تحرش وعبودية وقتل.. التكلفة الخفية للأناقة والشوكولاتة

تحرش وعبودية وقتل.. التكلفة الخفية للأناقة والشوكولاتة

صناعة الشوكولاتة تعتمد على حبوب كاكاو تنمو في غرب أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية

لرفاهيتنا ثمن يدفعه آخرون، بشر حولتهم المنظومة إلى أدوات، استغلت فقرهم ووظفتهم لاستخراج موارد بلادهم الطبيعية، ولم تمنحهم أجرا مناسبا ولا رعاية طبية، بل حتى حرمتهم من الاستمتاع بما يستخرجونه. 

يكونون غالبا أطفالا ونساء أكثر فقرا وحاجة، يصنعون الشوكولاتة ولا يتذوقونها، يستخرجون المعدن اللامع ولا يعرفون استخدامه، يخيطون الملابس ولا يرتدونها، ولا يحصلون على أجر حقيقي، بل يدفعون من كرامتهم وإنسانيتهم وحياتهم.

الشوكولاتة المرة
هل يمكنك أن تتذوق المرارة داخل قطعة من الشوكولاتة؟ ربما لا تشعر سوى بمذاقها الحلو الذي يملأ فمك ويغمرك بالسعادة. ماذا لو عرفت أن القطعة الكريمية الصغيرة تصنع بأيدي أطفال فقراء في ظروف عمل أشبه بالعبودية؟

تعتمد صناعة الشوكولاتة على حبوب كاكاو تنمو في غرب أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.

في غرب أفريقيا، يعمل أكثر من مليوني طفل في صناعة الكاكاو، وفقا لبيانات وزارة العمل الأميركية، وينطوي عملهم على خطورة بالغة، بدءا من استخدام المناجل الحادة لقطع ثمار الكاكاو، وحمل الأجولة الثقيلة، ورش المبيدات.

يبدأ معظم الأطفال العمل في سن مبكرة للمساعدة في إعالة أسرهم، وينتهي الأمر ببعضهم إلى مزارع الكاكاو، بعد أن يخبرهم التجار بأن الوظيفة توفر دخلا جيدا، وفي كثير من الأحيان يتم بيع الأطفال الآخرين للتجار أو لأصحاب المزارع من قبل ذويهم، الذين لا يدركون بيئة العمل الخطيرة. حسب منظمة “فود أمبورمينت” (Food Empowerment).

وفي كثير من الأحيان يخطف التجار الأطفال الصغار من القرى الصغيرة في البلدان الأفريقية المجاورة، وبمجرد نقلهم إلى مزارع الكاكاو، قد لا يرى الأطفال عائلاتهم لسنوات. وتمثل الفتيات نحو 40% من هؤلاء الأطفال.

يبدأ يوم عمل الطفل في الصباح الباكر، وينتهي في المساء، ويستخدم بعضهم المناشير لإزالة الغابات، في حين يتسلق آخرون الأشجار لقطع الثمار باستخدام مناجل ثقيلة وحادة للغاية، وبمجرد قطع الثمار من الأشجار يقوم الأطفال بتغليف “القرون” في أكياس وسحبها عبر الغابة، وقد تزن تلك الأكياس أكثر من مئة رطل.

تقول منظمة “فود أمبورمينت” إن أغلب الأطفال لديهم ندوب على أيديهم أو أذرعهم أو أرجلهم أو أكتافهم من المناجل. بالإضافة إلى ذلك، يتعرض الأطفال أيضا للمواد الكيميائية الزراعية في مزارع الكاكاو، حيث تستخدم المناطق المدارية -مثل غانا وساحل العاج- كميات كبيرة من المبيدات لمكافحة الحشرات المنتشرة.

ينتج الأطفال الشوكولاتة، ومع ذلك هي رفاهية لا يستطيعون الحصول عليها، فعادة يوفر أصحاب المزارع للأطفال أرخص طعام متاح، مثل معجون الذرة والموز، حسب لوس أنجلس تايمز، ويعاقبونهم بالجلد والضرب.

الميكا.. مصدر بريق المكياج
في قرى نائية في الهند، يخاطر الأطفال بحياتهم لتعدين “الميكا”، العنصر الرئيسي في صناعة مستحضرات التجميل؛ بدءا من كريم الأساس، مرورا بظلال العيون وأحمر الشفاه، حتى أحمر الخدود.

يعمل نحو عشرين ألف طفل في مناجم الميكا، 90% منهم غير قانونيين، في ولايتي بيهار وجهاركاند الهنديتين المسؤولتين عن إنتاج 25% من الإنتاج العالمي للميكا.

يقوم الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم عشرة أعوام بإلقاء رقائق صخرية قبالة الجبال، ويحمل آخرون -ومعظمهم من الفتيات الصغيرات- سلالا من الصخور إلى أعلى المنجم لفرز محتوياتها، فمهمتهم هي فصل شظايا المعدن اللامع من الحطام الصخري، حسب الغارديان.

وتعتمد أغلب الأسر التي تعيش في فقر مدقع على عمل الأطفال في تلك المحاجر للمساعدة في دخل الأسرة، حيث يتقاضى الطفل ما بين عشرين وثلاثين روبية في اليوم، بما يعادل من 29 43 سنتا أميركيا.

يعاني الأطفال هناك من نقص في كل شيء؛ عمل وفقر وأمية وأمراض، حيث يتسبب استنشاق غبار الميكا في التهابات وأضرار دائمة بالرئتين، بالإضافة إلى أن تلك المناجم مليئة بالألغام منذ الاستعمار البريطاني، مما يؤدي إلى انهيارات صخرية تصيب الأطفال وتشوههم، بل وتؤدي إلى قتلهم، حيث تقدر حالات الوفيات هناك بما بين عشرة وعشرين حالة كل شهر، وفقا لموقع “رفينري 29” (Refinery29).

وكشف تحقيق لوكالة رويترز عام 2016 عن تورط مسؤولين محليين في التلاعب بأعداد الوفيات، مما يجعل حصر العدد الفعلي صعبا للغاية.

ملابس لا تستر صانعيها
يفضل صناع الملابس بناء مصانعهم في دول فقيرة أو مليئة بالفقراء، مثل بنغلاديش، والهند، وفيتنام؛ حيث تنخفض الأجور وتكلفة التصنيع وتنخفض معايير الأمن والسلامة، ولا تتحمل الشركات الكبرى أي مسؤولية تجاه العمال، الذين يقدر عددهم في العالم بنحو أربعين مليونا، 85% منهم من النساء، حسب الوثائقي “ترو كوست” (The True Cost).

يستغل أصحاب المصانع العمال رجالا ونساء على حد سواء، حيث تتراوح أجور العاملين بين دولار وثلاثة يوميا، مع العمل في ظروف غير آدمية قد تؤدي إلى حوادث ضخمة، كما حدث عام 2013 في حادثة رانا بلازا، التي راح ضحيتها 1129 قتيلا و2515 جريحا، وفقا لهيومان رايتس ووتش.

في صناعة الملابس التي تبلغ 2.4 تريليون دولار، لا يقبل معظم مديري المصانع أن تحمل عاملاتهم، فيطردوهن أو يرفضون منحهن إجازة الأمومة، كما بيئة العمل نفسها غير آمنة.

العنف القائم على النوع الاجتماعي شائع في صناعة الملابس، حيث أعلنت نصف العاملات في ثلاث مقاطعات فيتنامية معاناتهن من أشكال العنف، وفقا لدراسة أجرتها مؤسستا “فير وير” و”كير” الدوليتان.

وتراوحت شهادات العاملات بين سوء المعاملة من خلال الضرب والعنف والإهانة وتدني الأجور والعمل ساعات طويلة، وبين التحرش اللفظي والبدني، الذي يصل أحيانا إلى حد الاغتصاب داخل مصانع الملابس.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: