وائل قنديل
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

تاريخ مصر بوصفه مسخرة

وائل قنديل
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

أوغلو في فبراير/ شباط 2018 نشر هذا الخبر في صحف القاهرة بصياغة واحدة “قرّرت محافظة القاهرة تغيير اسم شارع “سليم الأول” بحي الزيتون، بناءً على ما قدمه الدكتور محمد صبري الدالي، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة حلوان، بأنه لا يصح إطلاق اسم أول مستعمر لمصر، والذي أفقدها استقلالها وحوَّلها إلى مجرد ولاية من ولايات الدولة العثمانية، إلى جانب قتله آلاف المصريين خلال دفاعهم عنها، وكذلك أعدم آخر سلطان مملوكي (طومان باي) وحلّ الجيش المصري. وقال المهندس عاطف عبدالحميد، محافظ القاهرة، في تصريحات صحافية، إنه سيتم إجراء حوار مجتمعي بين رئيس حي الزيتون وأهالي الحي وأصحاب المحال والمهتمين من المثقفين والمؤرخين لاختيار الاسم المناسب.

تردد وقتها أنه تم التوصل إلى اختيار الاسم الجديد: شارع الشهيد أحمد منسي بديلًا للسلطان سليم الأول، ولا يعلم أحدٌ هل تم وضع اللوحة الزرقاء التي تحمل الاسم الجديد، أم أن التغيير كان إعلاميًا فقط في سياق مكايدة النظام التركي، غير أن الأمر، في كل الأحوال، بقي مثيرًا للضحك المرير.

أدرك الناس أن تلك اللوحة الزرقاء لن تغيّر من الواقع المطبوع في الذاكرة الجمعية شيئًا، إذ بقي الشارع هو “شارع سليم” كما حفظه المواطنون، لكن الذي تغير هو النظام المصري الذي عاد يقول على لسان وزير خارجيته بعد ثلاث سنوات إن ما بين مصر وتركيا علاقات أخوية على مرّ التاريخ. ويصطحب وزير الخارجية التركي في جولة بالقاهرة، لم تشمل شارع سليم الأول بالطبع، لكنها تضمّنت زيارة إلى متحف الرؤساء لخّصتها الدبلوماسية المصرية العاقلة الرزينة في صورة وزّعتها على وسائل الإعلام يقف فيها الضيف التركي أمام حائط يحمل صور الرؤساء السابقين، محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك وصولًا إلى العسكري الحالي، ومعهم مجسّم مؤقت لمنصب الرئاسة تم وضعه مؤقتًا في الفترة الواقعة بين تنفيذ الانقلاب العسكري في صيف 2013 وحتى تهيئة المسرح لصعود قائد الانقلاب إلى مقعد الرئاسة الذي أقسم أنه غير راغب فيه ولا يخطط للحصول عليه.

بالطبع، أسقط متحف الانقلابات الرئيس المنتخب الوحيد في تاريخ مصر من الصورة المعلقة على الجدار، في رسالة شديدة الوضوح، وشديدة الإصرار على السخرية من الزائر التركي وإظهاره سعيدًا أمام اللوحة التي غيّب عنها الرجل الذي طالما استثمرت أنقرة في مأساة الانقلاب عليه ثم تصفيته بالحرمان من العلاج داخل سجنه، وهي المأساة التي صنعت بها تركيا أردوغان صورتها بلدا ديمقراطيا يحترم الديمقراطيات، ويدافع عنها في كل مكان، بعد أن عرف كارثية الاستسلام لنقيض الديمقراطية ودفع ثمنا باهظًا من الدماء وتخلف عقودًا عن ركب الدول المدنية المحترمة.

قل ما شئت عن نزق الدبلوماسية المصرية وتصرّفاتها الكيدية الصغيرة واستخفافها بالعقل وإهانتها التاريخ وتصوّرها الواهم بأن مثل هذه الأشياء يمكن أن تمرّ على ذاكرة المصريين ووعيهم، أو أن تغيّر من الواقع والحقائق شيئًا خالدًا وغير مسبوق في التاريخ، وهو أن المصريين انتخبوا لأول مرة رئيسًا مدنيًا اسمه الشهيد محمد مرسي بأصواتهم، وفرضوه على النظام العسكري بقوة الديمقراطية الوليدة التي وئدت في عامها الأول.

لن ينسى المصريون ذلك، كما لم ينسوا اسم شارع سليم الأول لمجرد أن النظام يمكن أن يضع لوحة معدنية زرقاء تحمل اسمًا جديدًا، كما لن ينسى أحدٌ أن الرئيس التركي أعلن عشرات المرّات أنه لن يصافح انقلابيين وقتلة ثورات شعوب، ثم بعد حين صار يطرق أبوابهم طالبًا ودّهم وصداقتهم، لكنهم بالتأكيد لن يتذكروا اسم أستاذ التاريخ المهرّج الذي اقترح حذف سليم الأول من الذاكرة، واعتباره غازيًا محتلًا وعدوًا لمصر، كما لن يذكروا النكات والخزعبلات التي تضمّها مجلدات محشوّة بتفاهات من عينة أن “الأتراك العثمانيين احتلوا أرضهم ومارسوا عليهم حكما ظالما، ولم يستطيعوا الاندماج معهم أو الانصهار فيهم، مثلما انصهرت أو اندمجت معظم الأمم التي احتلت مصر من قبل” كما يزعم “ترزي التاريخ”.

ذات يوم، وصف أحد الأصدقاء الوضع القائم في مصر بالقول إن أحد إعلاميي السامسونغ يفكّر والنظام ينفذ والعالم من حولنا يضحك علينا، غير أن الواقع أسوأ من ذلك بكثير.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts