ياسر الزعاترة
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

انقلاب تونس.. ليس كمصر.. ثم إلى أين؟

ياسر الزعاترة
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

ليس من باب التعالم القول إن الانقلاب في تونس كان متوقعا منذ العام الماضي، وكتبت عن ذلك في “تويتر”، وفعل آخرون. وحين كُشفت الوثيقة الأخيرة من قبل موقع “MEE”؛ تأكد الأمر أكثر فأكثر.

سيردّ عليك البعض: وما دام متوقعا، فلماذا لم يتمّ العمل على تجنب وقوع الانقلاب بكل وسيلة ممكنة، من قبل حركة “النهضة”، وأخذ الدروس من التجربة المصرية؟

كتبت مرارا عن التجربة المصرية، ومن ضمن ذلك فصل من كتابي “لماذا يفشل الإسلاميون سياسيا؟”.

ومع أن السطور هنا لا تحتمل، إلا أن وضع كلا الحالتين في ذات السلة ليس صائبا، لأن أخطاء “النهضة” كانت أقل بكثير من أخطاء “الإخوان” في مصر، والتي تبدأ بعدم إدراك الظروف التي سهّلت نجاح الثورة (سخط الجيش على مبارك بسبب نوايا التوريث، ومفاجأة “ربيع العرب” للعالم، بجانب الوضع الدولي الأفضل حينها، أعني لجهة حالة الانتقال في موازين القوى ومعضلات أمريكا)، ثم ترشّحهم (الإخوان) لمنصب الرئاسة في بلد تحكمه دولة عميقة قوية لن تنقل السلطة الحقيقية لأيّ أحد بمجرد فوزه في الانتخابات، بجانب تآمرها السافر على الرئيس المنتخب، وصولا إلى أخطاء مرسي (رحمه الله) نفسه في التعامل مع الوضع التالي، وثقته الزائدة بالسيسي، بل الثقة بالتسريب أكثر من التحليل، وعدم مخاطبة الشعب بحقيقة الوضع. أما الذي لا يقل سوءا، فيتمثل في إدارة المشهد يومي ما قبل الانقلاب بعد أن أصبح مؤكدا، ومن ثم بعد حدوثه.

الفارق الأكبر بين الحالتين أن “النهضة” لم تحكم؛ لا في الظاهر (كما في مصر)، ولا في الواقع الحقيقي. فهي لا تملك سوى أقل من ربع مقاعد البرلمان، ونجحت في التفاهم مع عدد من القوى لأجل الوصول إلى الغالبية البرلمانية التي تمنح الثقة لحكومة يرأسها شخص رشّحه الرئيس نفسه، وليس الحركة، قبل أن يعود للانقلاب عليه تبعا لرفضه التحكّم بمرشحي وزارته.

لعل المسار الأفضل الذي كان متاحا بالنسبة لـ”النهضة” هو محاولة كسب سعيّد، عبر إرضاء غروره ما أمكن ذلك، لكن المشكلة أن ذلك كان يعني الدخول في إشكالات مع الحلفاء الآخرين في البرلمان، فيما الطرف الآخر المناهض للحركة يرفض أي سياسة لها؛ في أي اتجاه كان، لأن هناك من يطالبه باستمرار التخريب على مؤسسات الدولة، لأجل الوصول إلى الهدف المنشود. وعموما، فقد ثبت الآن أن أحلام سعيّد لم تكن محدودة، ويمكن التعامل معها بسهولة، بدليل أنه عبّر عن رغبة مبكرة بتغيير الدستور لكي يكون النظام رئاسيا، وسيفعل ذلك على الأرجح بعد انقلابه، مع أن  مصيره سيظل برسم السؤال، لأن الدولة العميقة، رغم ضعفها قياسا بمصر، لن تقبل بتحكّم رجل بلا تاريخ ولا إمكانيات فيها، اللهم إلا إذا منحها ما تريد.

لذلك كله، سيكون من الصعب المزايدة والتعالم على “النهضة” فيما كان ينبغي عليها أن تفعله، والأسوأ بين المزايدين هم أولئك الذين كانوا يريدون منها مواقف ثورية لا تسمح بها ساحة منقسمة ومخترقة، وللعلمانية فيها حضور كبير، لا تجده في أي بلد عربي آخر؛ بجانب اليسار، وفوق ذلك قوة الاتحاد العام للشغل المناهض لـ”النهضة” أيضا.

لم يكن ترتيب الانقلاب صعبا في واقع الحال، إذ كان يكفي أن يتم ترتيب الأمر مع المؤسسة الأمنية والعسكرية الراغبة في ذلك، بجانب “اتحاد الشغل”، حتى يكون الأمر ميسورا، وهؤلاء جميعا، كانت قوى “الثورة المضادة” تتواصل معهم طوال الوقت، وتقدم لهم الوعود الناجزة والقادمة، وهي قادرة دون شك على ذلك، ولا  شك أن واقع “كورونا” الصعب قد سهّل الأمر بتعزيز غضب قطاعات من الناس، بخاصة الفئات الشابة التي زادت معاناتها؛ ليس في تونس وحدها، بل في كل الدول ذات الأوضاع الاقتصادية المشابهة.

ما يجب قوله هو أن قوى الإصلاح أو التغيير تغدو يتيمة حين لا يتوفر لها ظهير خارجي، وتغدو أكثر يُتما حين يكون أكثر الخارج (الإقليمي والدولي) ضدها، وتغدو أسوأ من ذلك بكثير، حين تكون حصتها في الشارع غير قادرة على الحسم، كما هو حال “النهضة” راهنا، ثم يصير الوضع أسوأ وأسوأ، حين تتوفر قوىً خارجية تملك قابلية الدفع بلا حساب لكل من يعمل على التخريب عليها.

كل ذلك كان متوفرا في الحالة التونسية، ولا يشذّ عنه سوى موقف مختلف وقليل التأثير من قطر وتركيا، وقد كان لافتا أن إيران أيضا كانت ميّالة لسعيّد أيضا، وبالطبع تبعا لتأييده لنظام بشار من جهة، ولأنها تتفق مع “الثورة المضادة” ضد ربيع العرب، ولا تفضّل وجود أنظمة بروافع شعبية، فضلا عن أن تكون تلك الروافع إسلامية (سنيّة).

لقد كانت تونس آخر تجليات الربيع العربي الصامدة، مع بقايا في ليبيا ما تزال مستهدفة، ومطاردتها كانت جزءا لا يتجزأ من النشاط اليومي لقوى “الثورة المضادة”، والتي تضيف إلى إرادة تأديب الشعوب على ثوراتها؛ هوسا هستيريا بمطاردة “الإسلام السياسي”، بوصفه من تصدّر “الربيع”، وبوصفه المؤهل لتكرار التجربة.

لذلك كله، ورغم أنني طالما تحدثت عن “الفشل السياسي” للإسلاميين، إلا أنني لا أميل إلى تقريع “النهضة” على ما جرى، رغم أخطاء وصراعات داخلية مؤسفة، وإن كان بعضها طبيعيا، وما آمله هو أن لا يكرروا تجربة إخوان مصر فيما بعد الانقلاب، أعني بتعزيز الخسائر عبر تصعيد يفضي إلى صدام بلا جدوى في بلد متعب. فأن تخسر جولة وتبقي على الكثير من قوتك الشعبية والتنظيمية، أفضل من أن تخسر على الصعيدين، ثم يتمّ تحميلك مسؤولية فشل الطرف الآخر الذي يبدو مرجّحا إلى حد كبير، رغم الدعم المالي الذي قد يتدفق في البداية لثبيت انقلابه.

هذا لا يعني الجلوس في البيوت، وانتظار عقلانية من طرف لا يظهرها، بل يجب نسف مقولة الظهير الشعبي للانقلاب، بحراك سلمي في الشارع، ولو بفعاليات متقطعة، يعلن الإصرار على المسار الديمقراطي بعيدا عن الأحادية والإقصاء.

هذا النضال ينبغي أن يلتحم مع القوى الحيّة الأخرى في المجتمع، من أجل منع سعيّد (أو بديل آخر قادم) من تكريس دكتاتورية بثوب ديمقراطي، وهو الخيار الأفضل، سواءً حقق النجاح المطلوب أم ما هو أقل من ذلك، والسياسة جولات تتبعها جولات، والأيام دول، و”النهضة” حركة متجذّرة في وعي شعبها، بل هي أكثر من دافع عنه، وذاق ويلات الدكتاتورية منذ عقود طويلة.

(عربي21)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts