د. منذر الحوارات
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

سقطة أم سقوط

د. منذر الحوارات
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

أسوأ ما يمكن ان تمر به أي دولة أو شعب هو الافتقار إلى الشفافية وغياب الصدق ، ففي مسيرة الحكومة للبحث عن الإنجازات تسعى بشكل مكشوف لكشط كل من يخالفها الرأي، في الأمس فقط فاحت رغبة الحكومة باحتكار الرأي بعد أن ضاقت ذرعاً بأي قول غير قولها، والأمر يتعلق بالحظر الجزئي ومدى تأثيره في الحالة الوبائية،  فرئيس لجنة تقييم الوضع الوبائي، والذي هو خبير وبائي، وبعض أعضاء اللجنة ومنهم د.عزمي محافظة كانوا يرفضوا هذا الخيار ويعتبرونه غير مستند إلى معايير علمية بل بالعكس يؤكدوا على وجود دراسة على أرض الواقع تثبت أن رأيهم هو الأصح، ويبدو ان هذا الموقف بغض النظر عن صحته خالف قناعة معالي وزير الصحة والمستندة الى أن لِحَظر اليوم الواحد والحظر الجزئي تأثير كبير في تحسن الوضع الوبائي وقدم مرافعات متعددة دفاعاً عن وجهة نظره هذه، ومع الإصرار المتبادل بين الطرفين وكون لجنة الأوبئة تتألف من أغلبية حكومية بالتالي يصعب على الطرف المستقل (غير الحكومي) من إقرار وجهة نظره، لجأ هؤلاء إلى الإعلام لمحاولة طرح قناعاتهم وكان على ما يبدو وسيلتهم الوحيدة لإجلاء موقفهم.

يبدو أن الأمور كانت تتفاقم في الخفاء إلى أن تفجرت الأزمة بإعلان مفاجئ لمعالي سعد الخرابشة رئيس لجنة تقييم الوضع الوبائي استقالته التي أكد فيها على الخلاف المذكور سابقاً ، وفي هذه الاستقالة شرح حجم الضغوط الحكومية لمنعه من التصريح بقناعاته فيما يتعلق بالحالة الوبائية بحجة أن أراء اللجنة يجب ان تتسق مع وجهة نظر الحكومة، بغثها وسمينها بغض النظر عن الحقيقة العلمية والنتائج على الأرض، وحسب رسالة الخرابشة بدء التصريح بهذه الرغبة الحكومية مع الوزير الأسبق معالي نذير عبيدات حيث كان الطلب ودياً، لكنه تحول إلى قرار واصطدام مع الوزير الحالي معالي د. فراس الهواري وهو ما دفع الوزير الخرابشة لاتخاذ القرار بالاستقالة.

ربما ليس الخلاف بحد ذاته هو المهم رغم خطورة نتائجه، لكنه يشير إلى حجم الإفلاس الحكومي في استخدام البنى المؤسسية والتي يفترض أنها أنشئت للتعامل مع الجائحة، ويظهر أيضا حجم الشخصنة للأمور فخلال الأزمة شهدنا ثلاث وزراء كلٌ منهم تبنى استراتيجيته الخاصة المستندة إلى قناعته وتجاربه، فالأزمة صَعّدت فجأة بأشخاص كُثر إلى مستوى صنع القرار بدون مقدمات إدارية أو سياسية مؤهِلة، الأمر الذي أدى لاتخاذ قرارات كارثية دفع ثمنها المجتمع، موتاً ومرضاً وخراب بيوت وانقطاع أرزاق، فهذه اللاخبرة أربكت المشهد العام وأفقدت من يُفترض بهم أن يكونوا صُناع السياسية صفة الشمولية والرؤية المتسقة مع المؤسسات التي يفترض أنها أُنشئت لكي تقدم لهم النصيحة وحصيلة الخبرة التي يتمتعون بها، فلجنة الأوبئة يُفترض أنها مستقلة ذات صفة استشارية تعمل بما يمليه عليها رأيها العلمي والأخلاقي والمصلحة العامة، ويبدو أن هذا الدور لم يروق للحكومة ولا لوزراء الصحة ، متناسين انه في اللحظات التاريخية قول الحق هو الطريق الأول للنجاح.

الأنكى من كل ذلك الرد الحكومي على لسان معالي وزير الصحة، إذ في اللحظة التي يتم فيها تداول نص رسالة الوزير الخرابشة والتي تتحدث بمنتهى الوضوح عن حجم التناقض بينه وبين الوزير، وجدنا وزير الصحة يتحدث بشكل يوحي بأن لا خلاف بل بالعكس قُدمت رسائل شكر للمستقيلين، هذا الكلام تم بينما قرأ رسالة الاستقالة ملايين الأردنيين، وعرفوا من خلالها حجم التنمر الحكومي على اللجنة، أليس هذا استخفاف بعقول الناس وذراً للرماد في العيون؟ ألا تشير هذه السقطة إلى حجم المأزق الذي تمر به الدولة ككل وليس الحكومة؟ إذ في كل أزمة تُفرخ الحكومات هيئات مستقلة بدون حساب وسرعان ما يُستغنى عنها وعن أدوارها وتصبح هياكل إدارية بدون أي فائدة باستثناء أنها تتحول إلى عبء مالي يرهق موازنة الدولة ويبقى السؤال لماذا أُنشئت أساساً؟

هذا التغاضي الحكومي المتعمد عن أبسط حق للمجتمع وهو معرفة ما يتعلق بشؤونه بشفافية وصدق، ترافق مع محاولة لرشوة وابتزاز الناس من خلال الوعد بأن الأسبوع القادم سيحمل مفاجآت، أي استخفاف هذا الذي نحن فيه؟  منذ متى يدار الشأن العام بالأحجيات؟ ألا يُفترض أن لدى الحكومة سياسة ثابتة تستند إلى معايير واضحة مبنية على أسس الواقع العلمي والاقتصادي؟ وما يخدم المصلحة العامة، وأياً تكن مفاجآت الحكومة أكانت تتعلق ببعض الانفتاح أو غيره، فمراوحة الحكومة في هذا المنطق يشير إلى قصور عميق في قراءة المشهد العام في ظل الجائحة، فالناس في طريقهم للتمرد على كل قرارات الحظر، يكفي لكي تتأكدوا من ذلك فقط القيام بجولة في أحياء عمان وفي القرى والمدن ستجدوا ان الحظر بدء يتحول يوماً بعد يوم إلى حالة رفض جماعية ينضم لها كل يوم مؤيودون جدد، وهذا الأمر خطير لن يتوقف صداه عند حدود الجائحة بل سيتعداه إلى ما هو ابعد من ذلك، وهنا تكون الطامة الكبرى، والخشية كل الخشية أن تكتشفوا ذلك بعد فوات الأوان فتتحول السقطات إلى سقوط في المستنقع الخطير.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts