برامج الإقامة الطبية غير مدفوعة الأجر إجحاف يبدد جهد الأطباء

برامج الإقامة الطبية غير مدفوعة الأجر إجحاف يبدد جهد الأطباء

في مثل هذا الوقت من كل عام أي قبل بدء برامج الإقامة الطبية في الأول من تموز، تطفو قضية “أطباء الإقامة” على السطح من جديد، هذه القضية القديمة المتجددة، التي تضع الأطباء الراغبين في التخصص في حالة من الاستياء المتجدد من برامج الإقامة، و تحديدًا برامج الإقامة غير مدفوعة الأجر (UNPAID)، التي تطرحها بعض المستشفيات. 

رغم أن برامج الإقامة غير المدفوعة الأجر ليست جديدة، إلا أن جائحة كورونا تركت بصمةً واضحةً عليها أيضًا، ففي عام 2020 توسعت المستشفيات الخاصة تحديدًا في البرامج غير مدفوعة الأجر، بحجة الوضع الاقتصادي الراهن، ما أدى إلى ازدياد أعداد الأطباء الذين لا يجدون فرصة للاختصاص. 

يضاف إلى ذلك ازياد أعداد خريجي كليات الطب في السنوات الأخيرة، دون توسع في برامج الإقامة المطروحة، ما يدفع المستشفيات الخاصة إلى زيادة البرامج غير المدفوعة لتغطية أعداد الأطباء الكبيرة.

كيف يرى الأطباء هذا الأمر ؟ 

عندما يتخرج طالب الطب من كليته، عليه اجتياز سنة امتياز، و هي سنة تدريب غير مدفوعة الثمن يمضيها في المستشفى التابع لجامعته، ليصبح طبيبًا عامًا رسميًا.

أغلب الأطباء في الأردن يرون الاختصاص ضرورة، لعدم توفر فرص عمل أو امتيازات للطب العام، فيلجؤون إلى الاختصاص في مجالات طبية متنوعة و حسب الحاجة، للتميز و زيادة فرص العمل. 

تطرح مستشفيات وزارة الصحة، و مستشفيات الخدمات الطبية الملكية، و المستشفيات الجامعية، و مستشفيات القطاع الخاص، برامج الإقامة بشقيها إما مدفوعة الأجر أي مقابل مكافأة مالية للطبيب المقيم (paid)، أو غير مدفوعة الأجر (unpaid).

و في الشق الثاني تحديدًا تكمن المشكلة، حيث يرى الأطباء أن هذه النظام مجحف و ظالم بحق الطبيب و من الضروري إلغائه. 

“عبودية ما في كلمة تانية تنحكى”

 تصف د. تقى الغزاوي، و هي طبيبة مقيمة “جراحة عامة” في مستشفى الجامعة الأردنية، شكل برامج الإقامة غير مدفوعة الأجر، مشيرةً إلى أن فكرة برامج الإقامة في حد ذاتها صعبة و غير منطقية، نظرًا لساعات الدوام الطويلة و المناوبات التي قد يستمر العمل فيها من 36 إلى 38 ساعة عمل متواصلة. 

و تتتقد الغزاوي، عبر حسنى، المكافآت التي تعطى للأطباء عند الاختصاص، معتبرةً أنها غير كافية أصلًا فكيف يكون الحال في البرامج غير مدفوعة الأجر؟ 

وتعتبر أن جائحة كورونا أثرت على برامج الإقامة، حيث أن عددا كبيرًا من المستشفيات الخاصة طرحت برامج الإقامة غير مدفوعة الأجر على حساب المدفوعة، بحسب الغزاوي، فيما قلّصت مستشفيات أخرى برامجها المدفوعة، إضافة إلى قلة الشواغر لعدم رغبة المستشفيات أو قدرتها على دفع الرواتب نتيجة الجائحة. 

“يجب إلغاء برنامج الإقامة غير مدفوع الثمن” 

 طبيب الامتياز عبد الهادي نجادا حمّل نقابة الأطباء مسؤولية بقاء برامج الإقامة غير المدفوعة، مؤكدًا على ضرورة إلغاء نظام ال unpaid، و “إن كان من الضروري بقائها فيجب قبول عدد يكفي من الأطباء” إضافة إلى تخفيض أعداد الطلبة المقبولين في كلية الطب. 

“صار لازم وزارتي الصحة والعمل يحطوا حد للمهزلة الي بتصير في المستشفيات”، وفق نجادا. 

استياء من سياسة بعض المستشفيات الخاصة في طرح برامج الإقامة غير مدفوعة الثمن

الطبيب بهاء الرضاونة، اختصاصي جراحة الكلى و المسالك البولية، نشر على صفحته على فيسبوك، منشورًا استاء فيه من سياسة بعض المستشفيات الخاصة في طرح برامج الإقامة غير مدفوعة الأجر.

يقول د. الرضاونة، ” أنا صح ابن القطاع الخاص و عيادتي في القطاع الخاص بس للأسف تغول القطاع الخاص لم يقتصر فقط على استغلال المرضى بل أيضا على استغلال الاطباء”. 

“يعني لما طالب يدرس ٦ سنوات وابوه يحط دم قلبه عليه و غربته عشان يطلع دكتور و بعد مايتخرج ينصدم انه هالابن راح يقعد كمان ٥ سنين بدون راتب .. ” حسب قوله.

إحباط عام لدى خريجي كلية الطب 

يرى الطالب أحمد قزلي، خريج كلية الطب في الجامعة الأردنية هذا العام، أن برامج الإقامة التي تطرح في كل عام تكون أسوأ من العام الذي سبقه. 

و يقول، لـ حسنى، إن بعض المستشفيات الخاصة طرحت خلال العامين الماضيين مع بدء جائحة كورونا، جميع برامج الإقامة لديها ضمن نظام “غير مدفوع الثمن” مما يعتبر سابقة جديدة. 

عدد فرص الإقامة لا يتناسب مع عدد الأطباء المخرجين -بحسب قزلي، ما يدفع الأطباء إلى القبول بأي شكل من أشكال الإقامة سواء المدفوعة أو غيره من أجل الاختصاص. 

“المستشفيات قائمة على الأطباء المقيمين و خدماتهم، و أساسًا المستشفيات تفتح أبواب برامج الإقامة بناءً على حاجتها من الأطباء المقيمين” يقول أحمد القزلي. 

كيف تنظر جمعية المستشفيات الخاصة لهذه البرامج ؟ 

يقول د. نائل زيدان، نائب رئيس جمعية المستشفيات الخاصة، إن برامج الإقامة التي تطرحها المستشفيات الخاصة يتم ضبطها من خلال قوانين المجلس الطبي الأردني و أنظمته، مبينًا، أنه لا يوجد نظام يفرض على المستشفيات تخصيص رواتب لأطباء الإقامة في برامجهم، و إنما يترك الأمر لمصلحة المستشفيات.

يؤكد د. زيدان، لـ حسنى، ضرورة طرح مبادرة من المجلس الطبي الأردني لوضع شروط و أنظمة تضع حد أدنى للأجور لأطباء الإقامة، ليترك الأمر بعدها للمستشفيات، مبينًا وقوف الجمعية إلى جانب هذا المقترح.  

و أشار إلى أن هذه المشكلة تعد من انعكاسات جائحة كورونا، لأن أغلب المستشفيات تمر بضائقة مالية.  

و يرى د. نائل زيدان، أن الأطباء المقيمين يقدمون خدمة في المستشفيات الخاصة كموظفين، و من الضروري أن يقدم المستشفى حد أدنى من الراتب لهم يليق بالطبيب، ليتمكن من أن يعيش حياته. 

تعليمات التدريب المحلي للأطباء المقيمين 

تتضمن تعليمات التدريب المحلي للأطباء المقيمين و التي وضعها المجلس الطبي الأردني، ما ينظم لجان التدريب و مسؤولياتها، و شروط القبول بالبرنامج التدريبي، و إجراءات الفصل للمتدرب و حالاتها، أي أنها ضمت أمور تنظيمية إجرائية دون التطرق إلى أي حقوق للطبيب المقيم أو شروط على المستشفيات التي تقدم هذه البرامج. 

للاطلاع على التعليمات: تعليمات التدريب المحلي للأطباء المقيمين 

لجان البورد تنظر في الأمر 

يقول الأمين العام للمجلس الطبي الأردني د. محمد العبداللات إن هناك 8 مستشفيات خاصة معتمدة لدى المجلس لغايات التدريب في برامج الإقامة، بالإضافة إلى مستشفيات وزارة الصحة و المستشفيات الجامعية و مستشفيات الخدمات الطبية. 

و يؤكد د. العبداللات، عدم وجود تعليمات للمجلس، باعتباره الجهة المركزية المسؤولة عن تنظيم هذه البرامج؛ تشترط على المستشفيات دفع مقابل مادي في برامج الإقامة التي تطرحها، إلا أنه يحبذ أن تكون البرامج مدفوعة الأجر لتحفيز الأطباء على أداء واجباتهم و دورهم في المستشفيات. 

سيتم طرح الأمر على لجان البورد في المجلس الطبي الأردني في جلسته المقبلة بعد عيد الفطر” وفق د. العبداللات، لبحث برامج الإقامة غير مدفوعة الثمن و عرضها للنقاش لأخذ كافة الآراء حولها. 

ويؤكد أن برامج الإقامة في وزارة الصحة عند التعيين تكون مدفوعة الثمن، وفق تعليمات ديوان الخدمة المدنية، كذلك الحال في مستشفيات الخدمات الطبية الملكية في حال التجنيد. 

نقيب الأطبّاء: الموضوع قديم ومتجدد وفيه إجحاف بحق الاطباء

“موضوع قديم متجدد” يقول د. محمد رسول الطراونة، القائم بأعمال نقابة الأطباء، إن هذا الأمر قديم متجدد حيث أن بعض المستشفيات الخاصة المعتمدة من المجلس الطبي الأردني تطرح برامج الإقامة لغايات التدريب دون أي التزام مادي أو مكافأة للأطباء العامين. 

و يؤكد د. الطراونة، لـ حسنى، أن هذا الأمر فيه إجحاف بحق الأطباء، لأن الطبيب المقيم يقدّم خدمة للمستشفى، حتى و إن كانت تحت مسمى تدريب، ما يعني ضرورة وجود مكافآت مادية. 

“نحن في مجلس النقابة سنحاول الوصول إلى وزارة العمل لتطبيق قانون العمل بخصوص هذه البرامج” وفق د. الطراونة، مبينًا أن النقابة ستناقش هذا الأمر خلال جلستها المقبلة اليوم الأحد. “إذ خاطبنا المجلس الطبي قبل شهور وسنعيد الخطاب مرة أخرى” . 

ويؤكد د. الطراونة، ضرورة وجود مكافأة مادية معقولة لجميع الأطباء من خلال وضع تعليمات في المجلس الطبي الأردني أو قانون العمل، مضيفًا، أن بعض المستشفيات تتذرع بالوضع الاقتصادي الصعب الذي يدفعها لطرح برامج إقامة غير مدفوعة الثمن و الذي ينطبق على الأطباء. 

و ترفض نقابة الأطباء بحسب د. الطراونة، أي إعلان من مستشفيات القطاع الخاص يتضمن عدم دفع مقابل مادي للأطباء المقيمين. 

و يبين، أن على المجلس الطبي تعديل شروط اعتماد المستشفيات لغايات التدريب في برامج الإقامة، و أن يضع شرط المقابل المادي لبرامج الإقامة. 

و يرى د. الطراونة ، أن هذه البرامج لا تهيء ظروف وبيئة عمل مناسبتين للطبيب. 

ما الذي يدفع الجهات الرسمية  للتمسك ببرامج الإقامة غير مدفوعة الثمن ؟ 

ترى النقابات المهنية أن نظام الإقامة غير مدفوع الثمن مجحف و غير  منطقي، و يحبذ المجلس الطبي الأردني تقديم مكافآت للأطباء، فيما يؤكد الأطباء المقيمون و الاختصاصيون أن المبدأ بحد ذاته مرفوض و غير مطبق في أعتى الأنظمة الرأسمالية و على رأسها الولايات المتحدة، فما الذي يدفع الجهات الرسمية للتمسك بهذه البرامج؟ 

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: