الغنوشي: خارطة طريق سعيّد فشلت والحل بالعودة إلى الديمقراطية

الغنوشي: خارطة طريق سعيّد فشلت والحل بالعودة إلى الديمقراطية

تظاهرة لصحفيين تونسيين للمطالبة بحرية التعبير- الأناضولقال رئيس حركة النهضة في تونس، راشد الغنوشي، إن خارطة الطريق التي وضعها الرئيس قيس سعيد، ثبت فشلها، وتقود البلاد نحو انهيار اقتصادي وسياسي.

وأشار الغنوشي في مقال له نشره موقع “يوراكتف“، ترجمته “عربي21” إن الحوار الوطني الشامل فقط، هو ما سيعيد تونس إلى الطريق الديمقراطي، وينقذ اقتصادها.

وأوضح أنه لم يكن مستغرباً في “البيئة السياسية المسمومة”، ألا تشارك سوى نسبة ضئيلة جدا لم تتجاوز الـ8.8 بالمائة والـ11 بالمائة في التصويت في جولتي الانتخابات الأولى والثانية، في ديسمبر/ كانون الأول 2022 ثم في يناير/ كانون الثاني 2023، لاختيار أعضاء برلمان قيس سعيد

وفي ما يأتي النص الكامل للمقال:

مر ما يزيد على الثمانية عشر شهراً تقريباً منذ أن بدل الرئيس قيس سعيد مسار الديمقراطية التونسية. منذ تعطيل البرلمان والاستحواذ على جميع السلطات التنفيذية في يوليو/ تموز 2021، عبر قيس سعيد عن ازدرائه التام للمؤسسات الديمقراطية، وللفصل بين السلطات وللحقوق الأساسية.

في عام 2022، شغل قيس سعيد نفسه بحل مجلس القضاء الأعلى، وإقالة 57 قاضياً لأنهم رفضوا تنفيذ رغبته، وحل البرلمان، والسيطرة على الهيئة المستقلة للانتخابات، ومحاكمة ما لا يحصى عدده من الأفراد الذين تجرأوا على معارضة حكمه السلطوي – والأغلب من خلال تقديمهم لمحاكم عسكرية، بما في ذلك أعضاء برلمان وفنانون وكوميديون ومحامون وصحفيون ومتظاهرون ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وتقويض استقلال المجتمع المدني التونسي، والذي كان ذات يوم يشاد به باعتباره الأكثر ازدهاراً في المنطقة العربية – وكل ذلك بينما الاقتصاد في حالة من الانهيار السريع.

على مدى الأسابيع القليلة الماضية، سعى قيس سعيد إلى التصعيد ضد المعارضة، فلجأ إلى المحاكم العسكرية لمحاكمة معارضيه الديمقراطيين وتجميد الحسابات البنكية للمئات من أعضاء المعارضة وأفراد عائلاتهم ولكثير من سيدات ورجال الأعمال.

بعد أن أحكم قبضته على كل دوائر السلطة، حاول قيس سعيد إضفاء شرعية على انقلابه من خلال القيام منفرداً بصياغة دستور جديد لم يبق ولم يذر من المؤسسات الديمقراطية والضمانات الحقوقية التي ناضل التونسيون من أجلها عقوداً.

أحال قيس سعيد البرلمان إلى مجرد متفرج سياسي بينما يحوز الرئيس على كافة الصلاحيات في السلطتين التنفيذية والقضائية.

في هذه الأثناء لا يكاد يحظى الاقتصاد منه بأي اهتمام، ولم يتوقف عن التراجع منذ استيلائه على السلطة، حتى بات على وشك الانهيار التام. تتنامى الإضرابات في مختلف القطاعات، وتشح السلع الأساسية، بينما قام خمسة وثلاثون رجلاً وامرأة بالعبور بشكل غير شرعي إلى أوروبا في عام 2022، وباتت البلاد على حافة الإفلاس.

ومؤخراً نشرت إحدى نقابات الأعمال الرائدة في البلد تقريراً عن احتمالات انهيار ليس فقط الاقتصاد، بل ومؤسسات الدولة كذلك.

في هذه الأثناء يتركز اهتمام قيس سعيد وتلاميذه فقط على اجتثاث المعارضة وإعادة النظام السلطوي الذي ظن التونسيون أنهم تخلصوا منه بعد ثورة عام 2011، بينما يفيد مؤشر الديمقراطية لمجلة الإيكونوميست بأنتونس منيت بأكبر تراجع في هذا المجال.

ولذلك لم يكن مستغرباً في مثل هذه البيئة السياسية المسمومة ألا تشارك سوى نسبة ضئيلة جداً لم تتجاوز 8.8 بالمائة و 11 بالمائة في التصويت في جولتي الانتخابات الأولى والثانية، في ديسمبر/ كانون الأول 2022 ثم في يناير/ كانون الثاني 2023، لاختيار أعضاء برلمان قيس سعيد – هذا فيما لو صدقنا الأرقام الرسمية التي وفرتها هيئة الانتخابات، والتي قام قيس سعيد بنفسه باختيار الأعضاء الذين تتشكل منهم.

قاطعت جميع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في تونس هذه الانتخابات. بدلاً من فتح حوار مع الآخرين، استخدم قيس سعيد القضاء لمحاكمةالمعارضين الرئيسيين له بتهم ملفقة. ولقد استدعيت شخصياً للتحقيق سبع مرات في قضايا مختلفة.

وخلال الأسبوع الماضي، شُنت جولة جديدة من الاعتقالات استهدفت الزعماء السياسيين من كافة الاتجاهات، واستهدفت كذلك رجال الأعمال، ورئيس القناة الإذاعية المستقلة الرئيسية، بالإضافة إلى العديد من النشطاء النقابيين. تتراوح التهم الموجهة إلى الموقوفين ما بين التآمر ضد أمن الدولة، إلى تلطيخ سمعة الرئيس، وإلى اتهامات بغسيل الأموال.

يستمر قيس سعيد إلى جانب ذلك كله بالهجوم على منتقديه، وامتهانهم، ووصمهم بالخيانة والإجرام والعمالة للأجنبي، وتشبيههم بالفيروسات والحشرات.

لربما رغب البعض داخل تونس وخارجها في البداية منح الرئيس قيس سعيد الفرصة لمعالجة مشاكل تونس.

فعلى الرغم من أن أفعاله كانت بوضوح غير قانونية، رفض الشركاء في تونس وصف إجراءاته الاستثنائية التي أعلن عنها في يوليو/ تموز 2021 بالانقلاب، وذلك رجاء أن تفضي خارطة طريقه إلى العودة إلى المسار الديمقراطي وتشكيل حكومة قادرة على التصدي للمشاكل الاقتصادية البنيوية في تونس.

إلا أن ذلك مني بإخفاق لا يخفى على أحد. ولقد بات جلياً بعد سنة ونصف السنة للجميع أن مشاكل تونس لم تجد طريقها إلى الحل، بل لقد تفاقمت بشكل خطير لتفرز العديد من الأزمات على جميع الجبهات، الأمر الذي باتيهدد بتقويض الأساسات التي تقوم عليها الدولة التونسية.

ومع ذلك لم نفقد الأمل. فقد واجه التونسيون تحديات مشابهة من قبل، وتمكنوا من التغلب عليها لإنقاذ بلدهم. ففي عام 2013، وعلى الرغم من الوضع الحرج الذي كانت تواجهه تونس، تمكنت القوى السياسية والاجتماعية من الائتلاف على حوار وطني والاتفاق على طريق يفضي إلى الخروج من الأزمة.

أنقذت قراراتهم البلد وجنبته الانزلاق نحو الصراع، وأعادت عملية التحول الديمقراطي إلى سكتها، ونالت تونس جائزة نوبل للسلام تقديراً لذلك الجهد. وأعتقد أن بإمكاننا أن نتعلم من التجربة من خلال الدخول في حوار وطنيللتعامل مع التحديين الرئيسيين اللذين يواجهان البلد.

أما التحدي الأول فهو كيف نعود إلى النظام الديمقراطي الذي يتجنب الضعف الذي شاب النظام السياسي ما بعد عام 2014. يمكن أن يتضمن ذلك إصلاحات في قانون الانتخاب، وتعديلات دستورية تتعلق بتوزيع السلطات بين الرئيس والبرلمان، وإنشاء محكمة دستورية.

بدأت النقاشات حول هذه القضايا داخل جبهة المعارضة القوية التي تتشكل من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.

وأما التحدي الثاني فهو التحدي الاقتصادي. لقد نجحت الحكومات منذ الثورة في إيجاد أوضاع أكثر انفتاحاً وشمولاً، ولكنها وجدت مشقة جمة في تنفيذ جميع الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة وواجهت مقاومة شرسة ممن رأوا أن الإصلاحات تضر بمصالحهم.

حُق لكثير من التونسيين الشعور بالخيبة إزاء الإخفاق في تحقيق تطلعاتهم بالحصول على وظائف جيدة ومستويات معيشة كريمة. ولكن يثبت التاريخ أن فترات ما بعد الثورات كانت دوماً تشهد أزمات اقتصادية وأوضاعاً متقلبة.

ولا أدل على ذلك من أن تحول بلدان أوروبا الشرقية بعيداً عن حكم السوفييت شهد تراجعاً اقتصادياً فيها طوال تسعينيات القرن الماضي قبل أن تتمكن من توليد نمو اقتصادي بفضل ما تلقته من مساعدات كبيرة من الاتحاد الأوروبي.

تمكنت ديمقراطية تونس الناشئة من بناء مؤسسات سياسية جامعة على مدى عقد من الزمن، إلا أن إصلاح الاقتصاد الذي تشوبه كثير من الممارسات الاحتكارية التي تحول دون المنافسة الشريفة يظل مشروعاً طويل المدى ويحتاج إلى دعم مستدام.

قد يغري البعضَ الظنُ بأن الحكم السلطوي بإمكانه تسهيل تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية. ولكن، وكما أثبتت التجارب في أرجاء منطقتنا وحول العالم، يندر أن يفضي الحكم السلطوي إلى نمو جامع واقتصاديات نشطة ناهيك عن أن يفلح في القضاء على الفساد.

بعد ثمانية عشر شهراً من الحكم السلطوي المتعاظم، تواجه تونس الآن وضعاً اقتصادياً أشد سوء بكثير مما كانت عليه قبل الانقلاب. والأهم من ذلك ذلك، أنه بعد عشرة أعوام من التمتع بالحرية، ها هو الشعب التونسي يثبت أنه لن يقبل بالعودة إلى الحكم السلطوي.

إن السبيل الوحيد للخروج من المأزق الحالي هو الحوار الوطني الجامع حتى يتم الاتفاق على تنفيذ الإصلاحات الضرورية، ليس فقط من أجل إنقاذ الاقتصاد التونسي، بل وأيضاً من أجل استعادة المسار الديمقراطي وسيادة القانون، فبذلك وحده يمكن تحقيق تطلعات الشعب على المدى البعيد.

نعمل بجد من أجل ضمان تحقيق ذلك، ونحن على استعداد لتقديم التضحيات اللازمة من أجل إنقاذ بلدنا وديمقراطيتنا، فنجاح تونس شأن لا يعني اليوم مواطنيها فحسب، بل ويعني بقية المنطقة.

أعتقد جازماً بأن التونسيين لن يتنازلوا عن حلمهم الديمقراطي، وأنهم سوف يكونون قادرين على إيجاد سبيل للخروج من الأزمة الحالية عبر الحوار، ومن خلال وضع مصالح الشعب في المقام الأول لحماية بلدنا من الانهيار.

(عربي21)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: