حكاية معاناة عائلة من الأجداد إلى الأحفاد بحي الشيخ جرّاح

حكاية معاناة عائلة من الأجداد إلى الأحفاد بحي الشيخ جرّاح

البوصلة – يرفض الفلسطيني عارف حماد منذ سبعينيات القرن الماضي مغريات مالية إسرائيلية كثيرة لإخلاء منزله في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة، ما جعله عرضة لضغوط متواصلة.

وفي حديقة صغيرة بمنزله في الحي الفلسطيني تحدث حماد عن رحلة لجوء عائلته من مدينة حيفا عام 1948 قبل أن تستقر في مدينة القدس الشرقية التي تخشى تهجيرها منها.

وقال حماد: “الوالد والوالدة من مواليد حيفا، وقد هُجّروا عام 1948، إثر الحرب وقدموا إلى القدس وكان لهم 3 أطفال، وبسبب الحرب كانوا قد وصلوا إلى المدينة بأيدٍ خاوية”.

وفي 1948 أُعلن قيام إسرائيل على غالبية أراضي فلسطين التاريخية، بعد أن جرى تهجير قرابة 800 ألف من أصل 1.4 مليون فلسطيني من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة.

وأضاف حماد: “عملت والدتي في مدرسة خولة بنت الأزور بالقدس الشرقية بعد فترة من العذاب من دون عمل أو سكن أو أي مقومات للحياة”.

وأردف: “مديرة المدرسة أعطت والدتي آنذاك غرفة لنسكن فيها، وفي هذه الغرفة أنجبت بنتاً وولداً، ولكن بسبب الأوضاع السيئة توفيا وهما أطفال، وقد ولدت أنا في الغرفة ذاتها عام 1951”.

وتابع حماد: “والدي استمر من دون عمل، علماً بأنه كان يعمل ميكانيكي دبابات في حيفا، ولأنه لم يجد عملاً فإن مديرة المدرسة وجدت له وظيفة بالمدرسة أيضاً”.

حماد ولد لعائلة هجرت من مدينة حيفا (AA)

الحصول على منزل

وأشار حماد إلى أنه “في تلك الفترة سمعوا بوجود مشروع تقيمه الحكومة الأردنية (كانت القدس تحت ولايتها قبل عام 1967) لتوطين اللاجئين في حي الشيخ جراح، ولأنه لا يوجد مأوى للعائلة بدؤوا السعي للحصول على وحدة سكنية في الحي”.

وقال: “تقدموا بطلب وكان لهم نصيب بالقرعة، أن يأخذوا البيت هذا، وقد استلمناه في 1956 باتفاق مع الحكومة الأردنية آنذاك، وقد نص الاتفاق على أنه بعد 3 سنوات و3 أشهر تقوم الحكومة الأردنية بتسجيل المنازل بأسماء ساكنيها”.

وأضاف: “في حينه تضمن الاتفاق شروطاً شملت أن نقيم حدائق وأسواراً في محيط المنازل وأن نوصل الكهرباء والمياه، وقد استوفينا كل الشروط بحلول عام 1959، ولكن حصلت حرب 1967 قبل أن تستكمل الحكومة الأردنية تسجيل البيوت بأسمائنا، علماً بأنها كانت شرعت بإجراءات تطويب المنازل”.

وكانت إسرائيل احتلت الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة في 1967.

وانتقلت 28 عائلة لاجئة للعيش في حي الشيخ جراح عام 1956 ولكن مأساتها بدأت فعلياً في 1972.

افتراء المستوطنين

وقال حماد: “في عام 1972، تفاجأنا بإنذار من جمعيتين استيطانيتين ادعتا ملكيتهما للأرض المقامة عليها المنازل وطُلب منا إخلاء المنازل بداعي أننا دخلنا الأرض عنوة وهو كلام غير صحيح “.

ولفت إلى أن بعض العائلات في الحي اضطرت إلى الاستعانة بمحامٍ إسرائيلي للدفاع عنها أمام المحاكم الإسرائيلية”.

وعن سبب ذلك أوضح حماد أنه: “في تلك الفترة كان المحامون العرب مستنكفون عن المرافعات أمام المحاكم الإسرائيلية”.

وأضاف: “لذلك جرى اقتراح تكليف محامٍ إسرائيلي اسمه إسحاق توسيه كوهين، دافع عن العائلات الأربعة التي جرى تقديم دعوى ضدها بحجة أنها دخلت المنازل عنوة وهي حماد وأيوبي وغوشه وحسيني”.

وأردف حماد بأن كوهين “استطاع أن يثبت للمحكمة افتراء المستوطنين بأن السكان دخلوا إلى المنازل عنوة، فنحن لم ندخلها عنوة، وإنما بموجب اتفاق مع الحكومة الأردنية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)”.

وأشار إلى أن “الجمعيتين الاستيطانيتين خسرتا القضية في 3 مراحل وهي محاكم الصلح والمركزية والعليا الإسرائيلية”.

اتفاقية كوهين

ولكن وإن كانت العائلات الفلسطينية استبشرت خيراً بالمحامي الإسرائيلي كوهين فإنها لا تزال حتى الآن تدفع ثمن تجاوزها لاحقاً، وفق حماد.

وقال حماد مفسراً: “في منتصف الثمانينات رفعت الجمعيات الاستيطانية دعاوى ضد 13 عائلة في الحي، وبسبب نجاح المحامي الإسرائيلي في القضية السابقة، فقد جرى تكليفه قضية هذه العائلات ليترافع نيابة عنها أمام المحاكم الإسرائيلية”.

واستدرك: “لكن في أواخر الثمانينيات أبرم المحامي الإسرائيلي ذاته اتفاقاً مع المحامي الخصم نص على أن الجمعيتين الاستيطانيتين هما المالكتان للأرض وأننا مستأجرين”.

وأضاف حماد: “تسببت هذه الاتفاقية بأثر سيئ على الحي بأكمله لأنه في 2009 ونتيجة لها استطاع المستوطنون أن يستولوا على 4 بيوت مملوكة لعائلات الغاوي وحنون والكرد”.

وتابع: “بعد الاستيلاء عليها قدمت الجمعيات الاستيطانية دعاوى ضد 3 عائلات أخرى في الحي وهي حماد ودجاني وداوودي”.

ولفت حماد إلى أن الجمعيات “قدمت لاحقاً دعاوى ضد عائلات الصباغ والكرد والجاعوني وإسكافي”.

وأشار إلى أنه “جرى اتخاذ قرارات في محكمتَي الصلح والمركزية الإسرائيليتين بإخلاء هذه المنازل” خلال 2020 و2021.

الحراك الشعبي

وقال حماد: “لكن التطورات التي حدثت والحراك والتضامن والوقفات الاحتجاجية الشعبية الفلسطينية في مايو/أيار 2021 أجبرت المحكمة العليا الإسرائيلية على تجميد هذه القرارات”.

وأردف: “قدم طاقم الدفاع عنا طلب استئناف على قرارات الإخلاء لكن المحكمة العليا الإسرائيلية حاولت التوصل إلى تسوية ما بيننا وبين الخصم ولكنها لم تنجح”.

وأضاف: “على إثر ذلك قدمت المحكمة العليا الإسرائيلية اقتراحاً للطرفين اعتبرتنا بموجبه مستأجرين محميين لفترة معينة مقابل أن ندفع الإيجار للمستوطنين، وبعد تحديد صاحب الملكية يجري إخلاؤنا أو تثبيتنا في بيوتنا”.

واستدرك حماد: “أبلغنا المحكمة برفض هذا الاقتراح وحالياً الموضوع قيد النظر من قبل المحكمة”.

معاناة لا تنتهي

وأشار حماد إلى أن عائلته المكونة من 18 فرداً تعيش الآن في المنزل وتخشى أن يجري تهجيرها منه.

وقال: “نحن 18 نفراً، أنا وابني وأولاده وأخي وابنه وبنته وأولادهم”.

وأضاف حماد: “نعاني منذ 1972، في حينه كنا صغاراً ولكننا كنا مدركين ما يحدث من قبلهم وضغوطهم علينا”.

وأردف: “في أكثر من مرة حاولوا الضغط علينا لكي نرضخ، جرى تقديم إغراءات مادية مقابل ترك البيت ولكنهم لم ينجحوا في محاولتهم، وحاولوا التضييق علينا بتقييد حركتنا ومعيشتنا ولم ينجحوا أيضاً”.

وتابع حماد: “حاولوا منذ السبعينيات مع الآباء ومع كل الجيران، حيث جرى عرض مبالغ طائلة وشيكات مفتوحة بأي مبلغ نريد مقابل إخلاء منازلنا، ولكنهم لم يجدوا آذاناً مصغية وإن شاء الله لن يتمكنوا من إخلاء من منازلنا”.

وكانت المحاكم الإسرائيلية قضت بإخلاء العائلات الفلسطينية منازلها لصالح المستوطنين.

ضغوط نفسية

وقال حماد في إشارة إلى المستوطنين: “توجهوا إلى القضاء الذي يتبع فعلياً المستوطنين، فهو غير منحاز للعدل والقوانين”.

وأشار إلى “الضغوط النفسية الكبيرة التي تمارَس على العائلات”.

وقال حماد: “القلق والتعب النفسي موجود ودائم من خلال مواقف المستوطنين ضدنا في الوقت الذي تقف فيه الشرطة (الإسرائلية) معهم، ونحن نتصدى لهم بصدورنا العارية في حين أنهم مدججون بالسلاح”.

وأضاف: “نحن في قلق دائم، قلقنا ليس بجديد، رفضنا لملكية المستوطنين لهذه الأرض كان منذ 1972، وحتى اليوم ونحن نقول إنه مع كل المرارة والعذاب الذي نتحمله ومع كل القهر والحالة النفسية السيئة التي يعانيها أطفالنا ونساؤنا فإننا نصر على أن لا نستسلم بأي حال من الأحوال”.

وتابع حماد: “الأوضاع النفسية سيئة جداً وأطفالنا مساكين كان الله بعونهم”.

ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل تستهدف هذه العائلات في القدس ضمن تحركاتها لتغيير التركيبة الديمغرافية في المدينة المحتلة وطمس هويتها الفلسطينية.

ويتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة، استناداً إلى قرارات المجتمع الدولي التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة عام 1967 ولا بضمها إليها في 1981.

TRT عربي

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: