حي المغاربة في القدس.. هل يمحو التطبيع آثار الجرائم الإسرائيلية؟

حي المغاربة في القدس.. هل يمحو التطبيع آثار الجرائم الإسرائيلية؟

البوصلة – على أحد أسوار المسجد الأقصى بالقدس المحتلة، شاهد العالم كُلّه علم المغرب العربي إلى جانب العلم الإسرائيلي، احتفاءً بتطبيع العلاقات بين البلدين برعاية أمريكية، وتوقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية بين الطرفين.

وعلى بعد أمتار قليلة فقط من السور المضاء بعلم المغرب، يقع ما يعرف حتى اليوم بـ”حي المغاربة” وهو حيّ هُجّر أصحابه على يد الجيش الإسرائيلي وهدمت آثاره، يحل محله ما يسمى بـ”ساحة المبكى” التي يؤّمها اليهود بشكل يومي للصلاة فيما يطلقون عليه “حائط المبكى” وهو حائط البراق أحد جدران المسجد الأقصى المبارك.

https://twitter.com/SaloomaEssa/status/1341845950009143298?s=20

على مدار القرون الماضية كان “حي المغاربة” هو الحي الذي يرمز إلى قدسية مدينة القدس وأهميتها بالنسبة لشعوب المغرب العربي الذين كانوا يحجون المدينة باستمرار ويدافعون عنها ببسالة أمام الغزوات المتعاقبة، وقد أسسوا لأنفسهم هناك حياً ما زال ذكره خالداً حتى اليوم رغم مساعي الاحتلال الإسرائيلي إلى محو آثاره من الأرض واقتلاعها من كتب التاريخ وذاكرة الأجيال، تساعده في ذلك دول عربية تُرسل أفواجاً من المطبعين الذين يزورون الحي دون ذكر اسمه، بل ذهب بعض الإماراتيين إلى الإشارة بأنه “حائط المبكى” اليهودي.

وتستغل السلطات الإسرائيلية “باب المغاربة” لتسهيل اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك بشكل شبه يومي، وكذلك دخول قوات الاحتلال التي تقمع المصلين الفلسطينيين.

أوقاف المغاربة

يقول الباحث والمختص في الآثار الإسلامية بالقدس وأرض فلسطين عبد الرازق متاني إن “حي المغاربة يعد أحد أعرق الأحياء في القدس المحتلة ويقع في محاذاة المسجد الأقصى”.

اليهود حولوا حائط البراق المحاذي لحي المغاربة إلى مكان “مقدس” مزعوم (AA)

ويوضح لـ”TRT عربي” أن “الحي أوقف من قبل الملك الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي سنة 589 للهجرة للسادة المغاربة من أبناء المغرب الكبير الذين شاركوا بتحرير القدس وأرض فلسطين من الاحتلال الصليبي”.

ويشير إلى أن صلاح الدين الأيوبي كان قد اختص هذا المكان للمغاربة بعد تحرير القدس، “لأن المنطقة كانت تعد إحدى النقاط الضعيفة التي يمكن الاستيلاء عليها، وسكنها المغاربة لقوتهم وبسالتهم وقدرتهم على أن يكونوا درعاً يحمي المسجد الأقصى المبارك”.

ويدور الحديث عن حي كامل ضم ما يزيد عن 245 عقاراً وسكنه أكثر من 250 عائلة، وقدّر عدد المغاربة الذين عاشوا في المنطقة، حسب الباحث، بنحو 5 آلاف شخص، “وكانت أوقاف المغاربة مترامية الأطراف في القدس إلى جانب الحي مثل بلدة عين كارم”.

الدفاع عن القدس وأرض فلسطين

ويوضح متاني أن الكثير من المغاربة الذين قاتلوا مع صلاح الدين الأيوبي سكنوا الحي في القدم ومناطق أخرى في فلسطين، من ضمنهم أعلام معروفون مثل علي بن عليل الذي دفن في قرية الحرم التي هجرتها إسرائيل وكذلك أبو مدين الغوث والشيخ المصمودي.

ويشير إلى أن المغاربة كانوا قد قدموا الدماء والنفوس في سبيل أرض فلسطين والمسجد الأقصى المبارك، “لقد جاؤوا بالآلاف للجهاد مع صلاح الدين الأيوبي وقدموا لأرض فلسطين الكثير وسكنوا إلى جوار المسجد الأقصى إيماناً منهم ببركة المسجد وقدسيته، وكان لهم ارتباط كبير وامتداد مع أرض فلسطين، إذ إن علاقة أهل المغرب الكبير مع القدس لم تكن علاقة عابرة أبداً فقد تحولوا إلى سكان يقيمون هناك”.

ويقول إن “ما يثبت عمق العلاقة بين المغاربة وأرض فلسطين هو تسمية أحد أبواب المسجد الأقصى على اسمهم، في حين لم يسمَّ أي باب آخر باسم أي جماعة من المسلمين”.

نكبة المغاربة

ولمّا كان مصير فلسطين قد صار إلى الاحتلال عقب نكبة عام 1948 وهجرت العصابات الصهيونية مئات الآلاف من سكانها ودمرت أكثر من 550 قرية، تنبّه المغاربة إلى كل ذلك وخشوا على الحي الذي عُد جزءاً أصيلاً من القدس، حتى إذا احتلت المدينة عام 1967 رفض كثير منهم الخروج من منازلهم رغم بشاعة عصابات الاحتلال.

ويقول الباحث إن “المغاربة ومع قدوم الاحتلال فقدوا قرابة 95% من أوقافهم بالقدس، وعمد الاحتلال إلى هدم حارتهم بالكامل ليقيم على أنقاضها ما يعرف بـ”ساحة المبكى” المزعومة، وهي الساحة المتاخمة لحائط البراق”.

ويؤكد أن “هناك ما يوثق هدم منازل في حي المغاربة على رؤوس أصحابها الذين رفضوا التنازل للاحتلال الإسرائيلي، فيما صار مصير كثير منهم إلى مخيمات اللجوء وحلّ بهم ما حل بالشعب الفلسطيني”.

الحفريات الإسرائيلية في حي المغاربة عام 1967 (صحيفة هآرتس)

شهود على الجرائم

في السياق ذاته، كانت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية قد نشرت تقريراً حول هدم حي المغاربة بالكامل بعد أيام قليلة من احتلال مدينة القدس عام 1967.

وتشير الصحيفة إلى أن الاحتلال استدعى 15 مقاولاً من منظمة “المقاولين المقدسيين” وأمرهم ببدء هدم بيوت حي المغاربة الملاصق لحائط البراق من أجل إنشاء ساحة المبكى المزعومة.

ونقلت الصحيفة عن شاشون ليفي وهو أحد هؤلاء المقاولين قوله “كنّا فرحين جداً، ما قمنا به كان ممتعاً، لكننا لا نعرف من اتخذ قرار الهدم بشكل فعلي في ذلك الحين”.

ويضيف: “عملنا في البداية باستخدام المعاول والمطارق، ثم استخدمنا التراكتور، كما ساهمت جرافتان بعد ذلك في عملية الهدم، لقد هدمنا 135 منزلاً، لكن في النهاية فاق عدد المنازل ما كنا نخطط له”.

من جانبه، يقول بنزيمان وهو أحد المقاولين المشاركين في الهدم أيضاً إنه “في حالات رفض السكان في حي المغاربة الخروج من منازلهم، كانوا يُرغمون على ذلك عندما تبدأ الجرافات بالهدم، وقد عثرنا على امرأة تدعى رسمية ميّتة في سريرها في أحد المنازل وقمنا بهدم بيت على أثاثه”.

ولا تزال المساعي الإسرائيلية لتهويد حي المغاربة وغيره من أحياء القدس القديمة مستمرة، إذ رصدت السلطات الإسرائيلية قبل نحو عام ما يقارب 50 مليون دولار لتنفيذ مشاريع استيطانية في ساحة البراق المقام على أنقاض الحي، إلى جانب أحياء أخرى.

وفي 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلن المغرب العربي، اعتزامه استئناف العلاقات الرسمية المجمدة مع إسرائيل منذ عام 2002.

وفي اليوم نفسه، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، المتنازع عليه بين الرباط وجبهة “البوليساريو”.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: