تتويجاً لأكبر مشاريعها الدفاعية التي تستهدف بناء 6 غواصات جديدة من فئة “رئيس”، خلّدَت تركيا أسماء 6 من أشهر البحارة العثمانيين من خلال إطلاق أسمائهم على الغواصات الجديدة التي ستدخل الأسطول التركي بحلول عام 2027.
ويُعتبر المشروع أحد أكبر مشاريع بناء غواصات بشكل مشترك على الإطلاق، إذ بلغت قيمته الإجمالية نحو 2.7 مليار دولار أمريكي، إذ ستصل نسبة المساهمة المحلية من قيادة القوات البحرية التركية إلى أكثر من 75% خلال إنتاج الغواصات الـ6 التي ستدخل الخدمة تباعاً بدءاً من العام الجاري وتحمل الأسماء التالية: “بيري رئيس” 2022، و”خضر رئيس” (بربروس) 2023، و”مراد رئيس” 2024، و”أيدن رئيس” 2025، و”سيد علي رئيس” 2026، و”سلمان رئيس” 2027.
1- بيري رئيس
هو البحار العثماني ورسام الخرائط الأشهر الحاج أحمد محيي الدين بيري، المعروف باسم “بيري رئيس“. وُلد بيري في شبه جزيرة غاليبولي في شمال غربي تركيا في النصف الأخير من القرن 15، وكان شغوفاً بتعلُّم كيفية الإبحار منذ سنوات المراهقة. وقال المؤرخ العثماني الشهير شمس الدين أحمد، المعروف أيضاً باسم كمال بازازاد، ذات مرة إن ئريس “ترعرع في المياه كما تترعرع التماسيح في غاليبولي”.
وهو من أعظم قادة البحرية العثمانية الذين حوّلوا البحر المتوسط إلى بحيرة عثمانية، كما كانت له مساهمات كبيرة في عمليات إغاثة مسلمي الأندلس.
ولم يكن بيري رئيس قائداً فذّاً للأسطول العثماني خلال حقبة ثلاث سلاطين فحسب، بل كان أيضاً علماً بارزاً من أعلام الجغرافيا البحرية في الدولة العثمانية، ورائداً من رواد الخرائط في الأدب الجغرافي العثماني، فقد قدّم بيري رئيس خريطتين من أدقّ وأهمّ الخرائط التي رُسمت في ذلك الوقت، انبهر بهما علماء الخرائط في أوروبا وأمريكا في القرن العشرين، وقُبل الكتاب الذي أعدّه بيري رئيس تحت عنوان “كتاب البحرية” مرشداً بحرياً مهمّاً.
2- خضر رئيس (بربروس)
وُلد خير الدين بربروس باشا عام 1478 في جزيرة لسبوس (التابعة لليونان اليوم) لعائلة تمتهن البحر وصناعة السفن، اسمه الحقيقي خضر، واستخدم اللقب الإيطالي “بربروسا” الذي يصف لحيته الحمراء بعد وفاة أخيه الأكبر عروج ريس. وخير الدين اسم منحه إياه السلطان سليمان القانوني تشريفاً وتكريماً له، عُرف أيضاً بلقب “أسد البحر الأبيض المتوسط”. وعند وفاته عام 1546 أعلنت الإمبراطورية العثمانية موت “زعيم البحار”.
عام 1538 بزغ اسم البحار العثماني خير الدين بربروس بعد الانتصار الضخم الذي حقّقه في أثناء الغزو الصليبي ضد البحرية العثمانية، بعدما قاد أندريا دوريا، أحد رجال الدولة في مملكة جنوة، أسطولاً بحرياً من 250 سفينة لإخماد النفوذ المتنامي للبحرية العثمانية بالبحر الأبيض المتوسط، فيما كان أسطول خير الدين مكوَّناً من 122 سفينة فقط.
وعلى أثر الانتصار الساحق الذي قاده القبطان بربروس، استقبله السلطان سليمان القانوني في مدينة إسطنبول وترقيته إلى رتبة قبطان باشا (كبير أدميرالات) في الأسطول العثماني، إلى جانب تعيينه حاكم حكام شمال إفريقيا ورودس، التي ضمَّها خير الدين تحت راية الدولة العثمانية.
وفي الوقت الذي شغل به خير الدين بربروس منصب أدميرال للبحرية العثمانية أوائل القرن السادس عشر، أظهر مهارةً بحرية رائعة، إذ ازدادت القوة البحرية العثمانية تحت قيادته أضعافاً مضاعفة، وتمكن من توسعة رقعة النفوذ العثماني فوق مياه البحر الأبيض المتوسط كاملة وعلى السواحل الأوروبية، فضلاً عن ضم تونس والجزائر وليبيا إلى الأراضي العثمانية إبان فترة توليه قيادة الأسطول العثماني.
3- مراد رئيس
وُلد مراد رئيس في النصف الأول من القرن 16 في جزيرة رودوس، وقضى جل عمره البالغ 103 أعوام متنقلاً من سفينة إلى أخرى ومن معركة بحرية إلى أخرى محقّقاً نصراً وراء نصر حتى فارق الحياة عام 1609 ودُفن في بالقرب من أحد مساجد جزيرة رودس.
في بداية حياته البحرية رافق أميرال البحرية العثمانية خير الدين بربروس في عديد من رحلاته، وبسبب حنكته وبطولاته عيّنه السلطان سليمان القانوني قائداً على أحد الأساطيل العثمانية، ومن ثم وكل إليه مهمة الإشراف على مشروع بناء القطع البحرية في دار صناعة السفن بإسطنبول.
ولدوره الكبير في الانتصار الساحق على الأوروبيين بمعركة بروزة، كافأه السلطان العثماني بأن سلّمه قيادة الأسطول في المحيط الهندي عام 1552.
4- أيدن رئيس
أيدن رئيس بحار تركي تعود أصوله إلى كرمان، تَعلَّم أسرار البحار على يد كمال رئيس، عندما كان قبطاناً لسفينة في البحرية العثمانية. وبأمر من السلطان العثماني بايزيد الثاني (ابن السلطان محمد الفاتح) دخل في خدمة السلطنة المملوكية في مصر.
عند وفاة معلمه وقائده كمال رئيس عام 1511، ذهب إلى شمال غرب إفريقيا وشارك في حروب أوروتش رئيس وفتح الجزائر. وبعد استشهاد أوروج رئيس لم يغادر حاشية بربروس خير الدين باشا.
وضع بربروسا أسطولاً من خمس عشرة سفينة تحت قيادة أيدين رئيس وأرسلها لإنقاذ المسلمين تحت الاضطهاد الإسباني، أطلق عليها الإسبان “ضارب الشيطان”.
5- سيد علي رئيس
وُلد سيد علي رئيس في نهاية القرن 15 في حي غلاطة بمدينة إسطنبول. كان ابن عائلة بحار استقرت في سينوب بعد فتح إسطنبول، حيث عمل كل من جده ووالده في حوض بناء السفن.
نشأ سيد علي رئيس من خلال المشاركة في عديد من المعارك البحرية مع بربروس خير الدين باشا وسنان باشا وقباطنة مشهورين آخرين. بدايةً من غزو البحرية العثمانية لرودس، شارك في جميع الحروب البحرية في البحر الأبيض المتوسط إلى جانب بربروس باشا وتعلم منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط جيداً.
وإلى جانب كونه بحاراً بارعاً، برع في علم الرياضيات والجغرافيا والفلك والشعر، وكان يتكلم العربية والفارسية بالإضافة إلى لغته الأم التركية. عام 1552 ذهب سيد علي رئيس إلى حلب في حاشية السلطان سليمان القانوني، وبعدها بعام واحد عُيّن قائداً للبحرية المصرية.
6- سلمان رئيس
كان سلمان رئيس أميرالاً عثمانياً خدم في النصف الأول من القرن 16، أولاً في البحرية المملوكية ثم في البحرية العثمانية لاحقاً، فيما يُرجَّح أن أصله يعود إلى جزيرة ليسبوس في بحر إيجة.
وبعد أن أدرك البرتغاليون أنه كان من الممكن الوصول إلى الهند عبر رأس الرجاء الصالح عام 1498، بدأ البرتغاليون يضايقون المسلمين في البحر الأحمر والمحيط الأطلسي. أرسله السلطان بايزيد الثاني إلى مصر للتصدي للبرتغاليين، حيث نظّم البحرية المصرية على غرار البحرية العثمانية.
يُعتبر سلمان رئيس أحد أشهر البحارة العثمانيين الذين قدموا مساهمة كبيرة في حماية الأراضي المقدسة. خلال خدمته في البحرية العثمانية خاض صراعاً ملحمياً ضد البرتغاليين، الذين كان هدفهم الأكبر هو الاستيلاء على الأراضي المقدسة وتدمير الكعبة المشرفة، عند مدخل البحر الأحمر.
بعد هذا النجاح طلب عديد من الحكام في المحيط الهندي المساعدة العثمانية ضد البرتغاليين، إذ هُرع البحارة العثمانيون مستفيدين من تجربة سلمان رئيس لمساعدة المسلمين من السويس إلى إندونيسيا.
