تعديلات تفرضها “كورونا” على برنامج “النقد الدولي” مع الأردن

تعديلات تفرضها “كورونا” على برنامج “النقد الدولي” مع الأردن

أكد رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للاردن علي عباس أن البرنامج الذي تنفذه المملكة “تسهيل الصندوق الممدد” (EFF) تم التفاوض عليه قبل أزمة كوفيد19، مشيرا الى أنه يتطلب تعديلات عليه في ضوء تحديات جائحة كورونا، اذ ان البعثة يتوقع أن تبدأ في أواخر الشهر المقبل لإجراء مراجعة الأداء الأولى، ومن المفترض أن تكون عبر تقنية الاتصال المرئي.


وأضاف عباس في أول مقابلة بعد تسلمه مهامه رئيسا لبعثة الاردن خلفا لزميله خص بها “الغد”، ان جوهر البرنامج حتى بعد التعديلات يتضمن الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، ورفع كفاءة المالية العامة، ودعم الإصلاحات الهيكلية لتعزيز النمو الاحتوائي.
وحول برامج المركزي الاردني ، قال ” لقد بادر البنك المركزي الأردني بتنفيذ حزمة تنشيطية لضخ السيولة الكافية في البنوك، وضمان عمل الأسواق المالية دون انقطاع، ودعم الائتمان، بما في ذلك للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعد الأكثر تعرضا لتأثير الهبوط الاقتصادي”.
وحول منهجية التي اعتمدتها وزارة المالية فيما يتعلق باحتساب الدين العام وطرح مديونية الضمان أوضح “أن المنهجية الجديدة تسعى في الأساس إلى توسيع نطاق الدين الأردني لكي يشمل “الحكومة العامة” بدلا من الاقتصار على “الحكومة المركزية”، ذلك أن “الحكومة العامة” يُنظَر إليها باعتبارها المعيار الإحصائي الدولي، لافتا الى أن خطاب الموازنة العامة تضمن تلك الالية.
وتابع حديثه في هذا السياق قائلا ان ذلك يأتي” لإعداد التقارير الإحصائية يتم تطبيقه باتساق عبر البلدان، مما يسهِّل عقد المقارنات الدولية …. ولا يطرأ أي تغيير على الالتزام التعاقدي للحكومة المركزية الأردنية تجاه المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لمجرد اندماج الحكومة المركزية والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي داخل الحكومة العامة للأغراض الإحصائية. كذلك فقد أبدت الحكومة الأردنية التزامها بتوفير الحماية القانونية والاقتصادية لأموال المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، وهذا النظام الجديد لإعداد التقارير لا يؤثر بأي حال في هذا الالتزام”.
وعن تداعيات جائحة كورنا بين عباس أن الأردن، مثل بلدان كثيرة أخرى، يتأثر بشدة جراء الجائحة. فالتباطؤ الشديد في حركة السياحة، وانخفاض تحويلات العاملين في الخارج بسبب عودة المواطنين المغتربين، وانخفاض الصادرات، وضعف الأنشطة المحلية، كلها تلقي عبئا ثقيلا على الوظائف والدخول. وإزاء هذه التطورات، اتخذت السلطات إجراءات على المستوى النقدي وعلى مستوى المالية العامة، بهدف التخفيف على العمالة والعبء عن كاهل الفقراء. ولكن، رغم هذا التخفيف، فإنها لن تمنع حدوث ركود هذا العام. وكما تعلم، يقدِّر البنك المركزي الأردني حجم الانكماش الاقتصادي بنحو 3,5 %. ولم يتبين بعد حجم التأثير الكامل للأزمة، وذلك لأسباب منها أن ديناميكية الجائحة ذاتها لا تزال محاطة بعدم اليقين. وفيما يلي نص المقابلة كاملا:

في ضوء جائحة كورونا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي والأردني، وبصفتكم الرئيس الجديد للبعثة، ما أبرز التعديلات التي تناقشونها مع السلطات الأردنية، ولا سيما أن البرنامج الذي ينفذه الصندوق بدأ قبل تفشي هذه الجائحة؟
البرنامج الذي يدعمه “تسهيل الصندوق الممدد” (EFF) تم التفاوض عليه قبل أزمة كوفيد19 ووافق عليه المجلس التنفيذي للصندوق في أواخر (مارس) آذار، حين كانت الجائحة في بداية ظهورها ودرجة حدتها غير معروفة. وقد تبين أن تأثير الأزمة في الاقتصاد العالمي حاد للغاية، ولم يَسْلَم الأردن من هذا التأثير. وبالتالي، نتوقع حدوث انكماش في الاقتصاد الأردني هذا العام. وان ترتفع البطالة، وتتفاقم أوضاع المالية العامة. ومن الواضح أن الأمر سيتطلب تعديلات في البرنامج الذي يدعمه الصندوق في ضوء هذه التحديات. ومن المتوقع أن تبدأ بعثتنا في أواخر الشهر المقبل اجراء مراجعة الأداء الأولى التي تعد فرصة لمناقشة التعديلات اللازمة مع السلطات. ومن المبكر أن نحدد حاليا أبرز هذه التعديلات، ولكن لا شك أننا سنناقش برنامج المالية العامة والبرنامج النقدي، وكذلك الإصلاحات في قطاعي الكهرباء والمياه. وجدير بالذكر أن الأهداف متوسطة الأجل للبرنامج المدعوم من الصندوق لا تزال دون تغيير – وهي الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي، ورفع كفاءة المالية العامة، ودعم الإصلاحات الهيكلية لتعزيز النمو الاحتوائي والغني بالوظائف – كما أن السلطات أكدت التزامها التام بجدول أعمال الإصلاح.

هل لك أن تحدثنا عن دور الصندوق في دعم جهود المملكة لمواجهة جائحة كورونا؟
استمر التعاون الوثيق بين السلطات والصندوق منذ الموافقة على “تسهيل الصندوق الممدد”، وطوال فترة الجائحة. ففي (مايو) أيار، وافق مجلسنا التنفيذي على تمويل طارئ للأردن بقيمة 396 مليون دولار أميركي، بهدف توفير دعم الموازنة الضروري لمواجهة أزمة كوفيد19. وجاء ذلك في وقت يشهد تراجعا حادا في الإيرادات من جراء تباطؤ النشاط، وزيادة في الإنفاق لمكافحة الجائحة ودعم الاقتصاد.

أثار المسؤولون في الأردن مسألة تتعلق بآلية احتساب نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي، التي تم تغييرها بالاتفاق مع الصندوق. وبمقتضى الآلية الجديدة، حسم من الدين العام الكلي المبلغ المقترض من صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي وقدره 6,5 مليار دينار أردني (9,18 مليار دولار أميركي)، مما يعني أن نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي هبطت من 101,7 % إلى نحو 80 %. هل لك أن تفسر لنا هذه المنهجية وسبب اعتمادها؟
من المهم أن نتذكر أن هذه المنهجية الجديدة ليست حديثة العهد كثيرا. فقد أشار إليها الدكتور العسعس وزير المالية في خطاب الموازنة في العام الماضي، وورد ذكرها في تقارير خبراء الصندوق عن “تسهيل الصندوق الممدد” في (مارس) آذار و”أداة التمويل السريع” في وقت سابق من هذا العام.
والمنهجية الجديدة تسعى في الأساس إلى توسيع نطاق الدين الأردني لكي يشمل “الحكومة العامة” بدلا من الاقتصار على “الحكومة المركزية”. ذلك أن “الحكومة العامة” يُنظَر إليها باعتبارها المعيار الإحصائي الدولي لإعداد تقارير المالية العامة في الاقتصادات المتقدمة والصاعدة. والواقع أن “الحكومة العامة” هي المفهوم الذي يفضله الصندوق والمنظمات الدولية في إعداد التقارير على المستوى القُطْري، من أجل تقييم مدى استدامة الدين العام. ويرجع ذلك إلى أن وجود معيار دولي من شأنه أن يسهِّل مقارنة الأمور المتشابهة بين الحكومات التي قد يختلف تنظيمها الهيكلي إلى حد كبير.
و”الحكومة العامة” هي أيضا مفهوم يستخدمه الممارسون في الأسواق، بما في ذلك هيئات التصنيف الائتماني، للحديث عن الأردن، وبالتالي فمن منظور ما يعد ذلك داعيا للحكومة الأردنية كي تعمل على اتساق ممارساتها في إعداد التقارير مع الممارسة الدولية الفُضلى وتقارير الهيئات المستقلة.
وينطوي مفهوم “الحكومة العامة” على اعتبار أن الحكومة المركزية، والحكومات دون الوطنية، وصندوق الضمان الاجتماعي، وغير ذلك من الكيانات غير السوقية المملوكة للدولة، كلها تشكل وحدة واحدة. ومن ثم تُدْمَج المعاملات بين فرادى الوحدات التابعة للحكومة العامة (والدمج يشير إلى ترصيد المعاملات بين الكيانات الحكومية داخل الوحدة الموحدة، في حالة “الحكومة العامة”). وفي الأردن، أفضل وصف للمنهجية الجديدة هو “شِبه الحكومة العامة”، أي أنها تغطي كثيرا من الوحدات المهمة في الحكومة العامة، ولكن ليس كلها. فعلى سبيل المثال، تغطي هذه المنهجية الحكومة المركزية والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي (SSC)، وشركة الكهرباء الوطنية (NEPCO)، وسلطة المياه (WAJ). ولكنها لا تغطي الحكومات دون الوطنية وبعض الهيئات ذات الموازنات المستقلة. والعمل جارٍ في هذا المجال، بدعم من المساعدات الفنية التي يقدمها الصندوق، ونأمل أن يتمكن الأردن من الانتقال إلى مفهوم “الحكومة العامة” الكامل في العام القادم. ومع ذلك، فإن إعداد التقارير على أساس “شِبه الحكومة العامة” هو خطوة في الاتجاه الصحيح نحو إحصاءات حكومية أكثر شفافية وشمولا.
ومن المهم تأكيد أن “الحكومة العامة” معيار دولي لإعداد التقارير الإحصائية يتم تطبيقه باتساق عبر البلدان، مما يسهِّل عقد المقارنات الدولية. وليس لذلك تأثير على الالتزامات التعاقدية فيما بين الوحدات التي تتألف منها “الحكومة العامة”. فعلى سبيل المثال، لا يطرأ أي تغيير على الالتزام التعاقدي للحكومة المركزية الأردنية تجاه المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لمجرد اندماج الحكومة المركزية والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي داخل الحكومة العامة للأغراض الإحصائية. كذلك فقد أبدت الحكومة الأردنية التزامها بتوفير الحماية القانونية والاقتصادية لأموال المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، وهذا النظام الجديد لإعداد التقارير لا يؤثر بأي حال في هذا الالتزام. وإن كان للمنهج الجديد أي تأثير، فهو أنه يشجع زيادة الشفافية عن طريق السماح للجمهور العام بالاطلاع المنتظم على الأموال العامة (بما في ذلك أموال المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي) في مكان واحد.

ما توقعاتكم للاقتصاد الأردني، ولا سيما فيما يخص معدل البطالة، الذي يصل إلى نحو 19 %، في ضوء تداعيات جائحة كورونا وعودة بعض العاملين في الخارج من دول الخليج بعد فقدان وظائفهم؟
الأردن، مثل بلدان كثيرة أخرى، تأثر بشدة جراء الجائحة. حيث التباطؤ الشديد في حركة السياحة، وانخفاض تحويلات العاملين في الخارج بسبب عودة المواطنين المغتربين، وانخفاض الصادرات، وضعف الأنشطة المحلية، وكلها يلقي عبئا ثقيلا على الوظائف والدخول. وإزاء هذه التطورات، اتخذت السلطات إجراءات على المستوى النقدي وعلى مستوى المالية العامة، بما في ذلك توفير السيولة للبنوك والائتمان للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وزيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية، وتقديم حوافز ضريبية لقطاع السياحة. وستخفف هذه الإجراءات الأثر الواقع على العمالة والعبء عن كاهل الفقراء. ولكن، رغم هذا التخفيف، فإنها لن تمنع حدوث ركود هذا العام. وكما تعلم، يقدِّر البنك المركزي الأردني حجم الانكماش الاقتصادي بنحو 3,5 %. ولم يتبين بعد حجم التأثير الكامل للأزمة، وذلك لأسباب منها أن ديناميكية الجائحة ذاتها لا تزال محاطة بعدم اليقين.

بناءً على السؤال السابق، ما التأثير المتوقع، من وجهة نظر الصندوق، لانخفاض الدخل من السياحة، كما هو الحال في كثير من البلدان، وتراجُع تحويلات العاملين في الخارج؟ وبم تشيرون على السلطات الأردنية في هذا الصدد؟
أحدثت جائحة كوفيد19 اضطرابا حادا في تجارة السلع والخدمات العالمية وتدفقات تحويلات العاملين في الخارج، وهو ما أثر في الأردن أيضا. وعلى وجه التحديد، من المتوقع أن يزداد عجز الحساب الجاري في الأردن إلى أكثر من 6 % من إجمالي الناتج المحلي في عام 2020. وسيقع الضرر الأكبر على إيرادات السياحة التي يُتوقع أن تنكمش بأكثر من النصف. ويُتوقع أيضا أن تهبط تحويلات العاملين في الخارج بنسبة تتجاوز 10 %، مما يزيد من تقلص الدخل المتاح للإنفاق. أما ما نشأ من تدهور في المركز الخارجي للأردن فلن يعوضه جزئيا إلا التحسن المتوقع في الميزان التجاري، لأن انخفاض فاتورة واردات الطاقة وتراجُع الطلب على الواردات الأخرى من المرجح أن يتجاوزا انخفاض الصادرات.
وسنحتاج إلى إرجاء المناقشات عن أي قطاعات محددة لوقت لاحق، أي أثناء البعثة، إلى أن نحصل على مزيد من التفاصيل بشأن الاقتصاد. وبوجه عام، تشير التوقعات إلى أنه، ما لم تظهر موجة ثانية من جائحة كوفيد19، فسوف يتعافى الاقتصاد العالمي والسياحة الدولية في عام 2021، مما يعيد المركز الخارجي للأردن إلى اتجاهه العام الإيجابي السابق على الأزمة. ويرتكز هذا الاتجاه بصورة مهمة على الضبط المالي والإصلاحات الهيكلية الطموحة في برنامج الحكومة الاقتصادي، الذي يدعمه الصندوق بتمويل قدره 1,3 مليار دولار أمريكي من خلال “تسهيل الصندوق الممدد”.
اتخذت وزارة المالية عدة إجراءات لمكافحة التهرب الضريبي. فهل ترى أن إجراءات الوزارة كافية وأنها ستسهم في تخفيض عجز الموازنة؟
التهرب الضريبي يقوض قدرة الحكومة على تعبئة الإيرادات بأقصى إمكاناتها. وإذا تُرك الأمر دون علاج، يمكن أن يصبح التهرب الضريبي مُعْدِيا أيضا، أي يمكن أن يُثني مؤسسات الأعمال التي تدفع الضرائب عن سدادها في المستقبل. وأي إيرادات ضائعة تخلق فجوة في المالية العامة إما يتعين سدها بزيادة الضرائب على الممتثلين من دافعي الضرائب أو بالاقتراض، وهو ما يمثل عبئا على دافعي الضرائب في المستقبل. ولذلك فإن مكافحة السلطات الأردنية للتهرب الضريبي خطوة مهمة نحو إرساء بيئة تحقق التكافؤ بين الجميع. ومن المتوقع أيضا أن يساعد ذلك في تعزيز ثقافة الامتثال، وبالتالي توثيق العقد الاجتماعي بين المواطنين الأردنيين والدولة.

تَمَكَّن البنك المركزي الأردني، منذ بداية (مارس) آذار وقبل الإغلاق العام الذي أملته جائحة كورونا، من تنفيذ إجراءات تيسير على المواطنين والشركات الصغيرة والمتوسطة. فقد خفض أسعار الفائدة، ووضع برنامجا لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة بقيمة 500 مليون دينار أردني، إلى جانب تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي من 7 % إلى 5 %، مما وفر سيولة تعادل نحو 8 % من إجمالي الناتج المحلي في السوق لتعويض تداعيات أزمة كورونا. فما تقييمكم لهذه الإجراءات؟
من المتوقع أن تكون الصدمة الاقتصادية الحالية مؤقتة، ولكنها على درجة من الحدة بحيث يمكن أن يؤدي عدم تخفيفها إلى خسارة طويلة الأجل في الناتج والتوظيف. ولذلك كان من الضروري أن تتحرك السلطات على عدة أصعدة للحد من حالات الإفلاس وتسريح العمالة وحماية أرزاق المواطنين. ومن هذا المنطلق، بادر البنك المركزي الأردني بتنفيذ حزمة تنشيطية لضخ السيولة الكافية في البنوك، وضمان عمل الأسواق المالية دون انقطاع، ودعم الائتمان، بما في ذلك للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعد الأكثر تعرضا لتأثير الهبوط الاقتصادي. وستتاح لنا فرصة إجراء مناقشة وافية مع البنك المركزي، في سياق بعثتنا القادمة لإجراء المراجعة الأولى للأداء في إطار “تسهيل الصندوق الممدد”، وكذلك خطط التراجع عنها بمجرد أن يصبح التعافي راسخا.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: