”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: