تدمير سد النهضة.. هل يشعل ترامب فتيل الحرب بين مصر وإثيوبيا؟

تدمير سد النهضة.. هل يشعل ترامب فتيل الحرب بين مصر وإثيوبيا؟

سد النهضة يتوقع أن يصبح أكبر مصدر للطاقة الكهرومائية في أفريقيا (رويترز)

أثار حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن “الحل العسكري” في أزمة سد النهضة الإثيوبي تساؤلات حول خيارات مصر المختلفة في التعاطي مع هذا الملف الشائك؛ فهل أعطى ترامب الضوء الأخضر للقاهرة لضرب السد؟ أم أنها مجرد تصريحات تأتي في سياق حملته الانتخابية؟ وماذا عن مواقف مصر وإثيوبيا والسودان من هذه التصريحات؟

ففي تصريح مفاجئ ونادر، حذَّر ترامب الجمعة الماضي من خطورة الوضع المتعلق بأزمة السد، قائلا إن “الأمر قد ينتهي بالمصريين إلى تفجير السد”، مضيفا “قلتها وأقولها بصوت عال وواضح: سيُفجّرون هذا السد، وعليهم أن يفعلوا شيئا، كان ينبغي عليهم إيقافه قبل وقت طويل من بدايته”.

وجاء تصريح الرئيس الأميركي خلال اتصال هاتفي جمعه مع رئيسي وزراء السودان عبد الله حمدوك وإسرائيل بنيامين نتنياهو بعد إعلان تطبيع العلاقات بين بلديهما، وأكد خلاله أيضا أن مصر “لديها كل الحق في حماية حصتها في مياه النيل، وأن تجاهل إثيوبيا للاتفاق الأخير حول السد أمر ‏غير مقبول”.

وفي فبراير/شباط الماضي، أعلنت واشنطن التوصل إلى اتفاق حول آلية عمل السد، ووقعت عليه القاهرة بالأحرف الأولى، في مقابل امتناع إثيوبيا التي اتهمت الولايات المتحدة بالانحياز إلى مصر في هذه الأزمة، مما دفع الإدارة الأميركية إلى فرض عقوبات على أديس أبابا ومنع بعض المساعدات عنها.

وفي مقابل صمت مصري رسمي بشأن حديث ترامب حول الحل العسكري وتدمير سد النهضة، استدعت إثيوبيا سفير واشنطن لديها، وطلبت منه إيضاحات، معتبرة أن التصريحات من شأنها “إشعال الحرب في منطقة حوض النيل”.

كما أكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن سد النهضة يعود لبلاده، مضيفا أنه لا توجد قوة تمنع إثيوبيا من تحقيق أهدافها في هذا الشأن.

كما دخل الاتحاد الأوروبي على خط الأزمة، محذرا -في بيان- من زيادة التوترات بشأن السد، ومطالبا بضرورة المضي قدما للتوصل إلى اتفاق بشأن المسألة بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا.

ولم تحدث مفاوضات سد النهضة اختراقا أو التوصل لحل يرضي الجميع منذ انطلاقها عام 2011، نتيجة اتهامات متبادلة بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا بالتعنت والرغبة في فرض حلول غير واقعية.

صمت مصري

الملفت أن النظام المصري لم يعلق رسميا على تصريحات ترامب، غير أنه يؤكد عادة التزامه بالحل التفاوضي وعدم اللجوء للأعمال العسكرية.

وسبق أن تراجع الترويج في مصر -على منصات التواصل ووسائل الإعلام- للخيار العسكري للتعامل مع الأزمة، على خلفية إعلان إثيوبيا أواخر يوليو/تموز الماضي بداية الملء الأولي للسد، حيث أكد السيسي آنذاك حرص بلاده على التفاوض، بل وانتقد الترويج للخيار العسكري من جانب بعض المصريين، باعتباره يضر السياسة المصرية في أزمة السد، على حد قوله.

وقبل يومين، قال المذيع المصري -المقرب من النظام- محمد الباز إن المعلومات التي لديه “تكذب الرئيس الأميركي، وإن مصر لم يكن على أجندتها قرار ضرب السد”، علما أن معظم المذيعين التابعين للسلطة تجاهلوا تغطية الأمر في برامجهم.

في المقابل، اعتبر وزير الري المصري الأسبق محمد نصر الدين علام أن حديث ترامب “يوضح موقف القيادة المصرية من سد النهضة، وعدم قبولها المطالب الإثيوبية واستعدادها للتدخل العسكري للحفاظ على الأمن المائي”، قائلا “اعتبر أن ذلك ضوء أخضر من ترامب لمصر لضرب سد النهضة”.

توريط مصر

الخبير العسكري المصري اللواء متقاعد طلعت مسلّم حذَّر من توريط بلاده في حرب مع إثيوبيا، مشددا على أن مسايرة الرئيس الأميركي في حديثه عن تفجير السد ستمثل خطأ للقاهرة وليس لواشنطن.

وقال مسلّم إن تصريح ترامب “خطير جدا لو تم اتخاذه في سياق صدوره من قبل رئيس أكبر دولة في العالم”، مستدركا “لكنني أراه نوعا من الدعاية الانتخابية الضخمة من قبل ترامب، المعروف عنه مبالغته الكثيرة وعدم الدراسة الكافية لما يخرج منه”.

وأوضح مسلّم أن تصريح ترامب “يفيد مصر كثيرا من ناحية المساندة الأميركية في المفاوضات، لكن ينبغى التعامل معه بحذر، وعدم الانسياق خلفه”، مؤكدا أن “ترامب لم يقصد منح مصر ضوءا أخضر لضرب السد أو توريطها في حرب مع إثيوبيا”.

ونصح الخبير العسكري حكومة بلاده بأن تضع التصريح “الخطير والمهم في سياق علاقتها مع الولايات المتحدة وترامب في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية، بحيث يتم البناء عليه في إدارة الملف التفاوضي للسد، وعدم توقع أكثر من ذلك، وربما أقل أيضا”. في إشارة منه إلى خطورة الانجرار لعمل عسكري.

وحول سياق تزامن التصريح مع تواصل حمدوك ونتنياهو هاتفيا مع ترامب، رأى مسلم أنه “في الغالب لم يكن مقصودا، ولكن يبقى أثره من ناحية إحراج مصر في علاقاتها مع البلدين”.

وحذر الخبير العسكري من تداعيات نشوب حرب في المنطقة ذات الاستقرار الهش، قائلا “بخلاف آثارها الكبيرة، قد تتسبب في انهيار السد الإثيوبي وغرق قرى ومدن جنوبي مصر”.

ضوء أخضر

في المقابل، اعتبر الأكاديمي والباحث المصري في العلوم السياسية محمد الزواوي أن تصريحات ترامب “قطعت الشك باليقين بأن مصر تستعد فعليا ولديها خطط جاهزة لضرب السد، وأنها لجأت إلى الولايات المتحدة كوسيط من أجل تأمين حقها في ضرب السد في حال فشلت المفاوضات، وهو ما حدث بالفعل”.

وقال الزواوي في تصريحات للجزيرة نت إن “مصر أخذت فعليا الضوء الأخضر من الولايات المتحدة بعد أن انسحبت إثيوبيا من المفاوضات، ولكن في النهاية تعد هذه التصريحات بمثابة تحذير أميركي لإثيوبيا للإذعان للاتفاق برعاية أميركية لخفض التوتر وحل هذه القضية بصورة سلمية”.

وحذر الباحث المصري من أن “العالم لن يتحمل وجود مجاعة أو جفاف في مصر، حيث إن ذلك الوضع سينفجر إقليميا وليس داخليا فقط، بالنظر إلى الكتلة السكانية الكبرى لمصر”.

فرصة ثمينة

بدوره، قال الباحث السوداني المتخصص في الشأن الأفريقي عباس محمد صالح إن خيار الحرب لا يوجد أي طرف قادر على تحمله، مشيرا إلى أن هذا الحديث مثّل نصرا معنويا للقاهرة، ولكنه قد يلحق بها ضررا كبيرا.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أوضح صالح أن “إثيوبيا ستتشدد أكثر من ذي قبل في مفاوضات سد النهضة، لا سيما أن القاهرة لم يعد لديها خيار سوى المسار التفاوضي”.

وعزا الباحث السوداني تصريحات ترامب إلى كونها تأتي في سياق الانتخابات الأميركية، قائلا “ترامب يظن أن مجرد التصعيد الكلامي يعد إنجازا لصالحه، كما فعل بتطرقه لقضية السد”.

وأضاف أن “مهاجمة مصر السد مطروحة كافتراض، ربما ردده مسؤولون مصريون خلال لقائهم إبان وساطة الإدارة الأميركية العام الماضي، لذا ردده ترامب في حديثه الأخير”.

أما عن الجانب الإثيوبي، خاصة رئيس الوزراء آبي أحمد، فقد اعتبر عباس صالح حديث ترامب “فرصة ثمينة لحشد الإثيوبيين من حوله وحول مسألة السد”، مضيفا “أتوقع أن مسار مفاوضات سد النهضة برمته قد انتهى لصالح إثيوبيا”.

وذهب بالقول إن “أديس أبابا ستركز على إثارة النقاش السياسي الدبلوماسي لإحياء الآليات التي تطالب بإعادة النظر في الاتفاقيات التاريخية وتقاسم حصص المياه على أسس جديدة، ليس فقط حوض النيل الشرقي، وإنما كامل مياه نهر النيل”.

وحول موقف بلاده من الحديث الأميركي الذي كان موجها في الأساس لرئيس الوزراء حمدوك، استبعد الباحث السوداني “أن يكون موضوع سد النهضة من الشروط التي تم عرضها على الجانب السوداني لقبول التطبيع مع الكيان الصهيوني، أو شطب اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب”، معتبرا الربط والتداخل بين الحدثين مجرد صدفة.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: