بيوت عمان القديمة إرث تاريخي أم قنابل موقوتة؟

بيوت عمان القديمة إرث تاريخي أم قنابل موقوتة؟

فتحت حادثة انهيار عمارة سكنية في جبل اللويبدة التي راح ضحيتها العشرات بين قتلى وجرحى تحت الركام الباب واسعاً أمام مخاوف من تكرار مثل هذه الفاجعة، بخاصة أن عمان القديمة كانت إلى وقت قريب تتكون من أحياء تاريخية شيدت على جبالها السبعة وسلسلة من التلال المكتظة ببنايات سكنية قديمة ومتهالكة قبل أن تتوسع نحو الغرب.

اليوم ثمة منازل قديمة وعشوائيات تشكل صداعاً للحكومة وقلقاً للأهالي، لكنها في المقابل تمثل ملجأ لكثيرين بسبب إيجاراتها الشهرية المنخفضة والزهيدة.

فالأحياء القديمة لعمان، كجبل التاج والقلعة واللويبدة وجبل المريخ والأشرفية وجبل النصر وغيرها، تكتظ ببنايات قديمة قد يكون بعضها مهدداً بالسقوط، وتحفل أزقتها وحاراتها بعشوائيات قاتلة وخانقة لحياة قاطنيها، الذين يحلم بعضهم بتخطيط عمراني يواكب الحداثة والخدمات العامة التي تغيب عنهم كالحدائق وأماكن الترفيه والشوارع الواسعة والتمديدات الصحية وغيرها.

هل بدأ تنظيم الفوضى؟

أحد تجليات هذه الفوضى العمرانية تتمثل اليوم في حي الطفايلة، الواقع في إحدى أقدم مناطق عمان التاريخية، إذ تنبهت الحكومة إلى ضرورة هدمه وإعادة بنائه أو تحويله إلى متنفس للأحياء الأخرى، بعد أن كان لسنوات بمثابة إطلالة تأخذ نزولاً إلى وسط العاصمة عمان.

ووجهت الفكرة في بداياتها باعتراضات شعبية وردود فعل غير مرحبة، باعتبارها تهدف إلى تنفيذ أجندات سياسية عبر إزالة أكبر تجمع عشائري في العاصمة، لكن الحكومة، التي أعلنت قراراً باستملاك جزء كبير من الحي العريق، بررت الأمر بأهداف تنظيمية تحقيقاً للنفع العام لإنشاء حدائق ومبان عامة وساحات ومواقف سيارات في المنطقة التي لا تكاد تجد فيها موطئ قدم من شدة ازدحامها وعشوائيتها.

ماذا عن العشوائيات؟

منذ بداية اللجوء الفلسطيني إلى الأردن على مرحلتين عامي 1948 و1967 بدأ ظهور العشوائيات في المملكة، عبر بناء مساكن من خيم تطورت لاحقاً إلى بيوت مسقوفة بـ”الزينكو” لاستيعاب اللاجئين لكن من دون تخطيط أو تنظيم، ومن خلال سياسة وضع اليد على أراض تعود ملكيتها لمواطنين قبل أن تتنبه الدولة للأمر، محاولة تحويل هذه المخيمات إلى أحياء سكنية.

لكن في المقابل نمت عشوائيات أخرى في الأردن منذ 70 عاماً بشكل بات يهدد المجتمع الأردني، إذ ينظر القضاء الأردني في نحو 15 قضية لأصحاب الملكيات والأراضي، في وقت يعيش أكثر من 700 أسرة وسط خوف وقلق من قرار بترحيلها من أماكن سكنها.

 أحد أبرز الأمثلة على ذلك حي جناعة في مدينة الزرقاء، حيث تلقى سكانه إنذارات تطالبهم بإخلاء منازلهم على رغم وجود ما يزيد على 30 ألف نسمة على أراضيه التي تعود ملكيتها لأحد المواطنين.

الأمر ذاته تكرر في منطقة الجبيهة غرب عمان العاصمة، مهدداً نحو 25 ألف نسمة من قاطنيها، إضافة إلى الأراضي التي تشكل اليوم مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين، أحد أكبر مخيمات اللجوء، بعد مطالبة أصحاب الأرض حيث أنشئ المخيم بحقهم، لكن القضاء رفض طلبهم لأن ذلك سيؤدي إلى أزمة إنسانية وطنية، مما قد ينعكس سلباً على الأمن والسلم المجتمعي.

كارثة مؤجلة

وتوسعت عمان ونمت منذ أربعينيات القرن الماضي بشكل عشوائي بفعل عوامل سياسية واجتماعية، الأمر الذي أنتج فرقاً واضحاً اليوم بين جهتي عمان الشرقية والغربية من حيث خصائص العمران والمستوى الاجتماعي والمعيشي للسكان بين الجهتين، وفوارق ثقافية واجتماعية وحتى بيئية.

ووفقاً لمراقبين، لم تعد جبال عمان آمنة بما يكفي لقاطنيها بعد سنوات من الإهمال والتوسع العشوائي، وتكرار حوادث الانهيار بخاصة أن معظم المباني فيها تربض على مناطق جبلية منحدرة. والقاسم المشترك بينها كلها افتقارها إلى المرافق والخدمات الأساسية وتدني مستوى المعيشة وانتشار الفقر والأمية وشيوع سلوكيات اجتماعية خطيرة.

لكن نقابة المهندسين الأردنيين تقول إنها حذرت مراراً من إمكان انهيار الأبنية القديمة إذا لم تتم صيانتها، في وقت كشف رئيس هيئة المكاتب الهندسية عبدالله غوشة عن أن “هناك مناطق واسعة في الزرقاء وإربد ووسط العاصمة القديم تواجه مشكلات في منشآتها وبعضها آيل للسقوط”، موضحاً أن ربع هذه المباني مهدد بالانهيار.

إرث ثقافي وتاريخي

وفي مقابل إيجاراتها الشهرية المتواضعة، يرتبط السكن في بيوت عمان القديمة التي تنتصب على جبالها السبعة بمعاناة فريدة لدى قاطنيها الذين يعانون في رحلة يومية انحداراتها وأدراجها القديمة والطويلة التي مثلت إرثاً ثقافياً وسياحياً. وفي الوقت ذاته تحول كثير من هذه المنازل إلى مشاريع سياحية كمقاه ومطاعم تعبق بالتاريخ العماني القديم، بينما تحولت أدراجها إلى مقصد ثقافي.

وفي مدينة تتكئ على 20 جبلاً كالعاصمة الأردنية عمان كان لا بد من وجود أدراج وسلالم تعين أهلها على تضاريسها الصعبة، وتصل ما انقطع بين أزقتها ومناطقها.

وطوال سنوات عدة ظلت أدراج عمان الرطبة وما حولها من نباتات وأشجار فضلاً عن روائح الأكلات الشعبية المنبعثة من المنازل القديمة المجاورة تثير مشاعر المغتربين الأردنيين، في حين تشتهر بعض بيوت عمان القديمة بأسماء العائلات التي شيدتها كبيت البلبيسي ومانجو ومرعي والقسوس وغيرها. وبينما طال التهميش والعشوائية والازدحام بعضها تحولت أخرى كمنازل جبل اللويبدة، الذي شهد حادثة الانهيار الأخيرة، إلى ملتقى للمثقفين.

وفي منطقة جبل الحسين ما زال بيت علي الكايد العمايرة الذي تم إنشاؤه في عام 1935 قرب قلعة عمان الأثرية ويحمل طرازاً معمارياً شرقياً عريقاً، موجوداً حتى اللحظة، كشاهد على قدم بعض المنازل العمانية.

اندبندنت

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: