الفنّان محمّد صبح يروي لـ “البوصلة” فصول مسيرته مع الفنّ الملتزم

الفنّان محمّد صبح يروي لـ “البوصلة” فصول مسيرته مع الفنّ الملتزم

عمّان – البوصلة

“إنت صوتك حلو يا محمّد”.. بهذه الكلمات التحفيزية لأستاذ التربية الإسلامية في صفوفه الأولى بعد لحظة سماعه لتلاوته “العذبة” لآياتٍ من القرآن الكريم، يسرد الفنّان الأردني محمد صبح لـ”البوصلة” بداية قصته ومشواره الفنّي وتطوره المستمّر في عالم الغناء والفنّ الملتزم.

لم يكن يعلم محمّد في حينه أنّ تلك الكلمات ستكون “الشرارة والحافز” لما هو عليه اليوم بعد 35 ربيعًا قضاها من عمره، وما حقق خلالها من نجاحاتٍ فنية وتميزٍ في هذا المجال الذي يلمس أرواح الناس ويطرب قلوبهم قبل آذانهم بالكلمات المعبرة واللحن الجميل والصوت العذب.

بين الإذاعة المدرسية ومركز القرآن.. فنانٌ يكبر

يقول صبح لـ “البوصلة“: أول من اكتشف موهبتي أستاذ الإذاعة المدرسية، وفي يوم من الأيام وخلال حصة لتلاوة القرآن الكريم طلب منّي أستاذ التربية الإسلامية أن أقرأ آياتٍ من القرآن الكريم، فقرأت بصوتٍ جميل، فقال لي: “إنت صوتك حلو يا محمّد”، ولم أفهم قصده ولم ألتفت لذلك، فقام بالطلب من أستاذ الإذاعة أن يسمع تلاوتي للقرآن، وما كان منه إلا أن طلب مني في اليوم التالي أن أحضر للإذاعة لأقرأ القرآن خلال الطابور الصباحيّ.

ويتابع: “أصبحت بشكلٍ يوميٍ أقرأ القرآن في الإذاعة الصباحية، ومن هنا بدأت القصة، ثمّ طلب منّي أن أنشد في الإذاعة المدرسية ما أحفظه من الأغاني والأناشيد الوطنية”.

وينوه إلى أنّه “في تلك الفترة كنت ملتزمًا بمركز الصديق القرآني التابع لجمعية المحافظة على القرآن الكريم، وحظفت مع ما حفظته من أجزاء القرآن الكريم عددًا من الأناشيد الدينية بعضها للمنشد المعروف أبو راتب، الأمر الذي ساعدني على أن أقدم فقراتٍ إنشادية في الإذاعة المدرسية”.

ويضيف: إنّ “المراكز القرآنية” هي مكتشفة المواهب، فأي طالبٍ صوته جميلٍ يتمّ منحنه مزيدًا من الاهتمام ليطوّر مهارته الصوتية ويقوّيها، وهذا ما حدث معي بالفعل، حيث كان شيخي الذي يدرسني القرآن الكريم في مركز التحفيظ عالمًا بالمقامات الصوتية، وقام بجمع الأطفال الذين يمتلكون نعمة الأصوات الجميلة ودرسنا المقامات وطوّرنا أصواتنا بشكلٍ كبيرٍ جدًا.

دخول رسميٌ لعالم النشيد والفنّ

يقول محمد صبح لـ “البوصلة”: في العام 1998 دخلت وعددٌ من زملائي في المركز القرآني عالم النشيد رسميًا وأصبحنا نصُنّف بأننا منشدون ونمتلك الصوت الجميل، وأصبحنا يطلب منّا الإنشاد في حفلات التخريج في المركز، وأصبح لديّ الشعور في حينها بأنّني منشدٌ ولديّ المهارة والمقدرة على إنشاد وتقليد أي شيء أسمعه، وصنع ذلك بسلاسة ومقدرة عالية.

ويتابع، “تطور معي الأمر من المركز وحفلاته، حتى العام 2003، حين قام أحد الأصدقاء بإخباري أنّ المنشد الإسلامي المشهور أبو راتب يبحث عن منشدين للعمل معه في فرقة الهدى الدولية، وذهبت لتقديم الاختبار حيث اختبرني المنشد “موسى مصطفى”، وأخبرني بأنّ “في صوتي رنّة جميلة جدًا، وصوتك دافئ وجميل”، وبالفعل قبلوني بالفرقة وبقيت في الفرقة لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى أننّي كنت أتنقل خلال هذه الفترة ما بين المراكز والمساجد”.

“الديرة”.. تأسيس فرقة الإنشاد الأولى

ويسرد بداية تأسيسه لأول فرقة إنشادية يقودها، حين كان يبلغ من العمر 24 عامًا، بالقول: كنت من طلاب مسجد الكالوتي وأستاذنا يحيى حوّى الذي كان يطلب منّي أن أقدم بعض الأناشيد في مسجد الكالوتي، ومعرفتي بهؤلاء القامات الإنشادية والتشبيك معها منحني فرصة ذهبية لمزيد من المهارة والتطور، لا سيما وانهم كانوا يقدمون لي المساعدة الكبيرة لصغر سنّي وجمال صوتي، فقدموني في الوسط الفنّي وكانوا رافعةً لي، حيث لم يكن في حينه شركاتٌ للإنتاج الفنّي مثل اليوم، ولا يوجد قنوات مثل اليوم، فكان الأمر مقتصرًا على “الفرق الفنية”.

ويضيف، بعد عدة سنوات أكملت المسيرة لوحدي، وتحولت الهدى الدولية إلى اسم “اوتار” بقيادة موسى مصطفى بعد أن سافر المنشد أبو راتب، وبعد أربع إلى خمس سنوات انتقل موسى مصطفى لأوروبا، وتوقفت الفرقة، فأنشأت فرقة رديفة لها، وجمعت المنشدين وبدأت بتدريبهم وأصبحنا نشارك في الحفلات لوحدنا، وأطلقت عليها اسم “فرقة الديرة”، واستمرت لعدة سنوات.

ويلفت إلى أنه وقبل زواجه الذي كان في عمر السادسة والعشرين: أوقفت الفرقة، وأصبحت أشارك في الحفلات لوحدي بعد أن تعرفت على “عازف الأورج” اللي معي حاليًا، وطلعت معه أكثر من حفلة، وشعرت أن الفرقة أصبحت عبئًا، والنّاس أصبحت تتضايق ببعض الأحيان من وجود فرقة كاملة، فنّان مع عازف الأورج أكثر قبولاً لدى الناس.

ويقول صبح: بعدها أنشأت فرقة التراث، باسمي الشخصي “محمد صبح”، واستمر الأمر حتى العام 2017، وفي ذلك الوقت تواصلت مع المنشد إسماعيل القاضي بعد عودته من أمريكا، واقترح عليّ إنشاء فرقة جديدة، وهذا ما كان وأطلقنا عليها اسم “تراث”.

إنجازات وأعمال فنية

ويقول لـ “البوصلة“: أنجزت خلال مسيرتي الكثير من الأعمال الفنية، للثورات مثل سوريا مثل النار، وعملت لثورة تونس ومصر وكل الثورات أوبريت زمن الحرية خلص زمن الطغيان، وكان بمشاركة الفنّانين خيري حاتم وأحمد الزميلي وسائد العجيمي، وكان دويتو أملا الميادين مع الفنّان سائد العجيمي للثورة المصرية.

ويتابع حديثه: أصدرت أول ألبوم شخصي لي في عام 2012 وأسميته ألبوم “أشكرك”، ومن ضمنه أنشودة عمار يا بلادي التي يسمعها الناس على الإذاعات وخاصة “حياة إف إم”.

وينوه بالقول: “عملت سناجل كثيرة، منها أنشودة للأب، وأنشودة لمّا بدى منك القبول قبل عام، ولديّ مجموعة من الأعمال الفنية الأخرى.

الصوت الجميل هبة ربانية

يقول صبح: إن الصوت الجميل قطعًا هبة ربانية، وهو موهبة موجودة بالأساس، لكن التطوير لها وصقلها يساعدها على النموّ أسرع وأن تتعرف على أبعادها بشكلٍ أسرع.

ويوضح: أن هناك أصحاب أصوات جميلة ولكنهم لا يتعبون على أصواتهم ولا يطورونها فتبقى موهبتهم محدودة، ويضيع هذا الصوت الجميل في جنبات عدم التدريب والتطوير.

ويستدرك بالقول: “قطعًا أن التدريب لا يصنع الصوت الجميل، ولكن من لديه موهبة وصوت جميل من البداية، بتدريبه يستطيع أن يصبح منشدًا”.

رؤيته للفنّ الملتزم

ويشدد الفنان محمد صبح على أنّ “الغناء الملتزم إطاره أوسع ممّا وضع له، في البدايات كانت الناس تعتبر النشيد الروحاني هو الغناء الملتزم ولكن الرقعة الحقيقية لهذا أكبر، حتى الأغاني الوطنية غناء ملتزم لأن وطننا والوطن بشكل عام لكل إنسان جزء من دينه، ولذلك هل يجوز حين نغنّي له أن نستبعده من غناء الإلتزام”.

ويتابع حديثه بالقول: قطعًا إطار الالتزام أوسع من النشيد الروحاني الذي هو عبارة عن مديح نبوي وإلهي، وهذا النشيد نوعٌ من الغناء الملتزم، مع ضعف التواصل الاجتماعي لم يكن هناك المقدرة على وضع الأمور في إطارها الصحيح فيما يتعلق بالنشيد الملتزم، ومع توسع التواصل أصبحت الناس تفهم أن هذا الإطار بالفعل أوسع وأشمل.

ويضيف: “برأيي الغناء الملتزم هو كل كلمة نظيفة ضمن حدود المباح وليس فيها حرام هو من الغناء الملتزم، وما عدى ذلك هو غناء غير ملتزم”.

وينوه صبح بالقول: في البدايات أنشدت مع أبو راتب وموسى مصطفى وهو من الفنّانين الذين حاربوا وأحدثوا ثورة في إدخال الموسيقي لعالم النشيد الملتزم، وأنا اكتشفت منه بعض هذا الشي، واننا ما دمنا نقوم بذلك ضمن المباح وليس فيه أي خطأ، فنحن لا يجب علينا أن ننتظر من الناس أن توجهني، بل إن الشريعة الإسلامية واضحة في هذا السياق بنصوصها التي تحرم وتحلل، وما تركته لاجتهادنا مثل الموسيقي التي لم يرد فيها نصٌ صريحٌ بالتحريم، ترك الأمر لتقديرنا ولكن بشرط توظيفه في الحلال.

ويقول: من هذا الباب حاولت أن أوازن الأمور، وقطعًا لم أحاول صنع شيء ترفضه الناس، ولكن كنت دائما ضمن المقبول، ونتطور درجة درجة، حتى وصلنا لغناء الأعراس، وهي في أغلبها: دبكات وتراثنا الأردني والفلسطيني، وتراثنا السوري في بعض القدود والموشحات التي كنا ننشدها في الأعراس ضمن المباح وكانت مقبولة للناس.

ويستدرك بالقول: لكن نحن الآن في هذه الأيام يتم الضغط علينا لنغنّي الغناء الشعبي المصري، لكنّه بالنسبة لنا خارج إطار المباح ولذلك نرفض أن نغنيه في الأعراس، وللأسف البعض يخلط بين تراثنا النظيف الجميل وما يصدر من بعض الأغنيات الشعبية المصرية بعيد عن ديننا وأخلاقنا وذوقنا، ونرفضه جملة وتفصيلاً.

الرابطة العالمية للفنون

يترأس الفنّان محمد صبح قسم الفنون الصوتية في الرابطة العالمية للفنون التي أسسها المنشد محمد أبو راتب في العام 2003 كمؤسسة مجتمع مدني مستقلة تهتم بالفنون الجميلة على تنوعها، إنتاجاً وعرضاً وترويجاً.

ويقول صبح إنّ أي منشد يريد أن ينجز عملاً فنيًا يقوم بعرضه علينا في الرابطة منذ البداية قبل التوزيع والتسجيل، ونعطيه ملاحظاتنا ونصيحة واستشارة فنية.

ويلفت إلى أن الرابطة هي التي أنشات قناة الرسالة وفورشباب ومنشد الشارقة، وهي تجمّع لعدد كبير من المنشدين على مستوى العالم، حتى المنشد العالمي سامي يوسف كان معنا في هذه الرابطة في فترة من الفترات، وكذلك حمود الخضر وكثير من المنشدين الحاليين: إبراهيم الدردساوي ومعتصم العسلي، ومحمد عباس، ومحمد أبو راتب وموسى مصطفى، وخيري حاتم، وأحمد الكردي، وأسماء كثيرة بوسطنا لها بصمتها.

ويشير إلى أنّ الرابطة تؤسس للمهرجانات، وللاحتفالات، وتدير العملية، وتستقطب المنشدين وتساعدهم على تطوير أنفسهم من ناحية “الثقافة الفنية” من خلال دورات تدريبية اختيارية لمن شاء، لكن عندما تنضم لهذه الرابطة وتجد دورة في المقامات وأنت تبحث وتسعى لرفع قدرتك الفنية وثقافتك الموسيقية.

ويقول صبح: إنّ بعض المنشدين لديهم خلل في مسألة الثقافة الفنية والموسيقية، والرابطة تساعد على تجاوز هذا الشيء، بالإضافة لتوجيه المنشدين الذين يسعون لإنتاج عمل فني يقومون بالعودة لنا واستشارتنا.

هل وصل الغناء الملتزم للبيت الاردني؟

يجيب الفنان محمد صبح على سؤال “البوصلة” بالقول: بشكل أو بآخر وصل الغناء الملتزم لبيوتنا، فكثير من المنشدين أغانيهم الوطنية تسمع في البيوت الاردنية بشكلٍ عام، فمثلاً أغنية عمار يا بلادي، تبث في إذاعة حياة إف إم وإذاعة حسنى وتبث في فن وأمن إف إم.

ويضيف: إن بعض الناس يقولون لي حين أعرفهم بنفسي لم نسمع باسم “محمد صبح” الفنّان، وعندما أخبرهم أنني منشد أغنية “عمار يا بلادي” يعرفونها مباشرة، وبالتالي يتعرفون عليّ.

ويؤكد: هذا بالنسبة لي يدلل على أننا استطعنا الوصول للبيت الأردني بغض النظر إن كانوا معنيين بالاستماع للإذاعات الملتزمة أو غيرها.

ويتابع بالقول: يمكنني أن أضرب لك الكثير من الأمثلة لمنشدين غنّوا للنجاح والأعراس ووصلوا فيها لجميع أطياف المجتمع، حتى غير المسلمين.

رسالة فنية ملتزمة

ويختم الفنّان الملتزم محمد صبح حديثه لـ “البوصلة” بتقديم نصائح للفنانين الملتزمين والجمهور بالقول: “رسالتي بدايةً للفنّان قبل المستمع، أن يحافظ على بوصلته بشكل صحيح، وأن لا تحيد البوصلة لأن هناك كثيرًا من الشدّ العكسي، وكثير من الضغط على الفنانين الذين يحملون رسالة الفنّ الملتزم”.

“دائما يجدد النية مع الله عز وجل وأن تكون بوصلته واضحة وأن لا يقدم تنازلاً ولو كان بسيطًا، لأنّ هذا سيكون البداية لتنازلاتٍ اعظم، ويجب على الفنّان أن لا يتبع خطوات الشيطان”، يقدم صبح نصيحة للفنّان الملتزم.

ويتابع: “لا تعمل أي عمل فنّي أنت غير راضٍ عنه، لأن المستمع الآن مستمع جيد ويفهم الفن ويسمع كثيرًا، وحتى يكون لنا بصمة يجب أن نعمل بطريقة عالية الجودة”.

أمّا نصيحته لجمهور الفنّ الملتزم، فيقول: رسالتي للمستمع أن يحاولوا التفريق ما بين الفنّ الحقيقي ويدعموه، ولا يدعموا الفنّ الهابط والأغاني ونحن نرى ترندات بتنزل أغاني ليس لها قيمة ولا مستوى فني ولا لحن، حتى موسيقيًا تكون ضعيفة، ونجد تصبح ترند، لأن مستوى الغناء انخفض للحضيض، حتى وجدنا بعض المغنّين يستعرضون بأجسادهم، والأكثر غرابة من يسمعونه في السيارة، وهم لا يرون جسده ويسمعون صوته واغنيته الفاقدة لأي قيمة فنية ولا كلمة ولا لحن ولا أداء ومع ذلك يصبح ترند ومشاهداته بالملايين.

ويختم بالقول: “اطلب من مجتمعنا الأردني العربي العالمي ومن أن يستمع للفنّ الحقيقي والفنّان الحقيقي ويدعمه، وليس الأشخاص الوهميين الذي يقدمون الفنون الوهمية فاقدة القيمة لأنها ستندثر في النهاية، وكثيرٌ من المنشدين والمغنّين الذين قدموا الفنّ الحقيقي بقي فنهم يتوارثه الناس، (فأمّا الزبد فيذهب جفاءً وامّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)”.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة:

Comments 1

  1. أم عمر أبو غوش says:

    فنان رائع وصوته جميل وانا استمع لأناشيده وتلاوته للقرآن دائما .