تسريب أسماء معارضين لبكين.. الأمم المتحدة في قفص الاتهام

تسريب أسماء معارضين لبكين.. الأمم المتحدة في قفص الاتهام

فيما تستمر أصداء الادعاءات المتعلقة بتسريب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أسماء ناشطين ومعارضين إلى الحكومة الصينية، توصلت الأناضول إلى معلومات تشير أن الأمر ما زال متواصلا وبشكل متكرر منذ مدة طويلة.

وحصلت الأناضول على نسخ مراسلات بريد إلكتروني بين موظفي المفوضية، كما أجرت مقابلات مع شخصيات معنية، تتحدث جميعها عن تزويد المفوضية الحكومة الصينية – وبشكل متواصل – بأسماء معارضين لبكين وفي مقدمتهم نشطاء من أقلية الأويغور، رغم ادعاءات الأمم المتحدة عكس ذلك.

وتظهر المعلومات أن مكتب المفوضية، زوّد الصين مرارا في الماضي، بأسماء المعارضين والنشطاء المشاركين في فعاليات كالندوات والمؤتمرات والجلسات الخاصة، وأن هذا الإجراء لا يزال متواصلا في الوقت الراهن، رغم عدم إقرار الأمم المتحدة بذلك.

وترى بعض المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان وبينها “هيومن رايتس ووتش” و”يو إن واتش”، أن هذا الإجراء المتبع من قبل الأمم المتحدة، من شأنه تعريض حياة أسر وذوي المعارضين والنشطاء الصينيين للخطر أيضا.

** موظفة أممية تكشف تسريب أسماء معارضين للصين

وأثارت الادعاءات بهذا الخصوص، جدلا واسعا عقب منشورات المحامية الناشطة في مجال حقوق الإنسان، إيما رايلي، الموظفة بالمفوضية الأممية، نشرتها عبر حسابها على “تويتر”.

وقالت رايلي للأناضول، إنه يتم تزويد الحكومة الصينية بأسماء المعارضين ولاسيما الأويغور المشاركين في فعاليات مجلس حقوق الانسان، وأشارت أن الأمم المتحدة فتحت تحقيقا بحقها لإفشائها هذا الأمر وخططت لفصلها من العمل نهائيا.

ولفتت إلى أنها بدأت العمل في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة عام 2012، وأنه تم كف يدها عن العمل عقب قيامها بالإبلاغ عن المراسلات بين دبلوماسيين صينيين وموظفي مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.

** رسائل بريدية حصلت عليها الأناضول تؤكد ادعاءات “التسريب”

وتظهر مراسلات البريد الإلكتروني التي أطلعت رايلي مراسل الأناضول عليها، أن الأمم المتحدة زودت بعثة الصين بـ”أسماء المعارضين” بشكل متكرر.

ففي رسالة بتاريخ 7 سبتمبر/أيلول 2012، يطلب دبلوماسي من البعثة الصينية لدى الأمم المتحدة، من موظف الاتصال المعني بالمنظمات المدنية في المفوضية، تزويده بمعلومات “كما جرت العادة” فيما إذا كان هناك مشاركون من بين قائمة الأسماء التي أرسلها، في أعمال الجلسة الـ21 لمجلس حقوق الانسان.

بدوره، يرد الموظف الأممي على رسالة الدبلوماسي الصيني بالقول إن: “دولكون عيسى، وهي غنغ، من بين الشخصيات المشاركة”.

وفي رسالة أخرى للدبلوماسي الصيني عام 2013، طلب مجددا تزويده بأسماء المشاركين في الجلسة المقبلة، قائلا: “لقد جرى تعاون جيد للغاية بين البعثة الصينية وقسمكم خلال الجلسات الماضية”.

وبينما استمرت المراسلات، تلقى الموظفون المتعاونون مع بعثة بكين دعوة للمشاركة في مـأدبة غداء، من قبل المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة.

وفي معرض رده على رايلي، قال روبرت كولفيل، المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في 14 يناير/كانون الثاني الجاري، إن مزاعمها تتعلق بـ”ممارسة سابقة” جرت بشكل “محدود” قبل 2015، نافيا حدوث ذلك الآن.

وشدد على أنه “على مدى السنوات الخمس الماضية، لم تؤكد المفوضية أسماء الناشطين المعتمدين لحضور جلسات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لأي دولة”.

وبالرغم من هذا النفي فإن محتويات رسائل البريد الإلكتروني تظهر أن الصين بوسعها الوصول إلى المعلومات التي ترغب في الحصول عليها، دون صعوبات.

وفي ذات السياق، يظهر بيان صحفي صادر عن المفوضية عام 2017، أن البعثة الصينية تطلب باستمرار التأكد من قوائم أسماء (المشاركين في الفعاليات)، وأن المفوضية مستمرة في مشاطرة الأسماء في حال تحقق “الشروط اللازمة”.

وقالت المفوضية في بيانها بتاريخ 2 فبراير/شباط 2017: “مسؤولون صينيون وغيرهم يسألون مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فيما إذا كان أعضاء بعض المنظمات المدنية سيشاركون في جلسات مجلس حقوق الإنسان أم لا، قبل أيام أو أسابيع”.

وأضاف بيان المفوضية: “والمكتب بدوره لا يؤكد تلك المعلومات لحين استكمال إجراءات الاعتماد الرسمية (بخصوص المشاركين) والتأكد من عدم وجود تهديد أمني صريح”.

** “الأمم المتحدة تواصل تزويد الصين بأسماء المعارضين”

وفي تصريحات للأناضول، أكدت رايلي، أن الأمم المتحدة لا تزال تزود الصين بأسماء المعارضين.

وأضافت: “حاليا لا أقوم بعمل ما، والأمم المتحدة تواصل دفع راتبي، لكن ليس لدي مسمى وظيفي، فلا يجرؤون على طردي من الوظيفة لأنهم يعلمون أني أقول الحقيقة، ولكنهم في نفس الوقت لا يكلفونني بأي عمل”.

وأوضحت أنها علمت بقيام مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بتسريب أسماء المعارضين والنشطاء إلى دبلوماسيين صينيين، لأول مرة، في فبراير 2013.

وأفادت بأنها سارعت لإعداد تقرير حول الموضوع دون تضييع وقت، وأبلغت مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ذلك الوقت، والاتحاد الأوروبي بالأمر.

وقالت إن موظفا في المفوضية قدّم “معلومات كاذبة” للاتحاد الأوروبي، وأن الاتحاد لم يتابع الموضوع.

كما لفتت إلى أنها أبلغت دولا مثل الولايات المتحدة وألمانيا وأيرلندا، موضحةً أن العديد من تلك الدول قالت لها إن “الأمم المتحدة تكذب علينا”.

وأكدت أنها بدورها أطلعتهم على المراسلات البريدية (بين المفوضية والصين) وكشفت لهم عن الأسماء التي تم تزويد بكين بها.

وذكرت أنها توصلت إلى معلومات تفيد بتزويد الصين بأسماء ما بين 50 إلى 70 معارضا من قبل الأمم المتحدة، وأن نحو 8-9 منهم يحملون الجنسية الأمريكية و5-6 يحملون الجنسية الألمانية، حيث أبلغت كلا البلدين (الولايات المتحدة وألمانيا) بالإجراء المتبع من قبل المفوضية (تسريب الأسماء).

وأشارت إلى أن هذا الإجراء يعني قيام المفوضية بتزويد الصين بأسماء مواطني دول أخرى في الوقت ذاته، ويمثل قضية دبلوماسية كبيرة.

وأعلنت وجود قضية بينها وبين الأمم المتحدة مرفوعة لدى محكمة المنظمة للمنازعات، حيث أن مسؤول الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (لم تذكر اسمه) “لا يزال يواصل الكذب” خلال الجلسات.

وقالت إن تصريح كولفيل، المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، حول انتهاء هذا الإجراء منذ 2015، “لا يعكس الحقيقة”.

وأردفت: “الأمم المتحدة، أفادت باستمرار هذه الممارسة، في بيان صحفي صادر عام 2017، وفي جلسة محكمة عام 2019”.

وتساءلت: “إذا كان هذا الإجراء قد انتهى بالفعل في 2015، لماذا اعترفوا بأنه ما زال مستمرا في بيان صحفي عام 2017 وفي المحكمة عام 2019؟”.

وأكدت رايلي مستنكرةً، أنه ليس من حق مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تزويد الحكومة الصينية بأسماء نشطاء معارضين لسياستها.

واستطردت: “وفقا لتعليمات مجلس حقوق الإنسان، إذا أرادت أي دولة معرفة من حضر في الاجتماعات، فيجب عليها الحصول على موافقة من الدول الأعضاء في إدارة المجلس، والصين انتهكت هذه التعليمات”.

وتابعت: “حياة أولئك الذين أُعطيت أسماؤهم للصين في خطر، وبدوري كموظفة في مجال حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، كان من واجبي تسليط الضوء على هذا الموضوع”.

وذكرت أن اسم رئيس مؤتمر الأويغور العالمي دولكون عيسى، الذي شارك في فعاليات مجلس حقوق الإنسان خلال الأعوام 2016-2019، تم إعطاؤه للصين أيضا.

ولفتت أن عيسى قدم شهادة لصالحها خلال جلسات المحكمة في قضيتها مع الأمم المتحدة، وأنه تعرض للتوقيف مرات عديدة في أوروبا بضغط صيني.

وأفادت بأن السلطات الصينية اعتقلت شقيق عيسى في الصين، وطلبت منه عدم الدفاع عن حقوق الأويغور، مضيفة أنه نتيجة لذلك تم منع عيسى من دخول الأمم المتحدة لعدة مرات.

** معظم النشطاء من أتراك الأويغور

وقالت رايلي، إنه “لأسباب أمنية لا تستطيع الصين نشر أسماء النشطاء الذين انتقمت منهم”، لافتة إلى أن معظمهم من الأتراك الأويغور.

وأشارت إلى أن الحكومة الصينية أرهبت أسر النشطاء والمعارضين من الأويغور والتبت وهونغ كونغ، حيث تم نشر تقارير حول الاعتقالات.

وأكدت أن هناك أدلة واضحة على أن “عوائل الناشطين والمعارضين الذين سُلمت أسماؤهم إلى الصين من الأمم المتحدة، تم احتجازهم في معسكرات اعتقال وتعرضوا للعنف الجنسي وأجبروا على العمل القسري”.

وشددت على أن تزويد الصين بأسماء الناشطين والمعارضين لسياساتها، هو بمثابة جعل أسرهم “هدفا” للحكومة الصينية و”إشتراكا في جرمها”.

وذكرت المحامية أنها ربحت القضية المرفوعة ضدها في الجلسة الأولى لمحكمة الأمم المتحدة، موضحةً أن القاضي حكم بأن ممارسات المفوضية السامية لحقوق الإنسان كانت “غير قانونية”.

واستدركت: “الأمم المتحدة لم تقبل قرار القاضي، وضغطت عليه لكي يصرف النظر عن القضية”.

وأفادت بأن القضية المرفوعة ضدها ما زالت مستمرة، ولا يمكنها الحصول على حقوقها القانونية إلا في محكمة الأمم المتحدة لأنها من موظفيها.

** “الأمم المتحدة شريكة في الجرائم الدولية”

وحول السبب الذي دفعها لإبلاغ الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عن تلك الممارسات، عللت رايلي ذلك بأن “الأمم المتحدة تشارك في الجرائم الدولية، وهو عكس ما ينبغي عليها فعله”.

من جانب آخر، أكد رئيس مؤتمر الأويغور العالمي دولكون عيسى، للأناضول، أن الشرطة حاولت إخراجه والناشطة الأويغورية ربيعة قادر وغيرهم من الأويغوريين، عندما أرادوا الدخول لحضور اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 2013، وكان ذلك بضغط صيني.

** الصين طردتنا بالقوة من الأمم المتحدة في 2017

وأردف عيسى: “الصين تستخدم كل وسائلها لعرقلتنا، حتى أنهم طردونا بالقوة من الأمم المتحدة من قبل شرطة نيويورك في 2017”.

وذكر أن الصين اتهمته بـ”الإرهاب” وحاولت الضغط لمنعه من الدخول (إلى مقر الأمم المتحدة) في 2018.

وأشار الناشط الأويغوري أيضا إلى توقيفه في 2017 قبل اجتماع في إيطاليا “تحت ضغط صيني”.

** انقطاع التواصل مع العائلة

وحول عائلته، قال عيسى إن والدته توفيت في 2018 في المعسكر، كما علم بوفاة والده من الصحافة.

وأضاف: “أخي الأصغر مفقود منذ 2016، فيما اعتقلوا أخي الأكبر وحُكم عليه بالسجن”، مشيرا إلى أنه فقد الاتصال بأسرته بأكملها.

ومنذ عام 1949 تسيطر الصين على إقليم تركستان الشرقية، وهو موطن أقلية الأويغور التركية المسلمة البالغ عددها 23 مليون نسمة، وتطلق على الإقليم اسم “شينجيانغ”، أي “الحدود الجديدة”.

وسبق أن ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية، في تقريرها السنوي لحقوق الإنسان 2019، أن الصين تحتجز المسلمين بمراكز اعتقال لمحو هويتهم الدينية والعرقية، وتجبرهم على العمل بالسخرة.

غير أن الصين عادة ما تقول إن المراكز التي يصفها المجتمع الدولي بـ”معسكرات اعتقال”، إنما هي “مراكز تدريب مهني” وترمي إلى “تطهير عقول المحتجزين فيها من الأفكار المتطرفة”.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: