رمضان سلطان الشهور.. على وشك الوصول

رمضان سلطان الشهور.. على وشك الوصول

البوصلة – تبقى نحو أسبوع لوصول الشهر الفضيل، حيث يتميز شهر رمضان في عموم العالم الإسلامي بما يحمله من أجواء روحانية وعادات شعبية تمتد أحياناً لقرون، لدرجة أنك حينما تذكر كلمة “رمضان” سرعان ما يتوارد إلى ذهنك الفوانيس وطبول المسحراتية وأنواع الأطعمة والأشربة، وكذلك العبادات التي تضفي جوّاً روحانيّاً على هذا الشهر الكريم.

“أهلاً يا شهر رمضان” أو كما هي باللغة التركية “hoşgeldin ya şehri ramazan”، عبارة لا شك أنك رأيتها مكتوبة عبر لافتات ضوئية كبيرة تعتلي مآذن المساجد في تركيا، إيذاناً باستقبال سلطان الشهور كما يسميه الأتراك.

لا نكون مبالغين في الحقيقة إذا قلنا إن سلطان الشهور له متعة خاصة وفريدة في هذا البلد المسلم “تركيا”، حيث تتشابك فيه الثقافة مع التاريخ، وتمتزج فيه الأجواء الروحانية مع الفعاليات والتجمعات، وتكثر فيه الصدقات بشكل أكبر، ممَّا يخلق نوعاً من التلاؤم يتمنى الفرد من خلاله أن تكون الشهور كلها رمضان.

ولأنه شهر مميز تجد أن الأتراك يولونه اهتماماً لدرجة أنهم يستعدون له منذ النصف الثاني من شهر شعبان، حيث تجد حركة لافتة في الأسواق، يشتري الناس بعض المؤن والمعدّات الخاصة بالأطباق الرمضانية، ومن جهة أخرى تعكف البلديات على الاستعداد لبرامج الترفيه التي تُقام بعد الإفطار، كما تقوم الجمعيات الإغاثية بتوجيه طاقاتها لمساعدة الفقراء والمحتاجين.

أما المساجد فتتزين مناراتها بعبارات مكتوبة على لافتات ذات أسلاك ضوئية، وتتنوع هذه العبارات ما بين آيات وأحاديث وترحيب بشهر رمضان، ويعتبر عند الأتراك تقليداً عثمانيّاً عمره أكثر من 450 عاماً، ويسمّى “المحيا”.

وتستمر هذه الحركة الديناميكية التي تُشعرك بأنّ ضيفاً عزيزاً على وشك الوصول، حتى يحين آخر يوم من شهر شعبان، فتقام التراويح بعد صلاة العشاء في المساجد، استعداداً للدخول في أول يوم من أيام هذا الشهر، ومن اللافت أن المساجد في تركيا خلال شهر رمضان تشهد توافداً مميزاً للمصلين أكثر ممَّا هو عليه الحال في باقي الأوقات.

طبول المسحراتيّة

قبل ما يزيد على ساعة على الأقل من فجر رمضان، يبدأ المسحراتيّة الجوّالة مهمتهم في إيقاظ الناس إلى السحور، يتجولون بين الشوارع والأزقة يقرعون طبولهم التي يحملونها على أكتافهم، وهم يرتدون ملابس تقليدية عثمانية، ولا شك أن هذا المنظر يستهوي الكثير من الناس، حيث تجدهم يخرجون مع أطفالهم ينظرون من شرفة المنزل إلى المسحراتي وهو يقرع على طبله.

ويعود هذا التقليد إلى مئات من السنين، وهي عادة عثمانية في شهر رمضان، ومن المسحراتيّة من يوقظ الناس على السحور بمجرد قرع الطبول فحسب، ومنهم مِن ذوي الأصوات العذبة تجده يجود بأشعار من التراث ليضفي بعداً فنيّاً على هذه اللوحة الرمضانية.

مائدة السحور

تزدان موائد السحور في تركيا بأصناف من الأطعمة التي توجد عادة في وجبة الفطور، لكن مع وجود صنف إضافي لا بد منه في رمضان، ألا وهو “التمر”. فتجده يزيّن وجبات السحور والإفطار معاً طيلة شهر رمضان، ويكتسب بعداً دينيّاً في وجدان الأتراك، فقد كان طعاماً محبباً للرسول الكريم محمد، فضلاً عن فوائده الصحية المتعددة.

مائدة الإفطار الرمضانية في تركيا (Getty Images)

المدفع الرمضاني

بعد تناول السحور وشرب كميات جيدة من المياه، يستعد الصائمون في تركيا للإمساك عن الطعام والشراب، ومن العادات الرمضانية العثمانية المتوارثة منذ قرون “المدافع الرمضانية”، حيث يتولى الجيش مهمة إطلاق المدفع للإيذان بموعد الإمساك، وكذلك في المساء للإيذان بموعد الإفطار.

ولا شك أن المدفع الرمضاني يحمل قيمة تاريخية عريقة في أذهان الأتراك، تصل إلى نحو 7 قرون، لا سيما في مدينة إسطنبول حيث تُطلق المدافع من أقدم مناطقها كالفاتح والسلطان أحمد وتوب كابي.

مائدة الإفطار

تتزين موائد الإفطار التركية في شهر رمضان بعنصر “المقبّلات” التي تضم أشكالاً من الأطعمة الخفيفة التي تسبق الوجبة الرئيسية، مثل حبّات التمر والزيتون وقطع الجبن والخضراوات.

إلى جانب الحساء الذي لا بد من وجوده في وجبة الإفطار، ولا شك أن المطبخ التركي شهير بأنواع الحساء المتعددة اللذيذة التي لا يستغنى عنها الأتراك حتى في باقي أيام السنة، وليس في رمضان فحسب.

وكذلك “البيدا” وهي نوع من المعجّنات يؤكل بجانب الحساء، ويُباع في الأفران، وليس من العجيب أن ترى الناس مصطفة أمام الأفران قبيل أذان المغرب لشراء البيدا الساخنة ذات المذاق اللذيذ.

أما “الشربات” فهي نوع من المشروبات الباردة، تجد متاجر الأغذية تغص بها خلال شهر رمضان، حيث يستهلكها الأتراك بشدة، وهي أيضاً موروث عثماني قديم، وترتبط بشكل وثيق بشهر رمضان، كما أنها في التركية تُسمّى “ramazan şerbeti” أي مشروب رمضان. وهي عبارة عن مشروب محلّى بالسكر مع خليط من نكهات بعض الفواكه كالعنب والتوابل لا سيما القرفة.

وبعد تناول وجبة الإفطار الرئيسية التي تختلف من عائلة لأخرى، يأتي دور الحلوى التي لا بد منها، وعلى الرغم من أن البقلاوة التركية هي أول ما يتوارد إلى الذهن من أصناف الحلوى التركية، فإن هناك صنفاً خاصاً من الحلوى يطغى على سائرها خلال شهر رمضان، تجده مطلوباً بكثرة لدى متاجر الحلوى في تركيا، ألا وهو “الغولاتش” (Güllaç).

والغولاتش عبارة عن رقائق من نوع خاص من العجين، تدمج في الحليب وشيء من السكر، يُضاف إليها ماء الزهر، ممَّا يمنحها مذاقاً خاصّاً، وهي كذلك موروث عثماني كانت تزدان به موائد السلاطين العثمانيين في شهر رمضان بشكل خاص.

مظاهر رمضانية لا بد منها

إلى جانب الأجواء الممتعة التي تسر قلوب الصائمين في تركيا خلال رمضان، هناك مظاهر لا تقل متعة عن أصناف الأطعمة والأشربة التي تحدثنا عنها. ونستعرض أهم تلك المظاهر على النحو التالي:

وجبات الإفطار الجماعية في الشوارع

تجمّع الناس على موائد طويلة من أجمل ملامح رمضان في تركيا، حيث تنظم تلك الموائد الجماعية إمّا البلديات وإمّا أهل الخير الذين يتكفلون بإفطار الصائمين، وتشكل هذه الموائد لوحة جميلة من الألفة بين الناس.

الفعاليات المسائية

ومن أجمل ما يضفي على سلطان الشهور في تركيا متعة لدى الناس لا سيما الأطفال، فعاليات الترفيه الهادفة التي تقام بعد التراويح، وغالباً ما تنظمها البلديات.

وتتنوع هذه الفعاليات ما بين فرقة تعزف أنواعاً من الموسيقى الروحية أو العثمانية التراثية، إلى جانب مسابقات يتنافس بها الأطفال للإجابة عن أسئلة دينية أو تثقيفية.

أما الفعالية التي تستهوي قلوب الأتراك وتأخذهم نحو عالم بعيد، فهي الحوار الطريف الذي يدور بين شخصيتَي “كراكوز وحجي وات” (Karagöz ve Hacivat)، أو كراكوز وعيواظ كما يعرفهما العرب. وهو تقليد قديم منذ أيام العثمانيين، وفن يُعرف بخيال الستار، يدور بين كراكوز الشخصية المضحكة، وحجي وات صاحب المعرفة الذي يصوّب معلومات كراكوز دائماً، ضمن حوار سلس ممتع.

السلال الغذائية

وعلى جانب آخر، تبرز مساعدة الفقراء والمحتاجين كظاهرة منتشرة للغاية في تركيا خلال شهر رمضان، وما يضفي طابع التنظيم على هذه الظاهرة الحميدة هو تهيئة سلال غذائية مغلفة تباع في متاجر الأغذية، يشتريها ميسورو الحال لتوزيعها على المحتاجين من الناس.

وفي السياق ذاته، تنشط الجمعيات الإغاثية التركية وتعلن حالة تأهب فريدة في شهر رمضان، لإطلاق حملات التبرع بهدف مساعدة الفقراء، واللافت أن هذه المساعدات لا تقتصر على من هم في تركيا فحسب، بل تطرق أبواب المحتاجين في شتى دول العالم، لا سيما تلك التي تعاني من أوضاع إنسانية صعبة، فتجد المنظمات التركية الإغاثية تنشط فيها بكثرة، تمد لها يد العون، لتثبت أن المسلم بحق هو أخو المسلم.

محمد نور فرهود – TRT عربي

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: