محمود الريماوي
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

العالم يتفرّج على مسلسل الحرائق

محمود الريماوي
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

في أغسطس/ آب 2019، قال ميكائيل بارت، ويوصف بأنه أول شخص في البرازيل من السكان الأصليين يتم قبوله للتدريس في جامعة ريو الحكومية، “علينا أن نوقف هذا الخطر الذي اجتاح معظم أنحاء البرازيل، والذي يتقدّم نحو الأمازون. لا يمكن أن نترك هذا يحدُث لأن كامل كوكبنا سوف يعاني، والنتائج لن تخصّ البرازيليين فقط، بل ستشمل جميع الناس في هذه الأرض”. وكانت السلطات البرازيلية قد أحصت في ذلك العام زهاء 77 ألف حريق امتدّت إلى غاباتٍ عبر أنحاء البلاد، بما فيها الأمازون، وبزيادة نسبتها 85% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018، ولم يخلُ العام التالي 2020 من سلسلة حرائق واسعة، طاولت أكبر بلدٍ في المساحة والتعداد السكاني في أميركا الجنوبية.

يطلق على غابات الأمازون “رئة الأرض”، ويضم حوض الأمازون أعدادا هائلة من الأشجار والنباتات، ربما تعادل في عددها نصف الثروة النباتية في العالم، إذ يضمُّ هذا الحوض نباتاتٍ كثيفة يقدر عددها بـ 400 مليار شجرة؛ وتوفّر هذهِ النباتات خُمس غاز الأوكسجين للأرض، كما تُخزِّن نسبةً وافرةً من الكربون، فضلًا عن استهلاكها كمية غير معروفة لكنها مهمة من حرارة الشمس وطاقتها، كما تفيد موسوعة ويكيبيديا. إذ تغذّي غابات الأمازون المطيرة الكوكب، على عدّة مستويات، بما في ذلك توفير الأنهار الجوفية التي يمر منها ما نسبتهُ 20% من المياه العذبة، علما أنه منذ عقد السبعينيات تم قطع حوالي 20% من الغابات في البرازيل وحرقها، جنبا الى جنب مع اشتعال الحرائق!

لقد أصابت الحرائق الهائلة التي حذّر منها الرجل البرازيلي أكبر الغابات في العالم، وهي غابات الأمازون المطيرة التي تعادل مساحتها مساحة أستراليا. وقد تحالف الجفاف مع القيظ مع هبوب الرياح على سرعة انتقال النيران، وقد أضيف إلى ذلك القطع الهائل والجائر للأشجار الذي أباحته السلطات البرازيلية في ذلك العام، وكذلك الحرق المتعمّد للأشجار للحصول على الفحم. وبهذا أصبحت الغابات مسرحا للعبث وحقلاً للاتجار بالأخشاب على مرأى من السلطات، بل بإباحتها هذا النشاط الهدام. وقد جاء انتشار وباء كورونا بصورة كاسحة في هذا البلد، بما جعله يحتل المركز الثاني بعد أميركا بعدد الإصابات والوفيات، كي يغطّي على كارثة الحرائق التي تنطفئ بفعل الأمطار الموسمية، لتعود إلى الاشتعال في مواسم آخرى. كوارث تغطّي على كوارث.

ولم يمض سوى عامين حتى صدقت نبوءة هذا الرجل البرازيلي بأن يتهدّد الخطر كوكبنا كله، فمنذ يوليو/ تموز الماضي، تنتشر الحرائق في العالم من سيبيريا إلى إيطاليا ومقدونيا الشمالية وألبانيا وإسبانيا واليونان وتركيا وفرنسا والبرتغال ورومانيا، إلى سواحل الهند والصين وماليزيا وإندونيسيا وشرق أستراليا. وفي الولايات المتحدة، اندلعت حرائق ضخمة في 13 ولاية، منها كاليفورنيا، إيداهو، واشنطن، ومونتانا، وفي روسيا التهمت النيران 1,3 مليون هكتار من الغابات ووصلت الحرائق إلى مدينة ياكوتسك شمالي البلاد، وهي المدينة التي توصف بأنها أبرد مدينة مأهولة بالسكان على وجه الأرض، بفعل درجات الحرارة المتجمّدة في الشتاء، وقد انبرى رجال الإطفاء لمكافحة حرائق رفعت درجة الحرارة في المدينة إلى نحو مائة درجة فهرنهايت. وكان للعالم العربي حصة من هذه التطورات الخطيرة، إذ اندلعت الحرائق بصورة مخيفة في الجزائر وتونس، وبدرجة أقل، لكنها مهمة في لبنان وسورية. وعلى الرغم من التطور في وسائل مكافحة الحرائق، فإن سلطات بلدانٍ عديدة، بما في ذلك في روسيا وأميركا، تجد صعوبة في مكافحة النيران وإنقاذ السكان، وذلك مع ارتفاع سُحب الدخان التي تعيق عمل الطائرات قاذفات الماء أو سد الطرق ببقايا الأشجار المشتعلة. وتأتي الحرائق على الغابات، وتهدّد المناطق السكنية وحتى العواصم: وصلت إلى مسافة 40 كيلومتراً عن العاصمة الجزائر، و30 كيلومتراً عن العاصمة أثينا. كما تهدّد الكائنات ومصادر الحياة والتنوع الحيوي وتسمّم الأجواء، بما يجعل منها كارثة كاملة الأوصاف.

وقد أصبح معلوما أن احترار طبقات الجو وزيادة الاحتباس الحراري يسهمان في تسخين الأجواء، وفي تهديد الغابات والحقول بالحرائق في مناطق شتّى. وهي تؤدّي إلى أمطار بالغة الغزارة، وتتسبّب بوقوع فيضاناتٍ كما وقع في ألمانيا، وإلى اندلاع الحرائق، كما جرى في جنوب أوروبا وشرق المتوسط. ويحذّر خبراء من أن بعض عواقب الاحترار المناخي، بما فيها ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه البحر، ستبقى “غير قابلة للعكس قرونا أو آلاف السنين”.. غير أن هذه الظاهرة الخطيرة تلقى درجة أقل من الاهتمام السياسي والإعلامي الذي تستحقه، مقارنةً بمسلسل المغادرة الدرامية لبطل كرة القدم الأرجنتيني، ليونيل ميسّي، نادي برشلونة إلى نادي باريس سان جيرمان. إذ لم تتم الدعوة إلى قمة مناخ طارئة، ولم يتم تقديم موعد مؤتمر الأطراف المناخي السادس والعشرين الذي تنظمه الأمم المتحدة، والمقرّر انعقاده في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وإلى تنظيم عملية توفير دعم عاجل لمكافحة الحرائق في المناطق المنكوبة، وبصورة أكثر نجاعة، وحرائق تركيا والجزائر واليونان، وبعضها استمرّ أزيد من أسبوعين، شاهد على ذلك، هذا على الرغم من وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، هذه التطوّرات بأنها تمثل “إنذاراً أحمر للبشرية”.

ويصبح الأمر أشدّ تعقيداً، حين يجري استغلال وقوع هذه الظاهرة العالمية غطاءً لتدخل بشري إجرامي، وذلك حين تشتعل الحرائق الكبيرة في الغابات الشاسعة بفعل فاعل، وهو ما أشار إليه مسؤولون جزائريون، جزم بعضهم أن “من سابع المستحيلات أن تشب النيران بصورة متزامنة في عشرات الغابات المتباعدة”، كما قال وزير الداخلية الجزائري، كمال بلجود. فيما دعا الرئيس عبد المجيد تبون إلى تغليظ العقوبات على مرتكبي هذه الجرائم، وقد تم بالفعل توقيف أربعة مشتبهين، وقد اندلع نحو مائة حريق في 16 ولاية، وفي أكبر كارثة من نوعها وأوسعها نطاقاً تصيب هذا البلد. ومغزى ذلك أنه يمكن لمجرمين محترفين أو إرهابيين استغلال مواسم الحرائق في القارّات الست، كي يتدخلوا بإشعال حرائق متعمدة هنا وهناك، وبما يشكل خطراً أمنياً جديداً.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts