المشهد التونسي يزداد قتامة.. ونجاح الإضراب العامّ يعمّق أزمة “انقلاب سعيّد”

المشهد التونسي يزداد قتامة.. ونجاح الإضراب العامّ يعمّق أزمة “انقلاب سعيّد”

عمان – البوصلة

لم تشهد تونس منذ إطلاقها لصافرة بدء ثورات الربيع العربي نهاية العام 2010، رفضًا للظلم والقهر والاستبداد، أوقاتًا عصيبة كما هي اليوم، فبعد الأوضاع المعقدة التي خلفها “انقلاب قيس سعيد” على كل المؤسسات الدستورية واستئثاره بقيادة المشهد برمّته وانغلاق المشهد السياسي بالكامل والإقدام على “مجزرة قضائية”، عاد الاتحاد العام التونسي للشغل ليقول للمستبد الجديد “لا” عبر إضرابٍ عامٍ يوم الخميس شلّ المطارات والموانئ والحياة في تونس بدعمٍ من مختلف قوى المعارضة وأحزابها، ليزداد نزيف المشهد السياسي ويتعمّق المأزق الاقتصادي بتونس.   

وقال الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي إن الإضراب حقق نجاحا بنسبة 96.22%، مؤكدا أن الاتحاد أثبت مجددا أنه منظمة لديها القدرة على رسم التوجهات العامة.

وأكد الطبوبي في خطابٍ أمام مئات النقابيين في العاصمة تونس، أننا ننفذ الإضرابات من أجل خيارات واستحقاقات الطبقة العاملة، وأنه لا خير في سلطة تهين قوة الإنتاج وتستهين بعمالها.

وعلى الرغم من أنّ الاحتجاج المطلبي الاقتصادي هو الذي غلف هذا الإضراب لكنّ خلفه احتجاجاً ورفضًا لسياسات قيس سعيّد برمّتها وتغوله على المشهد التونسي بطريقة أعادت “استبداد بن علي” ورموزه الذين ثار عليهم التونسيون بثورة الياسمين نهاية العام 2010 للمشهد من جديد.  

فشل الانقلاب على الديمقراطية

من جانبها حذرت حركة النهضة التونسية في بيانٍ، وصل “البوصلة” نسخة منه، من أنّ أوضاع البلاد تزداد منذ الانقلاب تازما سياسيا واحتقانا اجتماعيا بسبب فشل النظام في خياراته وانقلابه على الديمقراطية ومؤسساتها وإمعانه في الاستحواذ على كل السلط وعجزه عن الحوار مع الأطراف السياسية والاجتماعية الأمر الذي جعل كل القطاعات الاجتماعية في حالة غليان أو إضراب وجعل الأحزاب السياسية في حالة احتجاج وتظاهر ، وتداع إلى العمل الجبهوي ونسيان خلافاتها من أجل وقف سيل الدكتاتورية الجارف.

وعبر الحركة عن دعمها للمطالب المشروعة للعاملين واحترام الحق النقابي وتدين كافة أشكال العنف المادي أو اللفظي التي تتعرض لها قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل وقادة الأحزاب والجبهات اللذين يتصدون للانقلاب وخياراته لإنقاذ البلاد من المصير المجهول خاصة بعد تفاقم الاستبداد والبطالة والفقر والعزلة الدولية.

وأدانت بشدة إدمان السلطة على إحالة معارضين سياسيين على المحاكم العسكرية وتسليط عقوبات عليهم قصد إقصائهم من الحياة السياسية، ويعدّ الحكم الاستئنافي على نائب الشعب ورئيس حزب ائتلاف الكرامة المحامي سيف الدين مخلوف بالسجن والحرمان من ممارسة المحاماة استهدافا له ومصادرة لحقوقه المشروعة.

كما جددت الحركة دعمها للقضاة في معركتهم من أجل فرض استقلالية السلطة القضائية واحترام القضاة وهياكلهم الشرعية ورفع المظلمة المسلطة عليهم  والنأي بالقضاء عن كل توظيف سياسي لتصفية الخصوم السياسيين للانقلاب أو ممارسة ضغوط عليه لاستهداف حركة النهضة مجاراة لما تثيره جهات استئصالية من قضايا مفتعلة.

وأكدت أنها تقف إلى جانب حرّية التعبير والصحافة والإعلام وتندد بالمضايقات التي يتعرض لها هذا القطاع والناشطين فيه وتذكر بخطورة هذا التمشي الهادف إلى نشر حالة من الخوف في المجتمع تمكينا لمشروع الاستبداد والتسلط.

واستنكرت مساعي سلطة الانقلاب عبر هيئة الانتخابات التابعة لها لتجريم الموقف الداعي إلى مقاطعة مهزلة الاستفتاء معلوم النتائج والرامي إلى تركيز حكم فردي مطلق على أنقاض الديمقراطية المغدورة منذ الانقلاب.

ثورة بلا مخالب ولا أنياب

من جانبه اعتبر المحلل السياسي التونسي محمد هنيد أنّ فشل المسار الثوري في تونس كان سببه انها “ثورة بلا مخالب ولا أنياب”.

وقال هنيد بمقالة له في صحيفة “عربي21” اللندنية إن انتكاس الثورة أو الانقلاب على المسار الانتقالي كان تحصيلا حاصلا ونتيجة حتمية لأخطاء النخب التي أمسكت السلطة بعد الثورة، واختارت التغاضي عن جرائم الاستبداد من أجل ضمان مقعد مريح في الحكم. وكانت كل المؤشرات الداخلية والخارجية وخاصة الاجتماعية منها تشير إلى نسق الأزمة التصاعدي، وصولا إلى الموعد الانتخابي الرئاسي والبرلماني يوم خرج “قيس سعيّد” نبيا منقذا من فساد النخب والسياسيين، مبشرا بعصر الجماهير والبناء القاعدي وتنسيقيات الحشد الشعبي.

ولفت بالقول: ليس قيس سعيّد وما يأتيه من تدمير لمسار الثورة التونسية مسؤوليته الفردية، بل نجح الرجل في تحيّن فرصة تاريخية وصعد على أنقاض صراعات النخب البائسة التي أكلت زمانها والتهمت زمان جيل الثورة، حبا في الزعامة وطمعا في الوجاهة الكاذبة. كلّهم مصابون بداء السلطة، مسكونون بهوس الزعامة، مثلهم مثل كل الطغاة العرب، وليس الرئيس الحالي إلا أصغر تلميذ في مدرسة البؤس السياسي العربي الذي لن يورّث غير الخراب والدمار والموت والجوع.

وختم هنيد قائلا: “إن مشروع بناء جيل سياسي جديد يقطع مع الموروث الموبوء للنخب السياسية العربية؛ يُعدّ اليوم من أهم ضروريات المرحلة التاريخية التي تمرّ بها الأمة وشعوبها، وإنّ تجديد البناء فكري والسلوكي والأخلاقي للفاعل السياسي انطلاقا من الأسس سيكون الشرط الوحيد القادر على النفاذ خارج دائرة الموت التي تسبح فيها الأمة منذ عقود وتوشك على أن تجهز عليها”.

أحزاب تدعم الإضراب وتحمّل سعيّد المسؤولية

وكانت خمسة أحزاب تونسية، أعربت الخميس الماضي عن مساندتها للإضراب العام الذي نفذه “الاتحاد العام التونسي للشغل”.

جاء ذلك في بيان مشترك لأحزاب “التيار الديمقراطي” و”التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات” و”الحزب الجمهوري” و”حزب القطب” و”حزب العمال”، اطلع عليه مراسل الأناضول.

وقال البيان إن الأحزاب الخمسة “تعبّر عن مساندتها للإضراب العام الذي يخوضه أعوان القطاع العام تنفيذا لقرار الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة تشغيلية) دفاعا عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وردّا على تمادي السلطة في تجاهل مطالبهم المشروعة”.

وحملت البيان “حكومة (الرئيس) قيس سعيد المسؤولية كاملة عن استمرار تدهور الأوضاع المعيشية لغالبية التونسيات والتونسيين وتواصل الارتفاع الجنوني للأسعار وندرة العديد من المواد الضرورية ذات الاستهلاك الشعبي الواسع”.

وأدان “إصرار الحكومة على المضي قدما نحو رفع الدعم عن المواد الأساسية وتجميد الأجور ووقف الانتدابات في الوظيفة العمومية وهو ما سيزيد من حدة الأزمة الاجتماعية في غياب حلول وطنية جدية وناجعة، للبطالة والفقر وضعف الأجور والمداخيل”.

تونس على حافة الإفلاس

وكانت تقارير لمنظماتٍ دولية حذرت قبل شهرين من أنّ أزمة الحرب الروسية  على أوكرانيا ستؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي برمته، وستكون تداعياتها أشد وطأة في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، ومنها الدول العربية وعلى رأسها لبنان وسوريا واليمن والسودان وتونس التي تواجه شبح الإفلاس.

والإفلاس يكون عندما تصل الدولة إلى مرحلة تعجز فيها عن الاستيراد لعدم توفر النقد، وعدم سداد الديون، وعدم القدرة على سداد أجور موظفي الدولة، وهي عوامل لم تجتمع حتى اليوم معا في أي من الدول العربية المهددة بالإفلاس.

وبحسب تقرير لوكالة الأناضول، في عامي 2010 و2011، نما إجمالي الناتج المحلي التونسي بمتوسط 9 بالمئة، لكنه بدأ بالتباطؤ اعتبارا من 2012 وصولا إلى انكماش بنسبة 0.15 بالمئة في 2014.

ورغم عودة اقتصاد تونس للنمو في السنوات التالية، إلى أنه حافظ على نسبة منخفضة، إذ لم يتجاوز النمو منذ 2017 نسبة 1.5 بالمئة حتى 2019، إلى أن جاءت جائحة كورونا في 2020 بانتكاسة للاقتصاد التونسي، الذي انكمش بنحو 8.8 بالمئة.

حافظ الاقتصاد التونسي على معدل بطالة أقل من 12 بالمئة حتى 2010، لكنه تزايد باضطراد بعد 2011، ليحافظ على معدل قرب 17 بالمئة حتى 2021.

وبلغ إجمالي الدين العام التونسي في 2010 حوالي 16 مليار دولار أو ما يعادل 55 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، ليرتفع إلى 20.6 مليار دولار في 2017، ثم إلى 29 مليار دولار بنهاية 2020.

وتوقع البنك المركزي ارتفاع الدين إلى 35 مليار دولار بنهاية 2021، أو ما يزيد عن 100 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، في حال نجحت مساعي تونس بالحصول على قروض خارجية جديدة، الجزء الأكبر منها من صندوق النقد الدولي.

وبلغ العجز في الموازنة العامة التونسية حوالي 7 مليارات دولار و8.5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد في 2021.

كما تواجه المالية العامة عبئا آخر، إذ عليها توفير حوالي 15.5 مليار دينار (5.6 مليار دولار) لخدمة الدين، منها 10 مليارات دينار (3.6 مليار دولار) بالنقد الاجنبي.

وتتفاوض تونس مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بنحو 4 مليارات دولار، لكن الصندوق يشترط خفضا حاسما في الإنفاق، خصوصا في بندي الرواتب ودعم السلع الأساسية.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: