بين داخل يتصارع وخارج يتدخل.. هل يتغير نمط الحكم بلبنان؟

بين داخل يتصارع وخارج يتدخل.. هل يتغير نمط الحكم بلبنان؟

يعاني لبنان أزمات عديدة متراكمة ترخي بثقلها المدمر على الاقتصاد والمجتمع، ما يثير أحاديث عن أن الحل ربما يكمن في تأسيس نظام سياسي جديد.

وتكاد تكون أزمته الاقتصادية الراهنة هي الأسوأ منذ الحرب الأهلية (1975: 1990).

وجاء انفجار مرفأ العاصمة بيروت، في 4 أغسطس/ آب الجاري، ليصب الزيت على النار.

وقضى الانفجار على شريان حيوي يساهم في 70 بالمئة من الحركة التجارية، وأجج غضب اللبنانيين من الطبقة السياسية، التي يتهمها كثيرون بالفساد وعدم الكفاءة ويطالبون برحيلها.

وخلف الانفجار 171 قتيلا وأكثر من 6 آلاف جريح، ومئات المفقودين، بجانب دمار مادي هائل، بخسائر تتجاوز 15 مليار دولار، بحسب أرقام رسمية غير نهائية.

ووفقا لتقديرات رسمية أولية، وقع الانفجار في عنبر 12 من المرفأ، الذي قالت السلطات إنه كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة “نترات الأمونيوم” شديدة الانفجار، كانت مُصادرة ومُخزنة منذ عام 2014.

ومنذ الانفجار، يشهد لبنان احتجاجات شعبية كبيرة، خاصة بمحيط مجلس النواب (البرلمان)، وسط العاصمة، حيث يطالب المحتجون باستقالة رئيس الجمهورية، ميشال عون، وأعضاء البرلمان، برئاسة نبيه بري، بعد أن استقالت حكومة حسان دياب، الإثنين، على وقع الانفجار.

وبدأت الحركة الاحتجاجية في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وترفع مطالب اقتصادية وسياسية، وأجبرت حكومة سعد الحريري على الاستقالة، بعد 12 يوما من الاحتجاج.

وحلت محلها، منذ 11 فبراير/ شباط الماضي، حكومة دياب، التي باتت حكومة تصريف أعمال لحين تشكيل أخرى جديدة.

ويزيد انفجار بيروت من أوجاع بلد يعاني منذ أشهر من تداعيات أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه الحديث، ومن استقطاب سياسي حاد، في مشهد تتداخل فيه أطراف إقليمية ودولية، ما قد يجعل من الصعب الوصول إلى نظام سياسي جديد في لبنان.

** بين الغرب والشرق

سيناريوهات كثيرة يجري الحديث عنها على أمل إخراج لبنان من مأزقه.

أحد هذه السيناريوهات هو ما دعا إليه حسن نصر الله، أمين عام جماعة “حزب الله” (شريكة بحكومة دياب)، في وقت سابق، من “التوجه نحو الشرق”، للتعاون مع الصين.

وتتهم الولايات المتحدة ودول إقليمية حكومة دياب بالخضوع لسيطرة “حزب الله”، حليف النظام السوري وإيران أحد ألد أعداء واشنطن.

وقال جوزيف أبو فاضل، وهو محامٍ ومحلل سياسي، للأناضول، إنه في ظل “قوة وعظمة الولايات المتحدة لا يمكن التوجه نحو الشرق”.

وأضاف: “لا يمكن أن ندخل في الخلافات الكبيرة بين الصين والولايات المتحدة، خاصة وأن معظم الدول العربية والاتحاد الأوروبي وكذلك بريطانيا، جميعها تدور في فلك واشنطن”.

فيما قالت الدكتورة كاميليا جريج، أكاديمية ومحاضرة بكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية: “لا شرقا ولا غربا.. (حل) لبنان في وحدة بنيه (أبنائه)”.

وتابعت جريج للأناضول أن “النظام اللبناني ساهم في فتح الحدود السياسية والتجارية، فأصبح لبنان مشرَّع الأبواب لأي تدخل سياسي تحت تسمية المساعدات”.

وشبهت أركان النظام اللبناني بـ”الأوليغارشيات”، أي دوائر للنفوذ السياسي والمالي والاقتصادي، معتبرة أن “هذه الأوليغارشيات هي رَعاية لدول فاعلة إقليميا أو دوليا”.

** حكومة وحدة وطنية

منذ استقالة حكومة دياب، يدور حديث في الداخل اللبناني عن تعاون بين الفئات السياسية لإنتاج حكومة وحدة وطنية بمعظم الفرقاء السياسيين.

ورأى أبو فاضل أن “اللبنانيين لا يسألون سوى عن حكومة تؤمّن لهم العيش الكريم”.

وأردف أن “إرسال المساعدات من الدول العظمى إلى الشعب اللبناني مباشرة، عبر الأمم المتحدة، ليس إلّا عار على الدولة اللبنانية”.

ومستنكرة، تساءلت جريج “عن أي حكومة وحدة وطنية يجري الحديث (؟!).. إن كانت حكومة وطنية تمثّل الطوائف، فهو أمر مرفوض”.

واستطردت: “وإن كانت حكومة أحزاب، فالسؤال هل الأحزاب تمثّل كافة فئات الوطن (؟)”.

** نظام جديد

دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال زيارته بيروت في 6 أغسطس/ آب الماضي، إلى بناء نظام سياسي جديد في لبنان.

والتقى ماكرون مجموعة من السياسيين اللبنانيين، وتفقّد مكان انفجار المرفأ ومحيطه، واعدا بتأمين مساعدات للبنان.

ودعت جريج إلى “النظر في دعوة ماكرون المتعلقة ببناء نظام سياسي جديد.. أي نظام سياسي جديد لن يلحظ أننا مواطنون ويجبرنا على بناء دولة وطنية علمانية سيكون ترقيع لثوبٍ بالٍ”.

وتابعت: “يلزمنا ثوب جديد لنبني دولة مؤسسات تقوم على العلم والمعرفة والكفاءات”.

وشدت على “ضرورة اعتماد قانون انتخابي يعكس تمثيل صحيح للمواطنين ليصل صوتهم إلى البرلمان”.

فيما قال أبو فاضل إن “الدولة اللبنانية تعثّرت، فنظام الطائف (اتفاقية أنهت الحرب الأهلية) كرّس الطائفية والمذهبية التي لم يشهدها لبنان في عز الحرب الأهلية”.

وتوجد في لبنان ثلاث رئاسات، هي رئاسة الجمهورية ويتولاها مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة ويتولاها مسلم سُني، ورئاسة مجلس النواب ويتولاها مسلم شيعي.

ورأى أن “المفتاح هو فرض الدول الكبرى حلولها في لبنان.. لا بد من تشاور كبير كذلك الذي يجمع ماكرون و(نظيريه الأمريكي دونالد) ترامب و(الروسي فيلاديمير) بوتين ودول الخليج وقريبا إيران من تحت الطاولة”.

سامي نادر، محلل سياسي، اعتبر في حديث للأناضول، أنه “لا حل جذريا إلّا بتحييد لبنان عن الصراعات الدولية”.

ورأى أن “نظام المحاصصة سيىء الذكر لم يعد ينفع داخليا ونحتاج إلى نمط حكم جديد”.

** صندوق النقد

اعتبر نادر أن “الوضع الاقتصادي يحتاج اللجوء إلى صندوق النقد الدولي وإلى إصلاحات داخلية، فلبنان بحاجة إلى ضخ سيولة في السوق لتفادي الانهيار التام”.

وامتنعت دول إقليمية وغربية، بينها السعودية والولايات المتحدة، عن مساعدة لبنان ماليا، لعدم رضاها عن حكومة دياب، وفق تقارير إعلامية لبنانية.

ورأى أن “الإصلاحات يجب أن تطال المالية العامة، ضبط العجر، ضبط وضع المصارف الخاصة، وضبط وضع مصرف لبنان لناحية امتصاص خسارته، وبهذا يمكن الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج”.

بينما رفضت جريج اللجوء إلى صندوق النقد قبل محاكمة السياسيين اللبنانيين ورد الأموال المنهوبة.

وأردفت: “عندها (أي عند استرداد الأموال المنهوبة) يمكن العمل على إنشاء اقتصاد إنتاجي داخلي، لأن الأموال المنهوبة يمكن أن تسد العجز”.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: