خبير عسكري: هذه مآلات استمرار الحرب الروسية والتغيير العالمي القادم

خبير عسكري: هذه مآلات استمرار الحرب الروسية والتغيير العالمي القادم

عمّان – البوصلة

قال الخبير العسكري الدكتور قاصد محمود في تصريحاتٍ لـ “البوصلة” إنّ الحرب الروسية المستمرة منذ أشهر على أوكرانيا ما هي إلا محطة مهمّة جدًا في إحداث تغيير جوهري في النظام العالمي، لا سيما وأنّنا “نقترب من هذا الأمر أكثر” مع رؤيتنا لمشهد الحرب يتسع على رقعة دول العالم أجمع واقتصادياتها.

وأضاف أنّ هذه المواجهة الكبيرة في مقدمتها روسيا التي تقود المواجهة أمام معسكر الغرب كله بقيادة أمريكا وتخطيط ودهاء بريطانيا.

ونوه محمود إلى أنّه وعلى الرغم من مرور عدة أشهر على الحرب الروسية التي قامت على “إستراتيجية” إحداث صدمة كبيرة واختراق لمرة واحدة لتغيير النظام في أوكرانيا، لكن على ما يبدوا أنّ التقارير الاستخبارية التي بنيت عليها خطط تلك المرحلة لم تكن ناضجة ولم تكن دقيقة ولم تكن مناسبة، بحيث أنّ الأهداف المقررة لم تتحقق.

ولفت إلى أنّ ذلك استدعى من روسيا تغيير استراتيجية العمليات التي بدأت في المرحلة الثانية 19/4 وأصبح هدفها الرئيسي هو إقليم دونباس في جنوب شرق أوكرانيا، لكن أهدافها الأخرى بقيت كما هي من حيث استهداف من تسميهم روسيا المتطرفين أو النازيين وكذلك النظام العام و إبعاد احتمالات تدخل الناتو، وتدمير البنى العسكرية الأوكرانية فكل ذلك بقي قائمًا ويعمل عليه الروس.

إخفاق روسي أم إطالة لأمد الحرب

وأوضح الخبير العسكري أنّ الواقع العملياتي بقي كما خطط له الروس، واتبعوا نهجهم وثقافتهم وتقاليدهم في العقيدة القتالية الشرقية التي حقيقة لم يعد الزمن يتقبلها، وذلك لأنّ الحروب اليوم حركة أكثر ومناورة أكثر وتكنولوجيا أكثر، مستدركًا بالقول: بغض النظر لكن قد يكون في العقل الروسي الباطن أنهم يريدون أمدًا طويلاً لهذه الحرب.

وأشار إلى أنّه بدا واضحًا في هذه الحرب أنّ من المستهدفين الأساسيين فيها أوروبا، وهذا موجود في الرؤية الأمريكية الجيوإستراتيجية العليا أنّ المنافس الأخطر لأمريكا في آخر عشر سنوات هي أوروبا، خصوصًا أنّ القوة الرئيسية لأمريكا تعتمد على ساقين اثنين، القوة العسكرية الهائلة، والقوة الاقتصادية الهائلة القائمة على الدولار ونفوذه العالمي وليست قوة الاقتصاد الأمريكي المباشر.

وتابع حديثه بالقول: الصين اقتصاديًا أقوى من أمريكا، لكن وجود الدولار وقوته ونفوذه في الاقتصاديات العالمية واعتماده في التجارة العالمية خصوصًا البترول، هو الذي منح أمريكا هذا النفوذ وهذه القوة والقدرة على تحريك الأمور في العالم كما تشاء، واليورو في السنوات الأخيرة بدأ يحلّ محلّ الدولار تدريجيًا، خصوصًا وأنّ دول اقتصادية كبيرة مثل تركيا ودول أخرى في الشرق الأوسط والصين بدأ يأخذ اليورو لديهم مركزًا، وهذا يقلق جدًا أمريكا والقوة العسكرية الروسية رغم أن الاقتصاد الروسي ليس بالمستوى المهدد للأمن العالمي لكن القوة العسكرية الروسية تعتبر القوة رقم 2 وتعتبر القوة رقم 1 نوويًا.

خبير عسكري يقرأ لـ “البوصلة” تداعيات الحرب: روسيا توقف العالم على أطراف أصابعه

وتابع محمود: بالتالي هناك قوة عسكرية في روسيا وهناك قوة اقتصادية أوروبية في الاتحاد الأوروبي، وهناك الصين تتربص وتزحف تدريجيًا وبطيئًا، مشددًا على قناعته بأنّ “الحرب تدور اليوم برؤية أمريكية بكل تأكيد”.

ولم يستبعد محمود أنّ إطالة أمد الحرب قد تكون مصلحة روسية لأنّها تريد أن ترتب أوروبا لا تتناسب مع مصالح أمريكا، والأوروبيين بعضهم يفهم ذلك وبعضهم لا يفهم ذلك، ولكن الغالبية لا تزال غير قادرة على الانسلاخ أو التمرد أو الاختلاف مع أمريكا وإن كانت بدأت إرهاصات ذلك تظهر.

واشار إلى أنّ الروس يراهنون على استنزاف أوروبا، وأكثر سلاح يفيد روسيا هو الغاز، وهو أيضًا من الأهداف الرئيسية لهذه الحرب التي تريدها أمريكا وهو أن يُخلّصوا أوروبا من غاز روسيا، وتصبح أمريكا هي مصدر رئيسي للغاز الأوروبي، بالتالي يزداد نفوذ الأمريكان على الأوروبيين.

وقال محمود: هكذا هي الرؤية الإستراتيجية الأمريكية، والروس يعون ذلك تمامًا ويريدون حسم موضوع الغاز في هذا الشتاء، وقد يكون سببًا لأن تطول الحرب للشتاء القادم، لأنه الحرب ستهدأ لأنّ الأمور ستصبح صعبة ميدانيًا.

ودلل على وجاهة الرأي الذي يعتقد بأنّ من استهدف “نورد ستريم” خط الغاز بين روسيا وأوروبا هي أمريكا، وذلك جاء بتصريحات الرئيس الأمريكي بايدن في أول أسبوع من الرئاسة عندما سئل عن ذلك، وقال لن نسمح لنورد ستريم أن يستمر إذا ما أقدمت روسيا على مهاجمة أوكرانيا، لافتًا في الوقت ذاته إلى أنّ “التهديد الأمريكي موجود سلفًا”.

إحداث تفوق استخباري أوكراني

وذهب لأبعد من ذلك حيث قال محمود إنّ استهداف جسر القرم وقبله استهداف “الطراد الروسي موسكفا” عملية فوق العقل والإمكانية الاستخبارية الأوكرانية، مشددًا على أنّ هناك نوعًا من التدخل لإحداث تفوق استخباري فيما يعاني الروس منذ البداية من مشكلة القصورالاستخباري الذي ما زال قائمًا ومعالجته أصبحت ضرورية جدًا.

ولفت إلى أنّ”هذه أهداف تعتبر إستراتيجية لها قيم معنوية وطنية في روسيا، وكأنّ المقصود إذلال أو توجيه نوع من الإهانة للكل الروسي”.

وحول تغيير قيادات العملية وإمكانية التدليل على أنها تعبر عن فشل روسي في المعركة قلل محمود من أهمية ذلك وربطه بأي إخفاق، مشددًا على أنّ التغيير روتيني ويجب أن يكون.

وأوضح الخبير العسكري أنّ القائد الجديد للعملية الروسية يشير إلى تغير استراتيجيتها معبرًا عن اعتقاده بأنّ المرحلة القادمة ستكون مرحلة جوية فوق عملياتية قصف، صواريخ، بحر،.. وهكذا وربما يكون هذا القائد الأكثر إلمامًا في هذا المستوى من العمليات، على حد تعبيره.

وقال قاصد محمود إنّ التركيز القادم سيكون على المستوى الإستراتيجي وأهداف مهمة وإدارية عليا، وهذا ما شهدناه الأيام الماضية بعد قصف مكتب الرئيس زيلنسكي في كييف، مؤكدًا على أنّ هذا يعتبر قمّة الاستهداف، وردة فعل معنوية وطنية للجيش الروسي والرأي العام الروسي أكثر من تأثير مباشر في العمليات الحرب الدائرة في الميدان.

المرحلة المقبلة من الحرب

وقال الخبير العسكري الدكتور قاصد محمود: سنشهد مزيدًا من القصف والاستهداف على المستوى الإستراتيجي ومزيدًا من كسب الوقت على الأرض.

وأضاف أنّ الروس ميدانيًا بدأوا يطورون وضعًا ميدانيًا معينًا شبه دائم للمستقبل، ليعيش ما بعد الشتاء، وأصبحوا ينسحبوا من بعض المناطق والأوكرانيين يقولون حققنا انتصارات، وهو صحيح، وتم استعادة أهداف مهمة مثل أيزوم وليمان، لكن الأوكران حتى اللحظة لم يدخلوا في أي مواجهة بالهجوم المضاد بشكل مباشر مع القوات الروسية، فكانوا يقومون بمناورات بعيدة والجيش الروسي يترك لهم بعض الأماكن والأهداف ويفسحوا لهم المجال.

وشدد على أنه سيكون بعد ذلك شكل جديد من الإستراتيجية في العمليات الروسية، اعتبارًا من الشهر القادم ودخول الشتاء وما بعده، لكن على المستوى الاستراتيجي سينشط أكثر ويعمل أكثر، وهذه الحرب واضحة أنّها مواجهة كبيرة جدًا مساحتها العالم واقتصاد العالم وخصوصًا أوروبا وميدانها المباشر أوكرانيا.

وختم محمود تصريحاته بالقولك نهاية الحرب ستكون إمّا بهزيمة روسيا أو هزيمة أمريكا، أو الاتفاق على معادلة جديدة في النظام العالمي، وقد ندخل في معاهدات دولية وتغيير في الأمم المتحدة وهكذا، وإن لم يكن رسميًا باتفاقيات ومعاهدات سيكون أمرًا واقعًا وسيتم القبول به ويدخل العالم في مرحلة جديدة من التغيير.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: