مهنا الحبيل
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الطفل ماكرون وستراته الممزّقة

مهنا الحبيل
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

“والناس إذ يمكن أن يتفاوتوا قوةً وذكاءً فإنهم يتساوون حقاً وعهداً”.. جان جاك روسو (الفصل التاسع من العقد الاجتماعي).

“إن النخبة تقتل الشعب”، صاح أحد نشطاء حركة السترات الصفراء في برنامج تلفزيوني نفذته “يورو نيوز”، اعتمد البرنامج المصوّر على مشاركة حياتية من مراسلته، قضت فيه أوقاتا طويلة بين صفوف النشطاء، تحت قنابل الشرطة الفرنسية المسيّلة للدموع وإجراءات المواجهة الميدانية، التي شملت سقوط ضحايا.

وحتى اليوم تعود موجات الاحتجاج الصفراء، وإن أُضعفت في الشوط الأخير، غير أن الأزمة تضرب في جذور الواقع الحياتي الجديد للفرنسيين، وتأمُّل وجوه قيادات السترات وكوادرها يشير إلى حضور مكثف للفرنسيين من أبناء القومية الغربية، أي أن الأمر لا يتعلق فقط بمناطق وأحياء أجيال المهاجرين التي تتعرّض منذ زمن، لتهميش ممنهج، بغض النظر عن دوافعه، غير أن اللوحة البارزة التي يرصدها الباحث بكل سهولة أن بعض قيم اليسار الحقوقية في المساواة الضريبية وتوزيع الدخل تتعرّض بالفعل إلى برنامج نقض لصالح التوحش الرأسمالي، ولهذا التوحش مساران: الذراع الاقتصادية، في عجلة شركات المال وهيمنتها باسم الاقتصاد الحر والخصخصة،.. والحداثوية المادية الجندرية التي حوّلت العدالة الاجتماعية من حقوق الأسرة إلى تسليعها، عبر الصراع مع الفطرة وإيجاد بيئة نزاع إنسانوي مزعوم، ينشئ حرباً مع الحب الفطري الرومانسي بين الرجل والمرأة، والتعاطف الوجداني بين الآباء والأبناء والإخوة والأخوات، فيجعلها مشكلةً كونيةً في طبيعة العلاقة ذاتها، ثم يصنع برنامجا هجوميا باسم الحقوق، لإسقاط بقية تضامن الطبيعة للحياة الإنسانية.

هذا المسار أيضاً الذي تسمع صخبه في كل مكان أصبح نوعاً من تجارة التوحش الرأسمالي، لا تحصد منه “نتفليكس” فقط، بل عديد من أذرعة هذه الرأسمالية. ولذلك أضعَف اليسار نفسه، وانهارت مجتمعاته، حين خدعته الحداثة المادية، ولم توقف معركة العنف ضد المرأة ولا الطفل، ولم تعزّز المنظور الحقوقي الرحيم، بسبب أن البوصلة تم تغييرها للميزان الحداثي المادي الذي تقوده اليوم مع واشنطن، باريس الإليزيه.

خلال فقرات البرنامج، ركّز النشطاء على مهاجمة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اعتبروه الواجهة الأساسية لاقتلاع آخر حصونهم للتكافل الاجتماعي. وكما وصفته ناشطة خمسينية بالرمق الأخير، فيما قالت رفيقتها إنها كانت تفكّر بالانتحار، فما علاقة ذلك كله بقضية إيمانويل ماكرون وحملته الشخصية على الإسلام، وقيادة خطاب الكراهية العنصرية للمنتمين للمناطق الإسلامية في جغرافيا العالم؟

نحتاج أن نُذكّر بأن هذا التشريح للحالة الفرنسية، والتطرّف الباريسي الصاعد، لا يُبرّر مطلقاً، ولا يُغطّي كوارث الأنظمة العربية أو الشرقية، ولا حالة التخلف الشرقي عن متطلبات النهضة، غير أن ذلك أيضا لا يُجيز مطلقاً، ولا يسمح لفرنسا بشنّ حملات عنصرية على الأسرة البشرية للشرق الإسلامي، ولا على الإسلام كرسالة، علماً أن صناعة دين جديد باسم الإسلام كانت مهمة أسوأ أنظمة القمع العربية من أصدقاء فرنسا، خصوصا أن الإرث الفرنسي لا يزال عاجزاً عن الاعتذار، فضلاً عن توضيح دوره الأصلي في عجلة الإبادة منذ الاستعمار المباشر، حتى التدخل المصلحي على حساب قرار الشعوب واستقلالها الديمقراطي. كل ما في الأمر حملة ضجيج، قد تكون موجهة إلى واقع سيئ، بل غاية السوء في بعضها، في مسألة الحق الإنساني وحماية الطفولة والمرأة، لكن هذا الدعم الفرنسي ينقلب إلى الضد، حين تبدأ الشعوب اختطاط طريق حريتها المدنية، وحكمها الدستوري المنتخب، فيعود المستبد صديقا لفرنسا، والشعب المكلوم عدوا لها.

قُدّم الرئيس ماكرون، عند أول صعوده، ممثلاً لليبرالية الجديدة، وهي تيار سياسي اقتصادي متنفذ، برزت دعواته القديمة بسبب الفشل الذي كرسته الرأسمالية، وبالتالي هي نظام لليبرالية الاقتصادية، وليس ليبرالية الحقوق السياسية الدستورية، كمحاولة تصحيح رأسمالي مزعوم، لإنقاذ الفقراء من بطش الحداثة المادية، والتي فشلت في أن تنفصل عن فكرة الإبادة والتصنيف الجذري لشعوب الأرض، وها هي تعود بقوة إلى الغرب، غير أن الطاحونة اليوم تخنق إنسان أوروبا، وليس فقط المهاجر أو أبناءه.

إنها فشل ذاتي قومي، تسعى اللعبة السياسية والإعلامية إلى أن تصوّره في الصراع القائم بأنه بسبب أخذ المهاجرين حصة الأقدم من شعوب أوروبا وأميركا الشمالية من الغربيين، ولكن حينما تدقق جيداً تعرف صحة صرخة الناشط الفرنسي، فالنخبة تقتل الشعب أياً كان هذا الشعب، بسبب تضييقها لحصة الفقراء على حساب الأغنياء، وبالذات أغنياء الهيمنة الحديثة، وعلى الرغم من زعم الساسة في حكومات هذا التطرّف الذي اختلط فيه اليمين واليسار في الغرب، بأنهم يسعون إلى حماية المجتمع من التشدد، فهم في الحقيقة من يساهم في تغذيته، وتصعيد لعبته التي يتزايد تأثيرها على المجتمعات، فيزداد الصراع بينها، وتتمدّد عجلة الكارثة الرأسمالية في موقعها من حكم العالم المغدور.

جاء انتخاب ماكرون، بعد تجربة صعود رئيس الحكومة الكندية، جاستن ترودو، باعتبار أن كليهما يمثلان هذا الجيل السياسي الجديد في الغرب. ويعاني ترودو اليوم من أزمات، فاليمين يصعد في حزبه، بعد أن حَسم في حزب المحافظين، فضلاً عن أزمة كيبيك العنصرية، ضد حقوق الأقليات، وهناك توقع بانتهاء موسمه السياسي، غير أن ترودو الذي لم يستطع أن يكبح الدولة العميقة في الحزب الليبرالي، ويتحمل أيضا مسؤولية أخطائه الذاتية، حرص على بناء علاقة إنسانية شخصية مع الأسرة الإنسانية التي انضمت لمواطنيه. وقد كان والده بيير يطوف به في أحيائهم ومدارسهم. أما ماكرون فقد كان ابن المؤسسة البنكية التي صنعت عقله ووجدانه، وبالتالي، وكما قرّر بعض فلاسفة الأخلاق الغربيين المعاصرين، فإن عقلية مدير الرأسمالية البنكي قد يفصلها عن بيته القريب، لكن حين يتعامل مع الآخرين فيظل يحسب مصالح الشركة، لا حق الأعضاء الأخلاقي، ففشل ماكرون أمام السترات الصفراء، وعاد كالطفل ليعوّض فشله بتمزيق حقوق المسلمين في بلده والعالم.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts