د. عبدالحميد القضاة
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

المشاركة أكثر إيجابية!

د. عبدالحميد القضاة
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

    بداية، أود التأكيد على أن المشاركة السياسية هي الأصل المقر في نهج الحركة الإسلامية، والمقاطعة هي الاستثناء عندما تدعو إليها ظروف طارئة غير طبيعية، وفي هذه الحالة تتم دراستها ومناقشتها، ثم التصويت عليها، وأحياناً إجراء استفتاء عليها في قواعد الحركة الإسلامية، حسب الإجراءات القانونية المتبعة داخل الأطر القيادية في الجماعة، وقد كنت ومازلت، ورغم كل الأسباب التي يسوقها الداعون للمقاطعة، ويحاولون من خلالها تسويغ هذا الخيار احتجاجاً على الظلم الرسمي ومحاولات الإقصاء والتزوير، وتفصيل قانون انتخابات نيابية خاص بالحالة الأردنية لتحجيم الحركة الإسلامية، كنت أجدُ نفسي مقتنعاً بالمشاركة، رافضاً لمنهج المقاطعة، وصحيح أن كليهما فعل سياسي، لكنني أعتقد بأن إيجابيات المشاركة أكبر، فنحن إيجابيون دائماً وأبدا، نستثمر القليل بالعمل والتفاعل والاحتكاك والصبر، وحسن التصرف والوقوف على أرض الواقع، الذي يولّد الخبرة والمراس، هذا القليل يُصبح مع الزمن كثيراً بإذن الله، فيزداد الخير وينتشر، ويضمر الشر وينحسر، فالإخوان المسلمون خلقوا ليعملوا ويباشروا خدمة الناس بأيديهم، ويحاولون تغيير المنكر بكل الطرق المشروعة حسب اجتهادهم، لا بالابتعاد والانتقاد والتنظير أحياناً، وإنما بالمخالطة والمشاركة والنزول إلى الميدان والتحمل وإيجاد المثال العملي الحي.

     وصدق رسول الله صلّ الله عليه وسلم إذ يقول: “اَلْمُؤْمِنُ اَلَّذِي يُخَالِطُ اَلنَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنْ اَلَّذِي لا يُخَالِطُ اَلنَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ”، نعم مخالطة الناس فيها بعض الشقاء والعناء، والنكد والضيق، ولكن على الداعية أن يصبر على ما يقع عليه منهم  من أذى، وأن يحتسب الأجر في ذلك على الله، ولا مخرج من هذا إلاّ بالتغاضي والحلم، ألا ترى أن الله تعالى قد عاتب (بل عاقب ) نبيه يونس-عليه الصلاة والسلام- لما ذهب مغاضباً مغتاظاً من قومه، فقال تعالى:”  وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”  الأنبياء87، فالأمر ليس باختيار الداعية أن يترك القوم وحالهم، بل الصبر على الناس وتحمل الأذى الصادر منهم، من الأمور الواجبة التي لا مناص من حملها والقيام بها، والعاقبة دائماً وأبدا للمتقين، وإنما هو ابتلاء وامتحان يجريه الله تعالى على الدعاة والعلماء؛ ليميز الصادق الصابر المحتسب، من النزق المتعجل الطائش.

      وربما خير مثال معاصر، هو فعل الإخوان المسلمين في مصر، حيث المشاركة دائماً، رغم بلطجية الحكومة وما يحملون من سيوف وأدوات إجرامية للترويع والتخويف، ورغم التزوير الفاضح والعربدة الرسمية واعتقال الأحباب والأنصار وتخويف الناس، إلاّ أن الإخوان كانوا يصرون على المشاركة ولو لم ينجح منهم أحد، وفعلاً حصل مرة أن رُسّبوا جميعاً،  لكنهم اقاموا الحجة على خصومهم الذين زوروا إرادة الشعب، وقمعوا الحريات وصادروا الحقوق في وضح النهار وأمام الرأي العام العالمي.

وقد سمعت هذا شخصيا من فم الشهيد الدكتور محمد مرسي  – رحمه الله – في منتصف عام 2003م، يوم كان نائبا بالبرلمان المصري، حيث كنا في الجزائر في جنازة الداعية محفوظ النحناح – رحمه الله – قال: ظُلمنا ظلما شديدا في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر، لدرجة أنهم اعتقلوا يوم الإنتخابات  كل من  كان حولي من الشباب  في دائرتي الإنتخابية ؛حتى أبنائي، فلم يبقى معي إلا زوجتي، ومع هذا صبرنا وشاركنا.

 شارك الإخوان وصبروا، ونشروا دعوتهم بكل الطرق المتاحة، دخلوا كل بيت، وسمع بهم وبدعوتهم القاصي والداني من خلال مهرجاناتهم وحركتهم الدؤوبة، فكان لهم ما كان من رصيد شعبي وسمعة عالمية وخبرة ممتدة وتوفيق قلّ نظيره، ظهر بعضه في الانتخابات الرئاسية ومجلس الشعب التي حصلت بعد الثورة.

ومع أن المقاطعة فعل اجتهادي، إلا أنني لا أجد أن الأمور تستوي مع التربية الإخوانية، فأن يكون الناس منشغلين في الانتخابات في مجالسهم ودواوينهم ومهرجاناتهم تحضيرا للانتخابات، الكل يتحرك ويعمل كخلية النحل، والإخوان في واد آخر، كأنهم لا دخل لهم في ما يهم الناس ويشغل بالهم، فإذا لم تكن هذه عُزلة طوعية عن الناس، فما هي إذن؟، والناس لا يُراهن عليهم، فهم بطبيعة تكوينهم العشائري وحاجاتهم اليومية ومتطلبات معيشتهم الملحّة، ينسون كل تضحية لأجل الصالح العام، وفي المقابل يفكر الإخوان ومعهم بعض الناس ببرامج موازية كبديل للمشاركة ولكن وسط زحمة الأحداث في المنطقة وتجددها، سرعان ما تذهب أدراج الرياح ولا يُطبق منها شيء، وبالتالي لا كنا في هذه ولا في تلك.

هذا الفعل الاختياري – رغم أنه احتجاج – إلاّ أنه عين ما يريده الخصوم الفاسدون الذين لهم كل المصلحة في ابتعاد الحركة الإسلامية ومقاطعتها، ولذلك لا ينبغي ترك الساحة لأهل الأهواء والشهوات الفاسدين المفسدين، يلعبون بدين الناس وأعراضهم وأموالهم كيفما شاءوا، بل لا بد من المزاحمة ونشر النور، ودعوة الناس إلى الحق مهما بلغت الحال من السوء، فالعاقبة دائماً للمتقين الصابرين المثابرين.

ولا أجد مسوغاً يُقنعني أن نبقى في دائرة اتهام المجتمع بالفساد والانحلال، ونحن في معزل عن السعي في إصلاحه ونشر الحق فيه، من خلال الحوار والمشاركة في كل شيء رسمي وشعبي، جنباً إلى جنب، لأن مجتمعنا ما زال يقبل الصلاح والإصلاح، والخير فيه كثير ولله الحمد، والشر والفساد وإن كان له أتباع ودعاة، لكنه كالزبد سرعان ما يذهب جفاء، تحت وقع عمل المخلصين في الميدان، وأما ما ينفع الناس فإنه يمكث في الأرض، والأيام دول، ولن يبقى إلا ما أريد به وجه الله تعالى .

ومهما كانت أسباب المقاطعة وجيهة، إلا أنها تنتهي بابتعاد المخلصين عن المواقع المهمة، وبالتالي سيحل غيرهم مكانهم، لأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فإن كانوا أقل أمانة وكفاءة من المقاطعين، نكون  قد ساعدنا – دون أن نقصد – على نشر الفساد وتجذيره وتكثير المفسدين في هذا المجتمع الصابر.

ونحن الإخوان المسلمين بطبيعة تربيتنا الإسلامية، ومعتقداتنا التنظيمية حركة سلمية، لا نؤمن بالانقلابات العسكرية، ولا بالاغتيالات السياسية للمعارضين، ولا بأي شكل من أشكال العنف، ونريد في الوقت نفسه أن نوصل الخير إلى أهلنا ومجتمعنا، بل إلى البشرية جمعاء، نحق الحق ونساعد عليه، ننشر العدل ولو على أنفسنا، نعدّل القوانين لتحل المؤهلات والكفاءة مكان المحسوبية والواسطة، ليأخذ كل ذي حق حقه، كيف سيتأتى هذا، بعيداً عن المشاركة الهادئة الهادفة، التي تجعلنا موجودين في كل مكان وفي كل دائرة، بنفسية الذي يخدم إنسانه ودينه وبلده، لا بنفسية المغالب المستعلي المستعجل، الذي يُسابق الزمن ليحتل أماكن الناس بغير حق، بحجة أنه يريد أن يٌقيم حكم الله في الأرض، ظاناً أنه المسلم الوحيد المكلف بهذا، ما أجمل أن يصبح هذا قدوة لمن حوله، وظيفته إحسان عمله وإقناع من حوله أنهم مكلفون مثله بنشر الخير وتطبيقه.

وإذا نسي الناس، فنحن الإخوان يجب أن لا ننسى إطلاقا أن المطلوب منا هو السير على الطريق الصحيح القويم، والثبات عليه، وتحمل تبعاته، والبذل في سبيله، ولسنا مسؤولين عن النتيجة مهما كانت إذا بذلنا وسعنا بالطريقة الصحيحة، فهذا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يقول:” عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ ، وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّهْطُ ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ….،(رواه البخاري)، فهل النبي الذي لم يمر معه أحدا لم يقم بواجبه؟!، أبداً، بذل كل ما في وسعه، فاستحق حب الله ورضوانه.

والمصطلح الجديد القديم الذي انتشر هذه الأيام “الدولة العميقة” المتجذرة بالفساد، لا تقبل إلا من شابهها، ولا تتعاون إلاّ مع من سارعلى دربها فساداً وإفساداً، مثل هذه الدولة العميقة كيف لنا أن نجابهها اذا لم نشارك  بها بهدوء، ونتكاثر فيها شيئاً فشيئاً، بحيث نكون مع المخلصين الكثر من غير الإخوان – مع مرور الزمن – في كل دائرة، من أبسط الوظائف إلى أرقاها ما استطعنا الى ذلك سبيلا، عندها سيجد من يُبتلي من الصالحين  بموقع متقدم  في المسئولية، سيجد منّ يتعاون معه على الخير لمصلحة البلاد والعباد.

أعتقد أن زمن المعجزات قد ولّى إلى غير رجعة،لأن المعجزة لا تجري إلا على يد نبي، والله تبارك وتعالى ربط في سننه الكونية النتائج بأسبابها، فلا يحلمنّ أحد أن يُصبح يوماً وهو مستلق على أريكته وإذا هو في مجتمع “المدينة الفاضلة”، تُطبق فيه كل أحكام الإسلام الحنيف، هذا الحُلم لن يأتي إلاّ بالمخالطة والعمل الهادىء المستمر الذي يتّبع الأسلوب الرباني العملي الأمثل، الذي يكسب القلوب قبل تسجيل المواقف، بحُسن الخلق والواقعية ولطف التعامل وسعة الصدر والتأني والصبر، والحلم وخدمة الناس وقول الحق والثبات عليه، والعمل الجماعي المتواصل، وإيجاد البدائل العملية والأمثلة الحية في الميدان لتكون أمام الناس وقدوة لهم.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts