الدكتور عبدالحميد القضاة (رحمه الله)
نشرة فاعتبروا (212)
- كان عبد اللهِ المزني يتوقُ إلى الإسلام، ولكنَّ قومه منعوه، ولما علموا إصراره أخذوا منه كل شيءٍ إلا كساءً غليظا عليه يسمى “البجاد” ليضمنوا بقاءه، ولكنّه غافلَهم وخرجَ. فلما اقتربَ من المدينة شقَّ كساءه فجعلَه قطعتين، فاتَّزرَ بواحدة وارتدى الأخرى، ودخلَ على النبيِّ مُعلِنًا إسلامه، ولُقِّبَ منذ تلك اللحظة بذي البجادين!
- وجاءتْ غزوة تبوك، وخرجَ ذو البجادين مع النبيِّ، يقول عبد الله بن مسعود: قمتُ في جوف الليل، فرأيتُ شعلةً من نارٍ في ناحية العسكر، فذهبتُ أنظُرُ ما الخبر، فإذا ذو البجادين قد مات، وإذا هم قد حفروا له قبره، ورسول الله في حُفرته، وأبو بكر وعمر يُناولانه إياه ليضعه في قبره. فلما وضعَه في قبره بيديه الشَّريفتين قال: اللهمَّ إني أمسيتُ راضيًا عنه، فارضَ عنه، عندها قال ابن مسعود في نفسه: يا ليتني كنتُ صاحب الحُفرة!
- من صَدَقَ مع اللهِ أبلَغَهُ الله مُراده! هذا قانونٌ سَنَّه ربُّ العزةِ يوم خلق السماوات والأرض لا يتغيَّر ولا يتبدَّل حتى قيام السَّاعة! خرجَ ذو البجادين تاركًا الدنيا كلها وراءه لا يُريدُ إلّا الله ورسوله، فكانت مُكافاة نهاية الخدمة على قدر النية!، النبيُّ يضعُهُ في قبره بيديه ويُغلِقُ ملفَّ قضيته بشهادة ودعاء: اللهم إني أمسيتُ راضيًا عنه، فارضَ عنه!
- الطريقُ إلى الله صعبٌ وشاقٌ وطويل، ولكن ليس المهم أن نصل، المهم أن نموت على الطريق الصحيح، فهذا بحدِّ ذاتِهِ وصول!، لن نُسأَلَ عن عمومِ المُسلمين، وإنما سنُسأل عن أنفسِنا، عن عبادتِنا، عن ورعِنا وتقوانا، عن صدقاتِنا، وأخلاقِنا ومعاملاتِنا، عن بيتِنا، عن بناتِنا وحجابِهن، وعن أولادِناِ وصلاتِهم، هذه هي قضيتنا، وهذه هي طريقنا.
العـلماء ثـَلاَثَةُ أَصـْنَافٍ
- صـنفٌ يتعلم ويُعلِّم، فـهو ينتفع بعلمه وينفع غيره، فـينال الأجر والثواب، وهذا الصنف ان شاء الله أنّه لا يعدم العمل بعلمه فينشره حيثما حلّ، ويستغله تماما بما يُرضي الله تعالى.
- أمّا الصـنف الثـاني: يتعلم ويُحـصّل قدرا من العلم، لكـن ليس عنده من الفهم الثاقب مثل الصنف الأول، فهو وعاءُ حفظٍ، حتى يأتيَه من يستخرجه ويكون أوعى منه وأفقه، فالصنف الأول مثل الأرض التي أمسكت الماء وأنبتت العشب، والصنف الثـاني مثل الذي الأرض التي أمـسكت ولـم تُنبت عشبا، لكن أمسكته حتى ينتفع الناس به، يشربون ويسقون ويزرعون.
- الصـنف الثـالث: هم من الناس الذين لا خير فيهم، يعني لا ينتفع بالعلم ولا ينفع غيره، فهذا يُشبه القيعان، التي هي قاعٌ لا تُمسك ماءً، ولا يؤثر فيها، فهي لا نافعة ولا منتفعة، هذا هو الصنف الثالث من الناس لا ينفع ولا ينتفع “إِنَّمَا هِيَ قِيعانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأ….”.