حلقة جديدة بمسلسل التضييق الحكومي يستهدف العمل الخيري والتطوعي.. ما هو القادم؟

حلقة جديدة بمسلسل التضييق الحكومي يستهدف العمل الخيري والتطوعي.. ما هو القادم؟

عمّان – البوصلة

على الرغم ممّا تعلنه الدولة صباح مساء عن نيتها الانخراط في عملية إصلاح حقيقي تسهم في إيقاف حالة التدهور المستمر التي تعاني منها على كافة الصعد، ومع قرب إنجاز اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية لأعمالها، إلا أنّ الممارسات العملية للحكومة واستمرارها بالتضييق على عمل الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية يسهم في تعزيز حالة “اللاثقة” بالإصلاح المزعوم وأنه سيبقى مهما كانت سقوفه المعلنة حبيس الأدراج وحبرًا على ورق وأسيرًا لـ “القبضة الأمنية” حتى يثبت عكس ذلك.

لم تنتهي أزمة هيئة الإعلام مع الصحف والمواقع الإلكترونية ولم تنتهي أزمة “انقضاض وزارة الأوقاف” على جمعية المحافظة على القرآن الكريم وتقييد عملها بعد، حتى توثبت وزارة التنمية الاجتماعية لتحكم قبضتها على عمل الاتحادات والجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني التابعة لها ومنعها من أي نشاط قبل إعلام الوزارة وأخذ الموافقة قبل أسبوعين، الأمر الذي رأى فيه مراقبون طعنة في الصميم للعمل الخيري والتطوعي وتقييده؛ وهو ما يمكن أن ينعكس سلبًا على السلم المجتمعي واستمرار حالة التهميش والفقر والضنك للفئات الأقل حظًا من الفقراء والأيتام وكبار السن.

وعلى الرغم ممّا ورد في كتاب وزارة التنمية الاجتماعية من نيتها “المتابعة والإشراف على أنشطة وبرامج الجمعيات والاتحادات وبما يتوافق مع قانون الجمعيات النافذ والتشريعات ذات العلاقة”، إلا أن مراقبين يرون فيه أمرًا مخالفًا للقانون والدستور وتقييدًا غير مبرر للعمل الخيري والتطوعي سيكون له أثرٌ سلبيٌ بالغٌ على صورة الأردن وحكومته والأسوأ من ذلك على الجهات المستهدفة وجلها من المعوزين والمحتاجين.

حلقة في مسلسل مستمر من التضييق

المستشار السابق لوزير التنمية الاجتماعية الدكتور منذر زيتون، وصف في تصريحاته إلى “البوصلة” خطوة وزارة التنمية الاجتماعية بأنها حلقة في مسلسل مستمر من التضييق على الجمعيات الخيرية، وقد بدأ سابقًا باستهداف لكل مؤسسات المجتمع المدني.

وقال زيتون: “للأسف أن هذا التضييق لا يخدم أحدًا بل يسيء للأردن مجتمعًا وحكومة وحتى خدمات ومستفيدين، ولا نجد أي إيجابية في هذا القرار؛ بل كله سلبيات”.

وأكد في حديثه “أن وزراء التنمية الاجتماعية جميعاً وعاصرت كثيرًا منهم، كانوا يؤكدون على نقطة مهمة جدًا أن الهيئات التطوعية والجمعيات الخيرية شريك بل رديف حقيقي للحكومة”.

استدرك بالقول: إنما هي تتفوق على مؤسسات الحكومة وخدماتها في كثير من المجالات، ومن أهمّها رعاية الأيتام والمسنّين وتقديم المعونات للمحتاجين”.

وشدد على أن “الأصل أن هذه الجمعيات تساعد الحكومة على أداء خدماتها بل ستر عوراتها أحيانا خاصة عندما يكون هناك نقص لا تستطيع الحكومة الوفاء به”.

وقال زيتون: “أذكر حين قال بعض الوزراء سابقًا أن الحكومة لا تستطيع أن تغطي بخدماتها المجتمع جميعا وأن تصل لكل حارة وبيت ولكن الجمعيات تستطيع لأ سيما وأنها جمعياتٌ شعبية”، مشددًا في الوقت ذاته على أن التعليمات الجديدة لوزارة التنمية الاجتماعية في التضييق على الاتحادات والجمعيات أمرٌ “مرفوض تمامًا”.

من جانبٍ آخر، يرى مستشار وزير التنمية الاجتماعية السابق أن الجمعيات أنشئت لتعمل وقدمت طلبا تم الموافقة عليه حتى تستطيع ممارسة أعمالها، ثم تأتي الحكومة لتقول لها إرجعي مرة ثانية وفصلي في الأعمال وخذي موافقات على كل عمل، وهذا أمرٌ غير مقبول.

وأضاف أن الجمعيات قدمت طلبا للحكومة للتأسيس وأوضحت أولاً أهدافها ووسائلها، والحكومة وافقت، إذن انتهى دورك الآن، فلماذا تتدخل، وتدخلك يكون فقط إذا وجدت حيدًا من الجمعيات عن أهدافها أو لا قدر الله إساءة لشخصيات وهيئات وللبلد عمومًا.

وشدد على أنه “في كل دول العالم الجمعيات لا تتبع الحكومات، و هي جمعيات أهلية تتبع لاتحادات وتدار من قبل الاتحاد، وعندما يكون هناك مخالفات تتدخل الحكومة، أما هكذا في كل صغيرة وكبيرة وهذا لا يجوز”.

ونوه إلى نقطة بالغة الأهمية، تتمثل في أنه وأحياناً عندما تسعى الجمعيات لأخذ موافقة من وزارة التنمية على نشاط معين للأسف التنمية تتأخر في إرسال الموافقة أو عدم الموافقة، وأحيانا تهمل الطلب كليا، فتكون الجمعية قد أعدت إعدادًا جيدًا لمشروعها وعملها، ولكن لا تأتي الموافقة أو يأتي الرفض في آخر لحظات، وأحيانا يكون النشاط بدأ وتأتي عدم الموافقة.

وتابع بالقول: هذا إرباك للعمل، على وزارة التنمية والحكومة مراجعة نفسها وأن تكسب ود المجتمع بهيئاته ومؤسساته حتى يبقى داعمًا للحكومة، وحتى لا ينفر الناس.

وحذر زيتون من أنه “بهذا التضييق يمكن أن ينفر المتطوعون من العمل حتى لا يجلبوا لأنفسهم وجع الرأس والصراع مع الحكومة، وبذلك يخسر الأردن مئات ألوف المتطوعين”.

وختم حديثه بالتأكيد على أنه “لدينا في الأردن 7 آلاف جمعية خيرية، وفي المتوسط في كل واحدة من 500 إلى ألف، وبعض الجمعيات 5 آلاف متطوع، وهذا جيش من المتطوعين في البلد وليس من صالح الحكومة أن تخسرهم”.

تعليمات مفاجئة ستضرب العمل التطوعي

بدوره حذّرعضو اتحاد الجمعيات في محافظة العاصمة الدكتور محمد الغفري في تصريحاته إلى “البوصلة” من خطورة هذه الخطوة التي ستسهم بالتضييق على العمل الخيري والتطوعي في الأردن، مؤكدًا على أن هذه القضية تهم الوطن والمواطن وتهم شريحة كبيرة من المجتمع الذي تخدمه الجمعيات الخيرية باعتبارها رديفًا لوزارة التنمية الاجتماعية، وتدعم الفئات المهمشة والمحتاجة.

وقال الغفري: تفاجأنا بهذه التعليمات الجديدة التي لم تكن موجودة سابقًا وليس لها أي سند قانوني، فالجمعيات لها شخصيتها الاعتبارية وبالتالي تستطيع أن تقوم بنشاطاتها وإعلام المديرية بالنشاط الذي تقوم به، وليس الحصول على موافقات مسبقة حتى لو كان النشاط داخل أروقتها وداخل مبانيها.

ونوه إلى أنه من المتعارف عليه أن الهيئة الإدارية هي التي تدير الجمعية وليست الوزارة، التي تعتبر جهة مشرفة وناظمة للعمل، وبالتالي الهيئات الإدارة هي من تقرر الموافقة على الأنشطة أو غيره.

وعبر عن أسفه لقرار الوزارة المفاجئ بإلزام الجمعيات بطلب الموافقة على أي نشاط قبل أسبوعين حتى تصدر الموافقة عليه، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنه “إذا كان هناك أمر عاجل لدى أي جمعية فلن تستطيع القيام بعملها، وهذا فيه تعطيلات للعمل”.

وأشار إلى أن بعض الأنشطة وكما هو في القانون تحتاج لموافقات مسبقة ونحن مع ذلك مثل اجتماعات الهيئات العامة والاجتماعات الكبيرة خارج مقرات الجمعيات، وهي بحاجة لموافقات حسب الأصول قبل أسبوعين ونحن لسنا ضد هذا الأمر.

واستدرك الغفري بالقول: “لكن كل نشاط تقوم به الجمعية أو أي أمر يجب أخذ موافقة المديرية، فهذا أمرٌ لم يحدث سابقًا وليس موجود في القانون بل هو مخالف لقانون الجمعيات وللنظام الأساسي لكل جمعية”.

وقال الغفري: “نأمل من وزارة التنمية الاجتماعية إعادة النظر في هذا الأمر، وإصدار تعليمات لأصحاب الاختصاص بعدم التضييق على عمل الجمعيات وإنصافها وعدم محاولة تهميش الأدوار الكبيرة والخيرة التي تقدمها للمجتمع عبر مساعدة المحتاجين والفئات الأقل حظًا والمهمشة”.

وحذر من أنه وبلا شك فإن هذا القرار سيؤثر بشكل سلبي على المتطوعين في الأعمال الخيرية، لما سيتسبب به من إرباك ومضرة ووجع رأس لهم، وهذا سيؤدي إلى تراجع مسيرة الخير والعمل التطوعي في أردن الخير، وسيؤثر بشكل سلبي على السلم المجتمعي والفئات المتضررة التي لن تكون خدمتها بشكل سلس أو سهل مستقبلاً إذا ما تم تطبيق هذه التعليمات.

مخالف للقانون والدستور

بدوره أكد الحقوقي والمحامي عبدالقادر الخطيب في تصريحاته إلى “البوصلة” أن التعليمات الصادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية للجمعيات والاتحادات مخالفة للقانون والدستور، مشددًا على أن الهدف منها واضح باستمرار التضييق على مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية وتعزيز “القبضة الأمنية” على جهات محددة تستهدفها الدولة بشكلٍ واضح.

وعبّر الخطيب عن أسفه لاستهداف الدولة لجمعية المحافظة على القرآن الكريم والجمعيات الخيرية التي تخدم الأيتام والفقراء وكبار السن، وهي جهات تشكل رديفًا للدولة وتقوم بدورٍ كبير في تعزيز الأمن الاجتماعي واستمرار تماسك المجتمع وتكافله.

وشدد الخطيب أن القانون والدستور منح الجمعيات والاتحادات الصفة الاعتبارية للقيام بكافة الأعمال التي تحقق الغايات والأهداف في النظام الأساسي لكل جمعية وبموافقة الدولة، ولا يجوز للحكومة أو الوزارة المعنية التدخل إلا عند وقوع مخالفات قانونية أمام الأعمال التفصيلية والموافقات عليها فإن المسؤول عنها هو الهيئات الإدارية لهذه الجمعيات وليست الحكومة.

ويبقى السؤال المفتوح برسم الإجابة من الحكومة، هل تبقى قطاعٌ لم تستهدفه بالتضييق رغم دعاوى الإصلاح ورغم تقصيرها في كل القطاعات وعدم قيامها بواجبها على أكمل وجه، ولماذا تستهدف الجميع وتستعدي الجميع على الرغم من الحاجة الملحة لتكاتف جميع الجهود لمواجهة الأزمات المتراكمة، وما هي الجهة القادمة المستهدفة في مسلسل التضييق الحكومي غير المبرر؟

يذكر أن مديريات وزارة التنمية الاجتماعية وجهت كتابًا لاتحاد الجمعيات الخيرية مطلع الشهر الحالي تطالب فيه بضرورة تزويدها بكافة التفاصيل حول أي نشاط تريد الجمعيات عقده قبل أسبوعين وعدم عقد أي نشاط قبل الحصول على موافقة الوزارة.

(البوصلة)  

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: