إنها قمة الحرب النفسية؛ وما الخسارة والهزيمة بكثرة القتلى ولا بكثرة الهدم والتدمير، بل الهزيمة هي فقدان الأمل والقدرة على القتال.
لله در العبقرية العسكرية الفذة التي ما جاد الزمان بمثلها إلا قليل؛ لقد أرعبهم بجملة واحدة وأنزل فيهم اليأس فأصبحوا “رؤوسا أينعت وحان قطافها”.
إنه خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه الذي كتب إلى ملك فارس: “بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى ملوك فارس، فالحمد لله الذي حلّ نظامكم ووهن كيدكم، وفرّق كلمتكم… فأسلموا وإلا فأدوا الجزية، وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة”.
أجل جاء بقوم يحبون الموت كما يحبون الحياة، فأسقط في أيديهم ووهنت عزائمهم وطاشت سهامهم؛ فما ترجي من شخص جاء ليموت، وأقصى ما تملكه أن تهدده بالموت.
حتى لو امتلكت أفتك الأسلحة، فما نفعها مع رجل قرر أن يموت، لكنه قرر قبل ذلك أن يبذل وسعه للفتك بمن أمامه؟!
الجيش الذي فيه رجال يحبون الحياة كما يحب أعداؤهم الموت جيش لن يقهر، ومخيم فيه رجال كأولئك لن يقهر أبدا، وسيظل شوكة في حلق العدو.
لقد قام مخيم جنين كما “طائر الفينيق” وهو الذي اقتحم ودمر قبل 20 عاما، وها هو اليوم شامخا كالنسر يأبى الخضوع، ويقدم الشهيد تلو الشهيد، كيف لا، وهم رجال يحبون الموت كما يحب أعدؤهم الحياة.
تحية لمخيم جنين وأبطاله.. تحية للشهداء الذين يسيرون إلى قدرهم واثقي الخطوة بلا تردد.. تحية لمن يبثون اليأس والإحباط في نفوس أعدائهم.. فما الذي بيد عدوهم ليهددهم به!! أهو الموت؟.. فهو الذي خرجوا يطلبون.
(السبيل)