النظرة السلبية للاقتصاد المصري تتواصل مع تحذيرات من “انهيار محتمل”

النظرة السلبية للاقتصاد المصري تتواصل مع تحذيرات من “انهيار محتمل”

في الوقت الذي تتواصل النظرة السلبية المستقبلية للاقتصاد المصري من كبرى المؤسسات الدولية للتصنيف الائتماني، إلا أن المشكلة التي يعاني منها المصريون بواقع الحال أكبر بكثير مع ارتفاع الأسعار بشكل هائل وانهيار سعر صرف الجنيه أمام الدولار وشح العملة الصعبة وهروب الاستثمارات وغيرها من المشكلات التي لا يمكن حصرها والتي تفاقمت مع إحكام السيسي والجيش المصري قبضتهم على كافة مفاصل الحياة منذ الانقلاب.

وحذر معهد واشنطن من احتمالية اتجاه مصر نحو الانهيار على الرغم من أنها كانت توصف بأنّها “أكبر من أن تفشل”؛ ولكن مع استمرار التدهور وسط تصاعد الديون، وارتفاع معدلات التضخم، وتأخر سحب الاستثمارات العسكرية، مشددًا في الوقت ذاته على أنّه وفي ظل التردد الحاصل لإخراج الجيش من الاقتصاد وغياب شبكة الأمان المالية الخليجية التقليدية، فمن الممكن حدوث مزيد من التدهور.

وقال ديفيد شينكر مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، إنّ التطورات في مصر في حين أنها لا تثير قلق واشنطن بعد، إلى أنها تشكل مصدر قلق متزايد بالنسبة للمصريين. وعلى الرغم من التشدد الذي يمارسه النظام مع المعارضة، إلّا أن عدد من المصريين الذين التقيت بهم في زيارتي الأخيرة إلى مصر أعربوا عن حنين مفاجئ إلى الأيام الخوالي.

وسرد عددًا من الانطباعات حول واقع الاقتصاد المصري من خلال رجال الأعمال فيها، مؤكدًا أنه في أواخر شباط/فبراير، نظمت “غرفة التجارة الأمريكية” في مصر حفلاً فاخراً تخلله دفق لا ينضب من النبيذ في البهو المهيب في “المتحف المصري الكبير” الجديد، وبوفيه مليء بأصناف السوشي، وعازف قيثارة يعزف موسيقى هادئة. ولكن على الرغم من هذه الأجواء الاحتفالية، إلا أن رجال الأعمال المصريين الذين قابلتُهم كانوا يائسين، فقد كان قادة القطاع هؤلاء في مزاج سيئ لأن الاقتصاد المصري يسقط سقوطاً حراً.

ولفت شينكر إلى أنّ التراجع الشديد الذي تشهده البلاد حالياً منذ حوالي عشر سنوات، وذلك عندما شرعت القاهرة في فورة إنفاق غير مستدام واستدانت الأموال لإسرافها على الأسلحة والمشاريع العملاقة والبنية التحتية. ومما زاد الطين بلة، توسع دور الجيش في الاقتصاد بشكل كبير خلال هذه الفترة، فضيّق الخناق على القطاع الخاص وأعاق الاستثمار الأجنبي المباشر. ولا بد من أن يثير المسار الهبوطي في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان بال واشنطن بدرجة كبيرة.

الدين الخارجي يفاقم الأزمة

وأضاف، إنه لمستنقع عميق. فمنذ انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في عام 2014، ازداد دين الدولة الخارجي بأكثر من ثلاثة أضعاف لتصل قيمته إلى أكثر من 160 مليار دولار. وسيتم هذا العام تخصيص نسبة 45 في المائة من ميزانية مصر لخدمة الدين القومي. وفي الوقت نفسه، وصلت نسبة التضخم إلى ما يقارب 30 في المائة، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية خلال العام الماضي بنسبة تفوق 60 في المائة.

وتابع بالقول: يقيناً أن السيسي ليس وحده المسؤول عن هذا التدهور. فقد زاد وباء “كوفيد-19” والحرب في أوكرانيا من إرهاق الاقتصاد المصري، فتضرر القطاع السياحي – 12 في المائة من “الناتج المحلي الإجمالي” – وارتفعت أسعار السلع الأساسية، وخاصة القمح. وفي هذا الإطار، قدمت المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة في العام الماضي مبلغ 22 مليار دولار بشكل استثمارات وودائع في “البنك المركزي” لتغطية العجز الحكومي المتكرر وتحقيق استقرار الوضع المالي في القاهرة. ولكن كما حدث سابقاً في عمليات الإنقاذ الخليجية، لم ينجح الدعم في إيقاف الأزمة.

ولفت إلى أنّ السيسي منعطفاً هاماً، حيث وقّع في كانون الأول/ديسمبر على برنامج آخر من برامج “صندوق النقد الدولي”، في اتفاق ينص على تسليم مبلغ 3 مليارات دولار نقداً ومبلغ 14 مليار دولار إضافي محتمل في شكل استثمار وتمويل إقليميين ودوليين مقابل التزام مصر بتعويم العملة وتقليص دور الجيش في الاقتصاد. ووفقاً لذلك، تم تعويم الجنيه المصري وانخفضت قيمته بنسبة 50 في المائة حتى الآن، إلا أن السيسي لم ينفذ بعد تعهده بالحدّ من سيطرة الجيش على ما تقدر نسبته بحوالي 30 إلى 40 في المائة من الاقتصاد.

الاستثمار الخليجي والعسكر

وبحسب شينكر فإنّ تدفق رأس المال الخليجي مرهون بسحب الاستثمارات العسكرية من الاقتصاد. وتحقيقاً لهذه الغاية، نشرت الحكومة في شباط/فبراير قائمة بنحو 32 شركة مملوكة للجيش سيتم بيعها.

واستدرك بالقول: على غرار دول الخليج الغنية بالنفط، يشك “صندوق النقد الدولي” أيضاً في التزام السيسي بتحييد الجيش فعلياً عن الاقتصاد المصري. فبعد أن كانت المراجعة الأولى في إطار البرنامج الممتد على أربع سنوات مقررة في 15 آذار/مارس، قام “صندوق النقد الدولي” بإرجاء التقييم، وصرف دفعات القرض أيضاً، إلى حين تحرز القاهرة تقدماً في مسألة الخصخصة.

وأضاف شينكر أنّه من الممكن تفهم تحفظ السيسي على هذا الإجراء الإصلاحي، فهو ضابط سابق ويعتمد نظامه بشكل كبير على دعم الجيش المستمر، ولكن خياراته محدودة. ففي كانون الثاني/يناير الماضي، أوضحت السعودية – الممول الأخير للقاهرة – أن أيام المنح غير المشروطة والودائع الهائلة الخالية من القيود بدون عائد في “البنك المركزي المصري” قد ولت.

وأوضح أنّه بالفعل، تدين مصر لـ “صندوق النقد الدولي” بمبلغ قدره 23 مليار دولار، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الدولة ستفي في النهاية بالتزاماتها المرهقة تجاه “الصندوق”. وليس ثمة ما يشير على أي حال إلى أن القاهرة تعمل على تغيير نهجها في الإنفاق.

ولفت إلى أنّه في غضون ذلك، يعيش المواطن المصري العادي معاناة. فوسط الارتفاع الكبير في معدلات التضخم، يواجه حوالي ثلث السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر – يكسبون أقل من 3.80 دولاراً في اليوم – المزيد من الصعوبات في تغطية نفقاتهم، كما تضررت الطبقة الوسطى بشدة أيضاً. ومنذ أن تولى السيسي السلطة، فقد الجنيه المصري نسبة 80 في المائة تقريباً من قيمته – 50 في المائة وحده خلال العام الماضي – مما أدى فعلياً إلى القضاء على مدخرات الحياة. وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية.

ونوه شينكر إلى أنّه في النهاية، قد يلين السيسي ويقوم بتبني إصلاحات “صندوق النقد الدولي” وإيقاف تدهور مصر. ولكن يصعب تخيل تغير الوضع نحو الأفضل من دون تصحيح حقيقي للمسار. وفي حال استمرار الأزمة، ستخفف على ما يبدو التجربة المريرة لثورة عام 2011 من انتشار الاحتجاجات على نطاق واسع. ومع ذلك، فقد تزداد الأمور سوءاً وقد تشهد مصر احتجاجات عفوية عرضية وارتفاع معدل الجريمة وازدياد هروب رؤوس الأموال وزيادة القمع، مما يدفع بالمصريين إلى الهجرة، سواء بشكل قانوني أو غير قانوني، عن طريق القوارب إلى أوروبا، على غرار ما يحدث في تونس ولبنان.

هل يتكرر نموذج الفشل اللبناني في مصر؟

يذكر أنّ البروفيسور روبيرت سبرينغبورغ من جامعة سايمون فريزر، قال: “إن هناك أوجه شبه لافتة للانتباه بين الاقتصاد اللبناني الفاشل والاقتصاد المصري الذي يصارع”، وذلك في تقرير قدمه في عام 2022 لـ “مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط”، ومقرها واشنطن.

ويضيف محذرا: “تبعات انهيار الثقة في لبنان كانت كارثية. ولكنها ستبدو بلا معنى ولا تقارن  بما يمكن أن يحدث في مصر لو تكرر نفس الوضع هناك”.

ويلفت إلى أنّ “المشاكل الاقتصادية الحالية في مصر هي نتيجة لسلسلة من المشاكل الداخلية: اضطرابات سياسية، وفساد، وفشل اقتصادي للحكومة. ثم ضاعفت مؤخرا بعض المشاكل الخارجية من الأزمة: تبعات وباء كوفيد19، والغزو الروسي لأوكرانيا، والركود الاقتصادي العالمي الذي يلوح في الأفق”.

نظرة مستقبلية سلبية للاقتصاد المصري

يُذكر أنّ وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، عدلت تصنيفها قبل أيام لمصر درجة واحدة من “بي +” إلى “بي”، مع تعديل النظرة المستقبلية إلى سلبية، وتحدثت الوكالة في بيان عن صعوبات التمويل الخارجي في ضوء الاحتياجات التمويلية للبلاد، وتشديد شروط التمويل الخارجي.

وما زالت مصر تعاني من نقص في العملة الأجنبية على الرغم من انخفاض الجنيه المصري بنحو 50 بالمئة منذ مارس وتوقيعها على حزمة إنقاذ جديدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: