“تضييق” الأوقاف على المؤسسات الدينية “مخطط ممنهج” أم تصويب أوضاع؟

“تضييق” الأوقاف على المؤسسات الدينية “مخطط ممنهج” أم تصويب أوضاع؟

عمان – البوصلة

لم تكن وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في مرمى غضب الأردنيين وسهام الاتهامات بالصد عن سبيل الله كما هي اليوم، لا سيما بعد الكتاب الذي تداوله الأردنيون بمواقع التواصل الاجتماعي ويطالب فيه الوزير مراكز تحفيظ القرآن بوقف دورات العلوم الشرعية إلا بعد أخذ الإذن والإجازة من الوزارة، الأمر الذي ترافق بحملة غضبٍ عارمة على الوزارة وسياساتها في ظل فتح جميع القطاعات بما فيها “البارات والخمارات وصالات الديسكو”.

وما أسهم بزيادة الغضب وحدته في أوساط الأردنيين ترافق هذا الكتاب بتعليمات أصدرتها الحكومة حول فتح “البارات والخمّارات وصالات الديسكو”، ومن قبلها قانونٌ حكومي أقره مجلس النواب للتسامح مع تعاطي وترويج المخدرات والاتجار بها للمرة الأولى، الأمر الذي عده مراقبون ضوءًا أخضر من الحكومة لمزيد من الحريات المنفلتة بعيدًا عن الدين.

وفي ظل هذا الاحتقان المتزايد تجاه وزارة الأوقاف ووزيرها أصدر مئاتٌ من العلماء والدعاة والمفكرين والشخصيات الوطنية بيانًا لوزير الأوقاف يقدمون فيه النصح بأن  تكون وزارة الأوقاف الوجه المشرق الحامي والحافظ والراعي لرسالة الإسلام، لا أن تكون – لا سمح الله – سببًا من أسباب الصد عن دين الله، ومحاربة أولياء الله، وتعطيل دور ومراكز القرآن وبيوت الله.

فيما شارك رئيس جمعية المحافظة على القرآن الكريم محمد المجالي، عبر حسابه على موقع فيسبوك، عبارة قال فيها “حين “نُشرِّع” الرذيلة و ‏‏“نُضيِّق” على الفضيلة ، فنحن أمة ذليلة‎”.‎

قانون الدفاع ذريعة للتضييق

بدورها، انتقدت النائب السابق الدكتورة هدى العتوم في تصريحاتٍ إلى “البوصلة” استمرار وزارة الأوقاف باتباع سياسة التضييق على المؤسسات الدينية والمساجد وجمعية المحافظة عل القرآن الكريم تحت مزاعم “إجراءات تنظيمية وتصويب أوضاع”، متهمّة الوزارة باتخاذ جائحة كورونا وأوامر الدفاع كفرصة لاستمرار مسلسل ممنهج للتضييق على جميع المؤسسات الدينية.

وقالت العتوم إن الأصل معاملة الأمور بالمثل فكما أنّ الحكومة فتحت الأسواق والمولات والمسارح والمخامر، فالأصل أن يكون الفتح لجميع القطاعات، معبرة عن أسفها الشديد لفرض الأوقاف وصايتها على دورات العلوم الشرعية في جمعية المحافظة، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن فعاليات المؤسسات الدينية والدور العظيم الذي تقدمه للمجتمع الأردني من وعي وعلم وثقافة وتماسك هي آخر ما تفكر به الحكومة.

واتهمت الحكومة بفرض “معاملة تمييزية” غير عادلة تجاه المؤسسات الدينية والجرأة على إغلاقها وتعطيلها، والدليل على ذلك بأن الإجراءات على الأرض استهدفت منذ البداية المساجد بذريعة الجائحة منذ البداية، لكن اليوم يتم تجاهل إعادة الأمور إلى نصابها في المساجد والمراكز القرآنية رغم فتح كل القطاعات.

إقرأ أيضًا: “العلوم الشرعية” و”النوادي الليلية” تفجر غضب الأردنيين بوجه وزير الأوقاف (ترند)

مخطط ممنهج

وحمّلت العتوم وزارة الأوقاف المسؤولية بضرورة الدفاع عن مؤسساتها الدينية الوطنية التي تؤدي دورًا رياديًا وهامًا جدًا في الدولة، بدلاً من الاستمرار في التضييق والمنع.

وتساءلت: مزاعم الأوقاف بالمسائل التنظيمية والتصويبية التي تتحدث عنها متى وجدت؟ وهل المسائل التنظيمية لم يكن لها وقت من وجهة نظرهم خلال فترة الإغلاق كلها الإ اليوم، وهل الآن ظهرت الحاجة الملحة لتصويب الأوضاع أم أن جائحة كورونا كانت فرصة للوزارة لزيادة التضييق على جمعية المحافظة على القرآن الكريم، والمؤسسات الدينية في الأردن.

وتابعت حديثها بالقول: “أرى أن التضييق بدأ مع جائحة كورونا كمقدمة والقضية هي الاستمرار في مخططهم للتضييق على المؤسسات الدينية، فقط ولا أرى إلا هذا المبرر”.

وعلى الرغم من أنها ترى أن الاشتراطات الصحية يجب أن تكون موجودة دائما في ظل الجائحة لحماية المجتمع من انتشار الوباء، لكن العتوم ترى أن هذه الاشتراطات والضوابط يجب أن تكون منطقية ومتوازنة في طرحها بجميع المؤسسات وليس بمؤسسات بعينها.

وأكدت العتوم أن الاشتراطات التي يضعوها على المساجد ومراكز تحفيظ القرآن يجب في الأصل أنها لا تمنع شيئًا قبل أن توجد البديل له، متسائلة في الوقت ذاته: “عندما نتحدث عن مراكز تحفيظ قرآن ثم لا نجد هناك مؤسسات أو واجهات تعتني بالبعد القيمي والديني مثل ما تعتني به المساجد ومراكز تحفيظ القرآن الكريم إلى أين يتوجه النشأ؟.

وقالت العتوم في تصريحاتها إلى “البوصلة”: إن أول ما تم الاجتثاث للبعد الديني من الكتب والمناهج المدرسية، محذرة من أننا “حاليا نترقب ونرصد هجمات جديدة ومراحل جديدة سيكون فيها نظرات للمناهج وتغييرات جذرية”، على حد تعبيرها.

الكيل بمكيالين ضد المؤسسات الدينية

ووجهت نقدًا حادًا للحكومة في أنها غير متوازنة في قراراتها، قائلة: “إن كانت الحكومة تذهب لفتح كل القطاعات والمجالات وإعطاء الحرية لكل الأشخاص، أعطني أيضًا حريتي في المؤسسة الدينية، وهي مؤسسات مرخصة ورسمية ولي حريتي لأذهب إليها وأتلقى مختلف علوم القرآن والحديث وغيرها، كما أنت منحت الحرية لفلان ليذهب إلى الخمّارة والديسكو”.

وأضافت العتوم: “نحن نتحدث عن حكومة تكيل بمكيالين، وخاصة ضد المؤسسة الدينية، منذ بدأت بمنع صلاة الجمع ومنع الصلوات في المساجد، ومن ثم فتح الأسواق والبنوك التي يقف أمامها المئات، ولم يكن هناك اشتراطات صحية، فيما بقيت الاشتراطات الصحية على المساجد وهو المكان النظيف المدقق فيه المراقب عليه، والمكان الذي ينتظم فيه الناس، ومن يذهب إليه يكون عنده مستوى عالٍ من الجدية في المحافظة على الاشتراطات الصحية وهناك من يقوم على مراقبة ذلك”.

وعبرت عن أسفها من أن الحكومة آخر ما يعنيها هو فتح القطاعات المتعلقة بالمؤسسة الدينية، فيما تجد أوامر دفاع سريعة لفتح “النوادي الليلية والخمّارات وصالات الديسكو”.

كما اتهمت الحكومة بأبعد من ذلك في منحها الحق بالحرية المنفلتة البعيدة عن الدين، عبر وضع قانون معدل للمخدرات صادق عليه مجلس النواب، “لمجرد أن تقول للمتعاطي والمتاجر بالمخدرات بأن ليس عليه قيدًا وتمنحه عدم محكومية لتوظيفه، وبالتالي مع الاحترام الشديد تقول لكل شخص خذ راحتك وجرب لأول مرة”.

وتابعت النائب حديثها بالقول: “السؤال الوجيه: إذا كان هناك فتح حكومي للحرية المنفلتة البعيدة عن الدين، لماذا لا يكون هناك مجال للعناية بأخطر شيء في الدولة ويدعو لتماسكها وهو وجود الدين بين الناس”.

وأضافت “عندما نربي في الإنسان العقيدة نربي فيها الرقابة الذاتية، لكن عندما نلجأ فقط للقوانين، ونحن نعلم أنها مع الاحترام الشديد لن تشكل أي نوع من أنواع الضوابط لأننا ببساطة أفضل دولة بالقوانين وأفضل دولة بمخالفتها”.

رسالة للأوقاف ووزيرها

وقالت النائب هدى العتوم إن الأصل أن يكون تركيزنا على أن يكون وزير الأوقاف يمثل الأوقاف ويحمل رسالتها، وليس مجرد موظف ينفذ ما تمليه عليه الحكومة.

وتساءلت العتوم: ما نراه اليوم في المسجد الأقصى من انتهاكات فيما الأصل أن تكون وزارة الأوقاف أول منافح ومدافع عنه، ولكن نجد لديها تقريرًا يوميًا لرصد كل الحركات في الأقصى وما يحدث داخله، فما الذي نستفيده من رصد الوزارة؟.

وأضافت بالقول: ما دور وزارة الأوقاف على صعيد المساجد والأوقاف الإسلامية وعلى على صعيد الوعي الديني، وعلى صعيد خطبة الجمعة التي يجب أن نراها بنموذج مختلف، فيما لا نرى الوزارة تضطلع بشيء من الواجبات الحقيقية التي من الأصلح لها أن تقوم بها.

وشددت العتوم على “أننا نريد أن نرى وزير أوقاف يمثل البعد الديني لدين هذه الدولة ويمثل دستورها، وليس وظيفة لتمرير ما تمليه عليه الحكومة”، مؤكدة  على ضرورة أن يوظف صاحب منصب وزير الأوقاف علمه الشرعي وبكل قدراته للمنافحة والمدافعة عن المؤسسات الدينية وتحقيق رفعتها.

وختمت حديثها بتوجيه رسالة لوزارة الأوقاف والعاملين فيها بضرورة الحفاظ على جمعية المحافظة على القرآن الكريم، والسعي للارتقاء بها ودعمها وتيسير السبل لفتح مراكزها وزيادتها وتشجيع العاملين فيها، وليس ممارسة دور التضييق والوصاية عليها.

بيان 600 لوزير الأوقاف

وطالب مئات العلماء والدعاة والمفكرين والمواطنين وزير الأوقاف في بيان صادرٍ عنهم وصل “البوصلة” نسخة منه، بإعادة النظر في الإجراءات الأخيرة التي تقوم بها الوزارة تجاه الجمعيات والمؤسسات العاملة في نشر العلم والدعوة وتعلٌم القرآن، تلك المؤسسات والجمعيات التي تركت بصماتها الإيجابية، ومكنت للتدين الواعي والوسطٌية في أرجاء الوطن خلال أكثر من ربع قرن، فالمطلوب مكافأتها وتقدير العاملين عليها، لا التضييق عليها وخنق رسالتها بحجة قانون جديد وليد.

كما طالبوا في البيان الذي أسموه “بيان نصح” لوزير الأوقاف بأن تكون وزارة الأوقاف الوجه المشرق الحامي والحافظ والراعي لرسالة الإسلام، لا أن تكون – لا سمح الله – سببًا من أسباب الصد عن دين الله، ومحاربة أولياء الله، وتعطيل دور ومراكز القرآن وبيوت الله.

وقال الموقعون في بيانهم إن “المواقع والمناصب لا تدوم، فإما أن تكون قراراتنا وإجراءاتنا سنة حسنة في موازين أعمالنا، وإما أن يطاردنا شؤمها في الدنيا والآخرة”.

وطالب الموقعون وزير الأوقاف بإعادة النظر في مسألة التباعد في المساجد وإغلاقها ومنع القراءة بالمصاحف، وإعادة النظر في مسألة الخطبة الموحدة، وإعادة النظر في مسألة الخطباء المفصولين، وإعادة النظر في الإجراءات الأخيرة التي تقوم بها الوزارة تجاه الجمعيات العاملة في نشر العلم والدعوة وتعليم القرآن.

الأوقاف تنفي

من جهتها نفت وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية ما تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي من إشاعات حول عدم السماح بعقد دورات للعلوم الشرعية بشكل وجاهي في المراكز والجمعيات الاسلامية، وعدم صدور بلاغ رقم 45 الذي تحدث عن قيام وزارة الأوقاف بالتوقف عن دورات العلوم الشرعية التي تقيمها جمعية المحافظة على القرآن الكريم”، وآخر بلاغ صدر عن دولة رئيس الوزراء هو رقم 44.

وقال الناطق الإعلامي باسم وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية حسام الحياري، أن الوزارة وبالتزامن مع إعادة فتح القطاعات، أكدت على الجمعيات والمراكز الإسلامية التي لم تصوب أوضاعها، بضرورة التصويب حسب نظام المراكز الإسلامية لتتمكن من ممارسة أنشطتها، علما أن النظام صادر منذ مطلع العام وليس وليد اللحظة وهناك كثير من المراكز والجمعيات التي صوبت أوضاعها، ولا يوجد أي تعقيدات بل تتم أمور التصويب وفقا للتعليمات الصادرة.

كما أكد الحياري أن وزارة الأوقاف لم تكن في يوم من الأيام إلا راعيا للمراكز الاسلامية حيث لديها مئات المراكز الثقافية الاسلامية ولديها نحو 2000مركز قرآني بشكل دائما في جميع مناطق المملكة ينفق عليها من وزارة الأوقاف وتقدم خدماتها بالمجان للطلبة، إضافة إلى تنظيم نحو 2200مركز صيفي لتلاوة وتحفيظ القرآن الكريم سنويا خلال العطلة الصيفية وتقدم خدماتها مجانيا، فضلا عن تنظيم المسابقات المحلية والدولية لحفظ القرآن الكريم حيث حصدت الوزارة خلال السنوات الماضية جوائز عالمية من خلال مشاركة طلبتها في المسابقات العربية والدولية.

وبين الحياري أن الوزارة وبموجب القوانين والتشريعات التي جعلت الجمعيات الاسلامية تحت مظلتها حرصت على دعم وتسهيل عمل الجمعيات الاسلامية للذكور والاناث لحفظ القرآن الكريم وعقد الدورات في العلوم الشرعية، الا أنه وبسبب وجود ثقافة لدى قلة قليلة من القائمين على هذه الجمعيات والمراكز يرفضون بشكل غير مباشر العلم تحت مظلة القانون وهو ما يستوجب تطبيق القوانين عليهم.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: