محمود الريماوي
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

حكومة أردنية في ضباب كورونا

محمود الريماوي
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

ثمّة بعض الشبه بين صعود رئيس الحكومة الأردنية الجديد، بِشْر الخصاونة، وارتقاء سلفه، عمر الرزاز، في يونيو/ حزيران 2018، فقد كانت البلاد آنذاك تنوء باحتجاجات شعبية ضد الحكومة، مصدرها صعوبة الوضع الاقتصادي، أما في أيام الناس هذه، فإن الجائحة الصحية تكدّر المزاج العام، وتضبب الرؤية، وتنطوي على مخاوف اقتصادية واجتماعية وفردية جمّة. وعلى الرغم من أن اسم الخصاونة ظل من أكثر الأسماء المتداولة في بورصة الترشيحات لرأس السلطة التنفيذية، إلا أن شخصية الرجل ليست مألوفة للجمهور العام، إذ لم يأت من وسط حياة برلمانية أو نقابية، ولا من قطاع اقتصادي مهم، بل إن التوقعات بصعود مسؤول ذي خلفية اقتصادية لم تنجح، هذه المرّة، مقارنة بسلفه الرزاز، غير أن الرجلين يتشابهان في أنهما من المستجدّين على نادي رؤساء الحكومات في الأردن، ويتميز الخصاونة بأنه سليل عائلة سياسية معروفة، تبوأ عديدٌ من أفرادها مناصب رفيعة في الدولة، على مدى عقود، ومنهم الأب هاني الخصاونة السفير والوزير الأسبق (لحقيبتي الشباب والإعلام)، والمصنف على “تيار قومي”، والذي اعتكف بعيدا عن الأضواء في العقدين الأخيرين اللذين شهدا صعود الإبن الثاني بشر (51 عاما)، سفيرا ومسؤولا رفيعا في الخارجية، ثم وزير دولة للشؤون الخارجية، إلى أن عمل، في السنوات الأخيرة في الديوان الملكي، حيث ترقى، في الشهرين الأخيرين، إلى مستشار الملك للسياسات.

يذكر هنا أن تشكيل حكومة جديدة في هذه الآونة هو إجراء يمليه الدستور، وذلك مع الإستعداد لإجراء انتخابات برلمانية وحل المجلس النيابي. وتتشكل الحكومات بعيدا عن المجتمع السياسي، ولكن ليس بمعزل عن توازنات المجتمع وحصصه، وبناء على خبرة رئيسها المكلف ورؤيته، وعلى مراعاته توجهات المؤسسات النافذة، وبالذات الديوان الملكي والدوائر الأمنية. 

إذن، ليست الأجواء العامة صافية، بفعل انتشار الوباء، بعدما كان الأردن، أكثر من خمسة أشهر، قد حقق نجاحا لافتا في السيطرة على تفشّي الوباء، وإبقاء عدد المصابين بالآحاد والعشرات، قبل أن تندفع موجة ثانية وتطيح هذه الإنجازات، وهو وضعٌ شهدته عشرات الدول في هذه الآونة. ويصعب تحديد المسؤولية عن هذا التطوّر، والتي لا تنحصر حكما في طرف واحد. ومع أن وضع الوباء حتى الآن هو أقل سوءا مما هو عليه في دول الجوار، إلا أن المخاوف باتت جدّية من انفلات معدّلات الإنتشار، وما يشكله ذلك من تحدّيات جسيمة على الجهاز الصحي، وعلى وتيرة العمل في المرافق الحيوية، وعلى سلامة الأفراد والمجتمع. وقد كان من اللافت أن كتاب التكليف الملكي قد وضع مواجهة هذا التحدّي في صدارة أولويات الحكومة قيد التشكيل، وخصوصا لجهة تهيئة المستشفيات والمراكز الصحية والمختبرات في سائر أنحاء المملكة. إنها حالة طارئة وممتدة، وقد تم تكليف الرجل بتشكيل الحكومة، فيما كان الناس يستعدون للمكوث في بيوتهم طوال يومي الجمعة والسبت هذا الأسبوع، وفي الأسابيع اللاحقة وحتى إشعار آخر. وهو ما يلتزم به الناس على العموم، لكن على مضض شديد، إذ لا يتفاءلون بالإعتصام في المنازل وبقلة الحركة.

من الواضح في غمرة ذلك أن الرئيس الخصاونة والحكومة الجديدة سوف يستكملان ما شرعت به الحكومة السابقة، والتي نجحت في تأمين الجهاز الطبي من الضغوط الزائدة، وفي عزل البؤر الساخنة، وعملت ما وسعها لتبصير الجمهور بأهمية الوقاية الذاتية، وذلك ضمن جو عام لا يخلو من جنوح إلى إنكار وجود المرض. إضافة إلى بعض التفاوت بين التوجهات الرسمية، وتجاوب القطاع الطبي العام (الحكومي) مع مقتضيات الأحوال. إذ يضطر من يشتبه بإصابته نتيجة المخالطة التي يكشفها تطبيق أمان للانتظار حتى اليوم التالي، لدى مراجعته مستشفى حكوميا قبل أن يتم فحصه مع انتظار خمسة أيام للتعرّف على النتيجة. بينما يكون الوضع مسيطرا عليه في حال وجود فرق التقصّي الوبائي. وهناك خشية من اضطراب المعايير في إدخال مصابين إلى المستشفيات، أو دفع بعضهم إلى اللجوء إلى مستشفياتٍ خاصة، مع الفرق الهائل في كلفة الإستشفاء. وواقع الحال أن معظم دول العالم تشكو من اضطرابٍ في أدائها في هذا المجال، إذ ليست هناك خبرة متراكمة في مكافحة الأوبئة، وخصوصا الجديدة منها، مثل كوفيد 19. والعبرة هي في تصحيح الأخطاء والإستفادة من تجارب الدول التي حققت نتائج طيبة في مكافحة الوباء. وقد جرت العادة أن يتم التوقف عند إنجازات الحكومة الجديدة أو توجهاتها بعد مائة يوم على تشكيلها، ومع حكومة الخصاونة، فسوف تتم مقارنة أعداد المصابين والمتعافين والمتوفّين لدى تشكيل الحكومة بما ستؤول إليه هذه الأعداد بعد مهلة الأيام المائة. 

لن تكون هذه الحكومة، وهي الثالثة عشرة في عهد الملك عبدالله الثاني منذ 1999، حكومة طوارئ صحية، غير أن الجائحة تترك تأثيرها على نسق الحياة وانتظامها، فكثرة من الناس يتشكّكون في أن الإنتخابات النيابية سوف تجري في موعدها في العاشر من الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني)، فكيف يمكن لحملاتٍ انتخابيةٍ أن تتواصل مع قصْر الملتقيات على عشرين شخصا على الأكثر، ومع حالات الإغلاق التي تتعرّض لها الأماكن المهيأة لاحتضان حملاتٍ انتخابية، ثم مع حالات الحظر الشامل يومين في الأسبوع، هما يوما العطلة الجمعة والسبت، حيث تنشط الحملات عادة فيهما؟ وإذا ما تم الأخذ بخيار تأجيل الإنتخابات، نظرا إلى الوضع الوبائي، فمن يملك إمكانية تحديد موعد جديد، وسط الإبهام الذي يكتنف وضع الوباء ومستقبله المنظور؟ وكيف ستتم معالجة هذه الحالة دستوريا لدى فراغ الحياة البرلمانية؟ وإذا كانت الجائحة قد زادت من حالة النأي النفسي والذهني في المدن الكبيرة والمتوسطة عن الإنتخابات، فهل يمكن لحكومة واحدة في حال توفرت الإرادة، أن تشحن الناس بالقناعة بدور البرلمان، أو بسلامة مخرجات الإستحقاق الإنتخابي؟

لقد جرت العادة في الأردن أن يؤدّي تشكيل حكومةٍ جديدةٍ إلى تنشيط ما يبدو أنه ركود سياسي، وهو تنشيط مؤقت ذو أصداء إعلامية، إذ يفتر الاهتمام بعد أسابيع معدودة على تشكيل الحكومة، والتي لا تتمثل فيها أحزاب أو حتى تيارات سياسية إلا على نطاق ضيق، ويظل الإهتمام منحصرا، بالدرجة الأولى، بشخصية رئيسها، فالحكومات تُسمّى بأسماء رؤسائها، ثم وبدرجة أقل بمن يتولون حقائب سيادية، على أن شخصية الرئيس وأولوياته وطبيعة تعامله مع الجمهور، وخصوصا تجاه الإحتجاجات، والقرارات التي تتخذها حكومته في كل ما يتعلق بالمجال المعيشي، هي ما يستوقف الكثرة الكاثرة من الجمهور غير الصامت .. الجمهور الذي يملأ منصّات التواصل بحضوره.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts