الحوارات لـ “البوصلة”: نجاح تحديث القطاع العام مرهونٌ بهذه الشروط

الحوارات لـ “البوصلة”: نجاح تحديث القطاع العام مرهونٌ بهذه الشروط

عمّان – رائد صبيح

أعادت الخطة العشرية التي طرحتها الحكومة لتحديث القطاع العام وترشيقه لأذهان الأردنيين أطروحات الحكومات السابقة عبر العقود الماضية وخططها وأجنداتها ووعودها التي غلفت بـ”السراب” وبقيت محفوظة في الأدراج وتراكم عليها غبار السنين رغم ما حوته من أفكارٍ ريادية وخطط واعدة وارتقاء في كل المستويات، لكنّها لم يكتب لها أن ترى النّور.

يرى المحلل السياسي الدكتور منذر الحوارات في تصريحاته لـ “البوصلة” أنّ جزءًا من المشاكل التي تعاني منها الدولة الأردنية بشكلٍ عام يتمثل في ترهل القطاع العام، ونقص فعاليته، وعطالة بيروقراطية واضحة، من حيث أن البيروقراطية كانت “بانية” واليوم أصبحت معطلة، هذا منذ زمن يستدعي حلولًا، وإيجاد آلية وطريقة للتعامل مع هكذا واقع، مؤكدًا في الوقت ذاته أنّ أي عملية تحديث وتطوير للقطاع العام مرتبطة بشكل وثيق بعدد من الشروط الموضوعية تبدأ بالإصلاح السياسي وتنتهي بإشراك الجهات المستقلة والقطاع الخاص في العملية برمّتها.

ولفت الحوارات إلى أنّ القطاع العام بوضعه الحالي أصبح يضع عوائق أمام جميع القطاعات الأخرى، لأنه إذا كان جسم الدولة أو الهيكل الذي تدير نفسها من خلاله يعاني من العطب والمشاكل المزمنة، لا يمكن أن تحصل القطاعات الأخرى المتعاملة معه على الفعالية اللازمة.

وتابع حديثه بالقول: حقيقة نحن سمعنا كثيرًا عن خطط لتحسين الوضع في القطاع العام ولتحسين فعاليته وكفاءته ولكن جوبهنا في كل مرة بأن الكلام كان مجرد حبر على ورق ولم يرى صوره على أرض الواقع، وبالتالي أصيب الجميع بالإحباط من أنّ القطاع الحكومي جاد في إصلاح نفسه.

واستدرك: “لا أدري إذا كانت هذه المرة تتسق مع المرات السابقة وتجاريها بأنّ هذا مجرد كلام لن يرى أفعالاً على الأرض، وسنجد أنفسنا نعاني من المشاكل ذاتها التي نعاني منها الآن”.

ولفت إلى أنّ “التاريخ الأردني مع الحكومات لا يدعو للتفاؤل، لكن حتى نستطيع الاستمرار يجب أن نتفاءل”.

د. منذر الحوارات: لو كانت خطة إصلاح القطاع العام صادقة لكانت منوطة بجهات مستقلة خارج الحكومة

حكومة تستشير نفسها دون رقيب أو حسيب

وقال الحوارات: إنّ الملفت في الموضوع أنّ الحكومة قدّمت استشاراتها لنفسها، بمعنى أنّ لا أحد يستطيع أن يتعمّق في أخطائه، ومن يتعمّق في أخطاء اي جهة يجب أن يكون من خارج هذه الجهة، أعني في ذلك أنّك إذا تعودت على شيء تعتبره طبيعيًا ولن تجد الأخطاء فيه، ولن يجدها سوى شخص يأتي من الخارج، ويتحدث عنها.

وأضاف، “يبدو أن الحكومة ترتئي أنّها هي الوحيدة القادرة على اكتشاف الأخطاء ومعالجتها، وبرأيي هذا كلام غير واقعي وغير دقيق لأنه لا يمكن لأحد من البيروقراطيين والمستفيدين من تراكم الأخطاء في الجهاز الحكومي أن يقول عن نفسه مخطئ ويعالج خطأه، وبالتالي يحرم من الامتيازات التي توفرها له غياب الإصلاح أو غياب تحسين حالة القطاع العام”.

لو كانت الحكومة جادة في خطوة إصلاح القطاع العام، لجعلت عملية الإصلاح منوطة بجهات مستقلة خارج الإطار الحكومي وأشركتها فيها، وهي المعنية بهذا الإصلاح، وهي المعنية بالنقاش فيه.

“لكن عدنا إلى الطرائق السابقة أن الحكومة تحاول إصلاح نفسها، وفي النهاية تصطدم بالعوائق البيروقراطية السابقة والراسخة والمؤسِسَة والمؤسَسَة أيضًا على مصالح عميقة لا يمكن فصل عراها”، على حد وصفه.

وتابع الحوارات إنّ خطة الحكومة المعلنة ستواجه بسوء النيات، واتهامها بعدم وجود نية حقيقية لدى البعض للإصلاح الفعلي، وبالتالي يكون هذا الإصلاح مجرد كلامٍ في الهواء.

مقترح لنجاح التطوير الحكومي المزعوم

وقال الحوارات في تصريحاته لـ “البوصلة” إن الاقتراح لإنجاح تطوير القطاع العام أن تكون القطاعات غير الحكومية شريكًا أساسيًا في أي عملية لإصلاح القطاع العام، ولا ضير لو استشير أحد من المؤسسات ذات المصداقية الدولية في هذا المجال، حينها تصبح عملية الإصلاح ذات قيمة وذات جدوى.

ولفت إلى أنّه في هذا الواقع وفي هذه الحالة، أعتقد أنّ الحكومة تريد تحقيق إنجازات سرعان ما ستتلاشى مع حكومة أخرى، لأنّنا تعودنا خلال مسيرة الدولة أنّ حكومة تلغي قرارت الحكومات التي قبلها وليس هناك بناء تراكمي حقيقي في الدولة بذاتها، وهناك قطع في العمل يؤدي لمشاكل كبيرة.

وشرح ما ذهب إليه بالقول: بمعنى أنّ الحكومة تقرر وتعمل، وتأتي حكومة أخرى تقرر وتعمل بشكل مختلف عما أعلنت الحكومة السابقة، بل يمكن أن تقول إن ما قالته الحكومة السابقة محض كلام غير مجدي.

واستدرك الحوارات قائلا: لو كان هناك حياة ديمقراطية حقيقية، ومجلس نواب حقيقي يمثل المجتمع يناقش القضايا على أساس سياسي، برأيي ستكون عملية الإصلاح منوطة بالجهاز التشريعي أكثر ممّا هي منوطة بالجهاز التنفيذي.

وأبدى أسفه من أنّ “هنالك تراكمًا في الخطط الحكومية عبر العقود الماضية، ولكنّها لم ترى النور ولن ترى النور، لا سيما وأنّ منسوب الثقة بين المواطنين والحكومات ضعيف للغاية، وبالتالي أي خطة حكومية ستواجه بقاعة راسخة لدى الناس بأنّ هذه الخطة لن تؤدي إلى لمصلحة فئة محددة”.

الحل يبدأ بـ “الإصلاح السياسي”

وشدد الحوارات على أنّ الحلّ في الأردن يتمثل بالإصلاح السياسي بالدرجة الأولى، ينعكس على الإداري، إنّما أن نضحك على أنفسنا فهذا لن يفيد، وإذا لم يتم إصلاح سياسي حقيقي تكون فيه الحياة السياسية منوطة بالمجتمع ومن يختارهم، ومن يقرر أنهم يمثلونه بشكل حقيقي وليس صوريًا، بناء على أسس سياسية، ليس كما يراد من حياة حزبية مصطنعة كما يكيف لها.

وقال المحلل السياسي: إذا أردنا أن نصل لتطوير حقيقي للبلد، يجب أن ندرك أن البدء يكون من السياسة وينتقل للإدارة والاقتصاد، وعدا عن ذلك ستكون كل الخطوات مبتورة وفاقدة للفعالية ولن تجد المصداقية لا لدى المجتمع ولن تجد الفرصة للتحقق على أرض الواقع، لأنه لا يوجد إطار سياسي تشريعي منتخب بشكل مبني على أسس فعلية يستطيع أن يراقب، وينتقد، ويحاسب.

وخلص الحوارات إلى القول: لذلك ستبقى الحكومات هي سيدة الموقف في حال لم نقم بإصلاح سياسي، وهي من يقول ويكتب وهي من لا يفعل ولا يحاسب، مشددًا في الوقت ذاته على أنّ العملية الإصلاحية ستبقى قاصرة ولن ننهض ببلدنا، وسنبقى في حالة التراجع التي نحن فيها، لا أدري إلى متى حقيقة؟

خطة بلا تطوير حقيقي

“خطة الحكومة” المطروحة لترشيق القطاع العام وتحديثه استفزت الوزير الأسبق الدكتور بسام العموش وأعادت له صفحة من ألبومات الحكومات السابقة، معلقًا عليها بالقول: لم أسمع عن تطوير إداري من الحكومة، مؤكدًا أنّ ما تحدث عنه رئيس الوزراء مجرد “دمج وتغيير اسماء وطمأنة الموظفين وكأن ذلك منحة من الحكومة مع أنه حق دستوري وقانوني”.

وأضاف العموش بالقول: “كل ما قالوه قلناه عام ١٩٩٩ في المؤتمر الوطني للتشغيل ومكافحة البطالة والذي صدر عنه استراتيجية مكتوبة”.

تحديث القطاع العام

وأطلقت رئاسة الوزراء الأحد الموقع الإلكتروني لخارطة #تحديث_القطاع_العام www.govreform.jo وذلك بالتَّزامن مع إعلان الحكومة لمخرجات لجنة تحديث القطاع العام.

ويتضمَّن الموقع التَّفاصيل الكاملة لخارطة تحديث القطاع العام، وبرنامجها التَّنفيذي للأعوام 2022 – 2025م بمكوِّناته السَّبعة التي تشمل: الخدمات الحكوميَّة، والاجراءات والرَّقمنة، والهيكل التَّنظيمي والحوكمة، ورسم السِّياسة وصنع القرار، والموارد البشريَّة، والتَّشريعات، والثقافة المؤسسيَّة.

وسيكون الموقع بمثابة نافذة إلكترونيَّة لتمكين المتابعين من التعرُّف على آخر المستجدَّات حول سير العمل في البرنامج التنفيذيَّ، بالإضافة إلى كونه مرجعيَّة توثيقيَّة لجميع الإجراءات والخطوات التي يتمُّ اتِّخاذها ضمن أطر تحديث القطاع العام.

وكان رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة قد أعلن خلال مؤتمر صحفي الأحد، بحضور عدد من الوزراء وأعضاء اللجنة خارطة طريق تحديث القطاع العام، مؤكِّداً تعهَد الحكومة بوضع خطط تنفيذيَّة تفصيليَّة وتطوير مؤشِّرات أداء واضحة لضمان تنفيذ خارطة طريق تحديث القطاع العام.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: