خبير اقتصادي: تقارير حالة البلاد مجرد تنظير بلا جدوى تتجاهله الحكومات

خبير اقتصادي: تقارير حالة البلاد مجرد تنظير بلا جدوى تتجاهله الحكومات

عمّان – البوصلة

عبّر الخبير الاقتصادي محمد البشير في تصريحاته لـ “البوصلة” عن أسفه الشديد لأنّ تقارير حالة البلاد الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني على أهميتها لا تأخذ بها الحكومات المتعاقبة وتضرب بها “عرض الحائط”.

وأكد البشير أنّ التوصيات والتشخيص الذي قدمه تقرير حالة البلاد 2021 لم يأت بجديد بما يتعلق بأزمتنا الاقتصادية، مشددًا على أنّها ستبقى مجرد تكرار وتنظير  لأفكار مجردة غير عملية، أكثر منها وقائع حقيقية تساعد على حل مشاكل الاقتصاد.

ولفت البشير إلى أن “السياسات المالية والاقتصادية هي انعكاس لصراع قوى هي التي تفرضها على الأرض”، الأمر الذي تفتقد له مخرجات التقرير.

وأشار إلى أنّ “القوى التي تتحكم في مجتمعنا سواءً السياسية أو الاقتصادية، سعيدة بالوضع الاقتصادي القائم حاليًا ومستفيدة منه وتسعى للحفاظ على استمراره”.

وقال البشير: واضح أن التقرير يكرر ما قلناه سابقًا، فحين يتحدث عن الموازنة يقول إن النفقات الجارية دون الوصول إلى “النفقات الرأسمالية”، لا تغطيها الإيرادات العامّة، لذلك تصبح مضطرة الحكومات، وهذا الحال له عشرين سنة، أن تذهب إلى المديونية والمساعدات، الأمر الذي يعني مزيدًا من الكلفة على فائدة الاقتراض.

محمد البشير: القوى المتضررة من واقعنا الاقتصادي عاجزة عن فرض متغير حقيقي للإصلاح

وأوضح أن “حالة البلاد” مشكلة مستمرة وصفها التقرير الحالي والسابق، ولم تأخذ الحكومة ما جاء فيه، ولم تستطع القوى المتضررة من أحزاب ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني فرضها، لأنها ضعيفة وليست متحدة وتعيش حالة من “الأنانيات”، فالنقابات تدافع عن منتسبيها ومصالحهم، والأحزاب المعارضة تصارع الحكومة للحفاظ على الوضع القائم، وأحزاب أخرى مصنوعة لأغراض تتعلق بلافتة الديمقراطية.

وشدد على أنّ “هذه القوى غير قادرة على فرض متغير حقيقي على الواقع الاقتصادي”.

تعثر الاستثمار داخليًا وخارجيًا

وحول حديث التقرير عن ضرورة تشجيع الاستثمار الخارجي والداخلي، أشار البشير إلى أنّ بيئة الأعمال ما زالت تعاني من تراجع خلال الفترات الماضية، لأنّ كلفة الاقتصاد مرتفعة.

وأوضح بالقول: صحيح أنّ من يريد الاستثمار يعفى من الضرائب لكنّه يخضع لضريبة المبيعات كسبب رئيسي لارتفاع كلفة الاقتصاد ويخضع لكلف طاقة كسبب رئيسي من كلف الاقتصاد ويخضع لفوائد عالية من كلفة التمويل إذا أراد الاقتراض، وإن جاء بالتمويل من الخارج فله كلفة أيضًا، ويفترض أن تكون العوائد بالحد الأدنى تعادل فائدة الوديعة.

ولفت إلى أن هذه الكلفة تشخص بدون الحديث عن كلفة الضمان وكلفة التمويل فيما عبر عن استغرابه لامتداح التقرير السياسات النقدية للبنك المركزي.

وقال البشير: هذا غير صحيح، البنك المركزي ما زالت سياسته النقدية قائمة على تعويم الفوائد، وبالتالي ترك للمقترضين أن يكون فريسة للمقرضين سواءً كانوا بنوكًا أو شركات اقتراض، وبالتالي الفوائد مرتفعة وكلفة الاقتصاد مرتفعة.

وشدد على أن “الأصل أن يتدخل البنك المركزي لفرض حد معين من الفائدة على الودائع والفائدة على التسهيلات، وأن يكون الهامش بينهما متواضعًا، لدفع الاقتصاد ودفع المودعين ليستثمروا، وليس البقاء في وضع الراحة في ظل أوضاع اقتصادية منهكة وكلفة اقتصاد عالية من المريح لأصحاب رؤوس الأموال أخذ فائدة 4%، أفضل من المغامرة التي تحتمل الخسارة في إطلاق المشاريع.

ولفت إلى أن “هذا سبب رئيسي من أسباب تراجع الاستثمار الخارجي وتعثر الاستثمار الداخلي، وهذه واحدة من المشاكل”، منوهًأ إلى أننا ما قبل كورونا شهد رأس المال الأردني هروبًا إلى دول مجاورة مثل مصر وأحياناً السعودية، واليمن قبل أزمتها، لا سيما وأنّ رأس المال كان يبحث عن أسعار وكلف أقل.

ضخ الأموال خلال الجائحة

وتابع البشير قوله: يتحدث تقرير حالة البلاد عن كورونا والبنك المركزي وكيف ضخ أموالاً بفوائد بسيطة لدعم المنشآت المتوسطة والصغيرة، وهذا في المحصلة النهائية صحيح وساهم إيجابيًا بشكلٍ ما.

واستدرك: ولكن بالنتيجة ما زلنا نعاني من مؤشرات اقتصادية سالبة، تتمثل في نسبة النمو المتواضعة وأنّ الإنتاج ما زال متواضعًا، وثانيًا ما زال الميزان التجاري يميل لصالح الاستيراد بشكل كبير جدًا، وثالثًا أن نسبة البطالة ما زالت في ارتفاع وتتفاقم.

وشدد على أنّ “هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة تعكس نفسها على الواقع الاجتماعي، المتمثل في انتشار المخدرات والعنف والجرائم التي نراها وتعثر الناس، ما يتسبب به من آثار سلبية على المجتمع”.

وتابع بالقول: إن التقرير يقترح فيما يتعلق بالنظام الضريبي أن يكون قائمًا على الضرائب غير المباشرة لا سيما وأنّ مرهق للناس وللاقتصاد، وهذا ما أكدنا عليه سابقًا ولم يأتي بأي جديد.

وأوضح البشير أن ضريبة المبيعات هي التي تشكل المورد الأكبر للخزينة على حساب المستهلكين وقواهم، فيما ضريبة الدخل متواضعة، وهذا يعزز الفجوة في الدخول بين المواطنين في الأردن، بحيث أن هناك أغنياء سواء كانوا أشخاصًا طبيعيين أو معنويين، لا يدفعون ضريبة كما يدفع الآخرون بالبعد المتمثل بميزان الدخل وقدرة الناس على الدفع.

سياسات إدماج القطاعات

وقال البشير إن “القاسم المشترك الأعظم بين كل القطاعات يتمثل في فيما يشكل كلفة الاقتصاد الوطني الذي هو انعكاس للسياسات المالية وما تفرضه “الضرائب، وفوائد الدين والقروض وفاتورة الطاقة، وأخيرًا فاتورة الضمان الاجتماعي” .

وأوضح الخبير الاقتصادي أن هناك 30 مليار ديون البنوك لدى الأفراد الطبيعيين والمؤسسات والشركات دون أن نحتسب فوائد الشركات المقرضة الأخرى غير البنوك والقروض البينية التي على شكل جمعيات.

وشدد على أن “المجتمع منهك بسبب ارتفاع الفوائد وهناك مرابين في ظل هذه الظروف، وتتشدد البنوك بسبب التعثر في الإقراض، وكله يشكل كلفة عامّة على الاقتصاد الوطني وعلى المواطنين، وهذا كله لا يُحلّ”.

بحثًا عن الحلول!

وقال البشير إن الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها اليوم بسبب ما تفرضه الحكومات المتعاقبة ومن خلفها مجالس نواب فرضتها “السطوة الأمنية”، لن نخرج منها إلا بمجالس نيابية حقيقية تعبر عن الشعب الأردني وتدافع عن مصالحه ويتشكل من خلالها حكومات برلمانية تقود عملية إصلاح حقيقية.

وقال البشير: السياسات المالية والنقدية تفرضها الحكومة ويشرعها مجلس النواب، الذي ينتخبه الناس من خلال صناديق الاقتراع، هؤلاء هم من يؤثر على الاقتصاد بمعاناته بسبب التشريعات التي تتحدث عن الضرائب والرواتب والنفقات الجارية، 65% رواتب من الموازنة و18% كلفة المديونية وترتفع شهرًا بعد شهر.

وأكد أنّ هذا كله يحتاج لقوة حقيقية تشارك في القرار، فيما المواطن في الحقيقة غائب عن صناعة القرار، المشاركة شكلية من خلال مجلس النواب القوى السياسية ذاتها تشكل مجلس النواب عبر “التدخلات الأمنية” بالتعبيرات المتعددة التي أبعدها القانون.

وختم البشير حديثه لـ “البوصلة” بالقول: هذه التدخلات تحول دون مشاركة القوى الحقيقية التي لها مصلحة في وضع تشريعات تستطيع أن تنفذ التوصيات التي تنبع من تشخيص حقيقي لمشاكل الاقتصاد الوطني، وهذا هو مربط الفرس، أننا لسنا مشاركين وغائبون تمامًا سواءً الأحزاب المعارضة أو الأحزاب الوطنية، فالحكومة تشكل بمكاسب محددة، ومجلس النواب يتم تشكيله شكليا عبر مشاركة الناس بما تفرضه السطوة الأمنية، وفي النهاية هم من يضعون السياسات المالية والنقدية والسياسات الاقتصادية التي أوصلتنا لما نحن عليه اليوم.

لمطالعة التقرير: الاقتصادي والاجتماعي يطلق حالة البلاد ٢٠٢١

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: