قال أحد المفكرين: “الهوايات لها قـوة علاجية رائعة ، فهي تبعدك عن ضغوط الحياة اليومية و تأخذك إلى الراحة و السعادة”.. هذا ما يفعله الأردني محمد الردايدة في قريته “كفر يوبا” التابعة لمحافظة إربد شمال البلاد، عندما قرر قبل نحو عام أن يجمع في مكان واحد، آلاف التحف الشرقية والغربية، ليلخّص فيه شغفاً ومحبةً لهواية تعيش معه منذ طفولته.
الردايدة (42 عاماً)، أنشأ قبل عام واحد، مكاناً في قريته، أسماه “تراث أجدادنا”، بالتعاون والتشارك مع أحد أصدقائه، ليجمع فيه تحفاً تراثية، لا يقل عمر الواحدة فيها عن 80 عاماً، وبعضها يصل إلى 400 عاماً، حرص محمد على جمعها والاحتفاظ بها منذ أن كان عمره 13 عاماً.
مراسل الأناضول زار المكان،الأشبه بالمتحف، واطلع على ما يحتويه من قطع نادرة الوجود، وتمثل جوانب معيشية مختلفة، وتروي تفاصيل الماضي، وتفرض على من يناظرها إحداث مقارنة بين ما كان، وما أصبحت عليه الحياة في حاضرها.
وقال الردايدة للأناضول: “لم أكمل دراستي، ووصلت فقط مرحلة الإعدادية المدرسية، وأنا ابن منطقة يشتهر أبناؤها بحبهم في الحفاظ على التراث”.
وتابع “لذلك لم تكن هوايتي عابرةً، وبدأت منذ أن كان عمري 13 عاماً بجمع كل شيء قديم، ووالدي رحمه الله كان يشجعني على ذلك”.
وتابع “استمرّ ذلك لمدة 12 عاماً، فكنت خلال تلك المدة أقوم بشراء أي قطعة قديمة وتراثية، وبعضها الآخر كنت أحصل عليها بالمجان واحتفظ بها، إلى أن أصبح عمري 25 عاما”.
ومضى “بعد ذلك، توجهت للعمل في قطاع التجارة لمدة 10 أعوام، ولكن كنت أشعر أن في داخلي شيئاً ما يحركني تجاه القطع القديمة والتراثية من مختلف جوانب الحياة”.
وأردف “ثم عدت مرة أخرى لجمعها مجدداً، حتى قررت أن أفتتح معرضاً خاصاً بما لدي قبل عام واحد، بالتعاون مع أحد أصدقائي، وكانت البداية بألف قطعة كنت أحتفظ بها وجمعتها منذ الطفولة”.
وزاد “الآن كما ترى، هناك عشرات الآلاف من القطع، والتي حصلت عليها من بيوت قديمة وتجار وهواة”.
وأوضح “طبيعة القطع أنتيكات، وأقل قطعة داخل المكان لا يقل عمرها عن 80 عاماً”.
ولفت ” القطع هي مناظر، ومنها أدوات زراعية، وأواني، وحلي وزينة، وساعات، وجرات قديمة، وسجاد، وآلات موسيقية قديمة جداً، وراديوهات، ودلال قهوة، وفضيات، وأزياء نسائية ورجالية قديمة، وحجار كريمة، وغير ذلك”.
وأكد “بعض القطع نادرة الوجود.،منها ما يعود إلى العهد العثماني والصفوي والآشوري، مثل ساعات وخناجر ومسابح”.
لا يقوى زائر المكان أن يسيطر على نظراته داخل المكان، فكل ما فيه لافت ووراء كل قطعة قصة تروي تاريخاً، فمن داخل أحد الخزائن، أخرج الردايدة عقداً جميلاً من الفضة يعود إلى العهد العثماني، على حد قوله.
وبين “أنا لم افتتح هذا المحل للتجارة، وإنما لأتمم شغفي وحبي بهذه الهواية، ولكن هناك من بقصدني بغرض الشراء، وأبيع من القطع ما هو مكرر ومحتمل وجوده في أماكن، أما النادر فهو للعرض فقط”.
وشدد “المقصود بالنادر بأنها قطعة لا تتكرر، ووجودها فريد، مثل الفازة الصفوية والتي تعود للعهد الصفوي ويزيد عمرها على 400 عام”.
لم يقتصر الردايدة في هوايته على التحف والتراث الشرقي، بل استطاع أن يجمع الغربي معها في ذات المكان، ليتيح من خلال أسلوب العرض وتنسيقها المتقن، فرصةً لزائر المكان أن يقارن بين هذا وذاك.
وزاد “أنا لا أدّعي بأنني ذهبت إلى البلدان الغربية وأحضرت تراثهم وتحفهم، بل هي جميعها بالإضافة إلى الشرقي موجودة بالأردن، وقد أحضرها أصحابها من دول مختلفة في قديم الزمان، إما للاستخدام الشخصي في ذلك الوقت، وإما للذكرى”.
أما عن زوار المكان، فقد أشار بأنهم “هواة لمثل هذه المقتنيات، وبعضهم الآخر ممن يبحث عن إضفاء طابع تراثي خاص في مكان عمله أو سكنه”.
وفيما يتعلق بأسعار القطع القابلة للبيع وليس النادرة، اعتبر محمد بأنها “تعتمد على قدم القطعة وصلاحيتها، ولكنها في مجملها بمتناول أيدي الجميع، وخاصة لمن يقدرون هذه التحف”.
وختم الردايدة حديثه بالتأكيد، على أنه لم يجتهد أو يعطي نفسه صفة “الخبير” للحكم على تلك القطع، على حد قوله، بل استند إلى ذوي الخبرة من كبار السن ومن أسماهم “شيوخ الكار” (المجال) والباحثين والأكاديميين لمساعدته في تحديد عمر كل قطعة وأهميتها التاريخية.
الاناضول