بعد الإسمنت.. هكذا يسيطر الجيش المصري على سوق العقارات

بعد الإسمنت.. هكذا يسيطر الجيش المصري على سوق العقارات

أثارت مزاحمة وزارة الإسكان المصرية عبر الإدارة الهندسية التابعة للقوات المسلحة (المسؤولة عن التنفيذ) في مشروعات الإسكان الفاخر، قلق قطاعات كبيرة من المطورين العقاريين.

واعتبر هؤلاء أن استفحال النشاط الاقتصادي للجيش أثّر عليهم سلبا، وذلك لانعدام تكافؤ الفرص بين الطرفين لما تمتلكه المؤسسة العسكرية من مميزات تفقد القطاع الخاص القدرة على الوقوف أمامها، فضلا عن الركود الذي يشهده السوق المحلي منذ قرار “تعويم الجنيه”.

وفي المقابل تبرر السلطات المصرية تفضيلها للجيش على القطاع الخاص لتنفيذ أغلب المشاريع العقارية في البلاد لكفاءة القوات المسلحة العالية والسرعة في التنفيذ.

وسمح قرار الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، للحكومة بالتخلي عن المناقصات وإسناد المشروعات لأي شركة في الحالات العاجلة، والقرار الذي اتبعه في أبريل/نيسان 2014 وحظر بموجبه الطعن من طرف ثالث على العقود التي تبرمها الحكومة مع أي طرف، سواء كانت متعلقة ببيع أراضي الدولة أو بأعمال مقاولات أو غير ذلك، لاقتحام الجيش بقوة سوق العقارات والإنشاءات.

واقتحم الجيش في مارس/آذار 2014 بقوة سوق العقارات المصرية من خلال مشروع المليون وحدة سكنية لمحدودي الدخل بالتعاون مع شركة أرابتك الإماراتية (من خلال 13 موقعًا بالمحافظات) بتكلفة تقدر بنحو 280 مليار جنيه مصري (الدولار يساوي 16.52 جنيها).

ومع مرور الوقت اتجه الجيش للمشروعات الفاخرة بالعاصمة الإدارية الجديدة (مساحتها 170 ألف فدان شرقي القاهرة)، ويمتلك 51% من الشركة التي تتولى عملية تطوير المدينة باستثمارات تقدر بنحو 45 مليار دولار.

كما يشارك في تطوير مدينة العلمين الجديدة (مساحتها 48 ألف فدان) على ساحل البحر المتوسط، وهضبة الجلالة (مساحتها 17 ألف فدان) في المنطقة الجبلية شمال البحر الأحمر.

ومطلع العام الجاري، طرحت وزارة الإسكان شققا في منطقة العلمين الجديدة، وبلغ متوسط سعر المتر بها ما يتراوح بين 30 و42 ألف جنيه، في حين طرحت فيلات بمدينة المنصورة الجديدة (شمالي مصر)، متوسط سعر المتر فيها 24 ألف جنيه.

وعدلت الوزارة مشروع دار مصر للإسكان المتوسط تحت مسمى الإسكان الفاخر في ست مدن جديدة، سعر المتر يبدأ من 11 ألف جنيه، محققة مبيعات تتجاوز 10 مليارات جنيه مصري، وفق تقديرات صحفية.

ويرتبط بالقطاع العقارى نحو 70 صناعة (بطريقة مباشرة وغير مباشرة)، ويساهم بنسبة 17% من إجمالي الناتج المحلي المصري. ويقدر الناتج المحلي الإجمالي بموازنة العام المالي 2018-2019 بنحو 5.250 تريليونات جنيه، وفق ما أوضح خبراء تحدثوا للجزيرة نت.

منافسة غير عادلة

يرى المطور العقاري نشأت العشري أن اقتحام الدولة عبر القوات المسلحة لسوق العقارات والإسكان الفاخر أثّر بالسلب عليهم بسبب عدم تكافؤ الفرص بين الطرفين، وأوضح أن “الجيش يمتلك مقومات غير متوفرة لدى القطاع الخاص، كالحصول على الخامات من دون مقابل (إسمنت وحديد ورمل وزلط)، فضلا عن العمالة غير المكلفة له، كاستخدامه للمجندين من مهندسين وحرفيين في المشروعات”.

وشدد العشري على أن المستثمر (المحلي أو الأجنبي) لا يريد التنافس مع الحكومة، فهي منافسة محسومة لصالحها من الأساس، مستدلا في حديثه للجزيرة نت بما حدث مؤخرا في سوق صناعة الإسمنت.

وكبد دخول مصنع بني سويف (طاقته الإنتاجية تبلغ 12 مليون طن سنويًا) التابع للجيش مصانع الإسمنت خسائر كبيرة، حيث سجلت شركة الإسكندرية لإسمنت بورتلاند، خلال النصف الأول من العام الجاري، خسائر بنسبة 29% بقيمة 169 مليون جنيه، مقابل 131 مليونا خلال الفترة نفسها من العام المنصرم، في حين أعلنت شركة السويس للإسمنت تكبدها خسائر بقيمة 590 مليون جنيه عن النصف الأول من العام الجاري.

وضمن عدم تكافؤ الفرص بين الطرفين أيضا حصول القوات المسلحة على أراضي المشروعات مجانا أو بمبلغ يصعب تحديده في ظل عدم الرقابة على مشروعات واقتصادات الجيش، بينما تحصل عليها شركات القطاع الخاص بسعر مرتفع، حيث أصبح سعر الأرض يمثل حوالي 40% من تكلفة العقار، فضلا عن عدم دفع ضرائب أو جمارك، وفق ما أوضح الخبير الاقتصادي ممدوح الولي.

ويستحوذ الجيش -وفق تقديرات صحفية- على 90% من أراضي مصر أغلبها الظهير الصحراوي للبلاد.

ومن حين لآخر يصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارات بتخصيص أرض للقوات المسلحة، آخرها القرار الصادر مطلع أغسطس/آب الجاري بإعادة تخصيص 47 جزيرة من الأراضي المملوكة للدولة والتابعة لمحافظة البحر الأحمر جنوب سيناء، لصالح القوات المسلحة كأراضٍ إستراتيجية ذات أهمية عسكرية، وهذه المنطقة كانت تسعى السلطات المصرية في السابق لاستغلالها سياحيًا وإنشاء مارينا لليخوت بها.

عزوف

على الرغم من دخول العديد من المستثمرين خلال الآونة الأخيرة لسوق العقارات (يقدر عددهم بـ50 مطورا عقاريا)، فإن هناك عزوفا عن شراء الأراضي الجديدة بسبب سيطرة الجيش، وذلك لأول مرة منذ عشر سنوات، وفق ما أوضح المستثمر العقاري مسعد أبو العلا.

وأوضح أبو العلا في حديثه للجزيرة نت أن “غالبية المستثمرين وخاصة الصغار لجؤوا لأخذ مقاولات من القوات المسلحة من الباطن بسبب عدم قدرتهم على شراء أراض جديدة جاذبة لأنظار المستهلك، علاوة على ارتفاع الأسعار أو سيطرة الجيش على القطع المميزة وخاصة في المدن الجديد”.

هروب رؤوس الأموال

في ظل حالة الضبابية التي تسيطر على مستقبل القطاع العقاري المصري بسبب حالة الركود ومزاحمة المؤسسة العسكرية للقطاع الخاص، يطالب المطور العقاري رامي جميل الدولة بالالتزام بدورها في توفر بيئة صالحة للتنافس بين المستثمرين وليس منافستهم، حتى تكون مصر دولة جاذبة للمستثمرين.

وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد الجمل أنه إذا استمر الوضع في سوق العقارات على ما هو عليه الآن من منافسة الحكومة للقطاع الخاص، فإن ذلك يعني مزيدا من التدهور وهروب رؤوس الأموال لدول أخرى.

وفي سبتمبر/أيلول 2017 حذر صندوق النقد الدولي (منح مصر قرضا بقيمة 12 مليار جنيه ويشرف على عملية الإصلاح الاقتصادي) من إعاقة كيانات اقتصادية تخضع للمؤسسة العسكرية عملية تطوير القطاع الخاص وخلق فرص عمل.

واتفق الخبير الاقتصادي ممدوح الولي مع ما ذكره جميل، مطالبا الجيش بالاتجاه لبناء مساكن للطبقات الفقيرة بأسعار متدنية مستغلا حصوله على الأرض بالمجان وامتلاكه المحاجر ومصانع الإسمنت والحديد لأنه الأجدى مجتمعيا.

ومع تنفيذ قرار تحرير سعر صرف العملة المحلية (الجنيه) مقابل الدولار الأميركي في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، دخل سوق العقارات المصري في حالة ركود بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء والذي انعكس بدوره على العقارات، فضلا عن زيادة المعروض وقلة الطلب بسبب عدم قدرة أغلب المصريين على شراء شقق جديدة.

وأدى التعويم إلى ارتفاع أسعار العقارات بنسبة تجاوزت 110% في الأماكن المتوسطة، بينما بلغت 150% في الأماكن الراقية، بحسب ما أوضح أصحاب ثلاث شركات عقارية -تعمل في ضاحيتي التجمع الخامس ومصر الجديدة شرقي القاهرة- لمراسل الجزيرة نت.

حجم اقتصاد الجيش

منذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي في صيف 2013، تنامى دور المؤسسة العسكرية في الحياة الاقتصادية المصرية. وتتباين التقديرات حول حجم الدور الذي يلعبه الجيش في الاقتصاد المحلي.

وينفي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ما تردد من أن اقتصاد الجيش يمثل 50% من الاقتصاد المحلي، مؤكدًا أنه لا يجاوز 3%.

وتخضع المشروعات التجارية التابعة للقوات المسلحة لثلاث جهات رئيسية هي وزارة الإنتاج الحربي (تأسست عام 1954) وتشرف على 20 شركة، ووزارة الدفاع ممثلة في الهيئة الهندسية، والهيئة العربية للتصنيع المملوكة للحكومة المصرية والمسؤولة عن 12 شركة.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: