سيارات فارهة ومطاعم 5 نجوم وحانات صاخبة.. الوجه الآخر لـ”سوريا الأسد”

سيارات فارهة ومطاعم 5 نجوم وحانات صاخبة.. الوجه الآخر لـ”سوريا الأسد”

 “إنهم لا يشتكون من شيء وكأنهم يعيشون على كوكب آخر. يطلبون الوجبات والشراب الفاخر بمختلف أنواعه، ويبدلون رؤوس النراجيل على مدار الساعة، ولا يغادرون إلا مع إعلاننا اقتراب موعد إغلاق المطعم”، يقول حمزة (23 عاما)، موظف خدمة في مطعم دمشقي، واصفا سلوك شريحة من زبائن المطعم الذي يعمل فيه وسط العاصمة السورية.

ويوضح، في حديث إلى الجزيرة نت، أن “أقل فاتورة يدفعونها، قبل مغادرتهم المطعم بسياراتهم الفارهة، تساوي 4 أضعاف راتبي الشهري”.

وبينما يعيش السواد الأعظم من السوريين تحت الحد الأدنى من مقومات الحياة، في ظل تفاقم الأزمات المعيشية والخدمية في مناطق سيطرة النظام، وتبخّر القدرة الشرائية لرواتبهم وسط انهيار متسارع في قيمة الليرة السورية، تعيش شريحة محدودة حياةً مترفة فيها من كل ألوان البذخ المادي الذي تنتشر أصداؤه على مواقع التواصل الاجتماعي لتثير بذلك جدلا بين السوريين.

فمن هي تلك الشريحة؟ وما النشاطات التي تقوم بها؟ وما مصدر أموالها؟

سهرات صاخبة

إلى جانب ارتيادهم اليومي للمقاهي والمطاعم ذات النجوم الخمس في دمشق ومحيطها، يواظب أفراد هذه الشريحة المُترفة على إقامة الحفلات والسهرات الصاخبة في حواضنها، من بارات وخمّارات وملاهٍ ليلية.

ويعد الشارع المستقيم في منطقة باب شرقي في دمشق القديمة من أكثر المناطق جذبا لهذه الشريحة؛ حيث الانتشار الكبير للملاهي الليلية والخمّارات على جانبي الشارع وفي حاراته الضيقة.

وتقول لورين (28 عاما)، تعمل في بار (خمّارة) بمنطقة باب شرقي، للجزيرة نت “نميّز في البار بين الزوار الشهريين والأسبوعيين، وبين أولئك المواظبين على المجيء إلينا يوميا، وهذا الصنف الأخير هو الذي نعتمد عليه في اختيار أجوائنا وتطوير العمل”.

وتضيف “نعتمد أنا وزملائي على الإكراميات (البقشيش) التي نحصل عليها من هؤلاء الزبائن اليوميين الذين يشترون أغلى أصناف المشروبات الكحولية المهرّبة”.

وعن خلفيات هذا النوع من الزبائن، تقول لورين إن “معظمهم من الشخصيات المعروفة في الأوساط العمومية والفنية، من تجار وممثلي دراما تلفزيونية وشخصيات نافذة في الدولة، بالإضافة إلى عدد من الشباب الذين ينحدرون من عائلات ثرية”.

وتشير مجموعة من العاملين في البارات والملاهي الليلية في منطقة باب شرقي، الدمشقية العتيقة، إلى الحفلات الخاصة التي ينظمها أفراد هذه الشريحة بين حين وآخر، التي تتراوح تكاليفها بين 3 و4 ملايين ليرة (بين 476 و634 دولارا)، وهو ما يعادل 25 إلى 35 ضعف متوسط رواتب معظم السوريين، والبالغ 150 ألف ليرة (23 دولارا).

سيارة بملياري ليرة!

كانت قد بيعت سيارة “أودي” كهربائية، طراز 2022، بمزاد حكومي في دمشق بـ2.5 مليار ليرة (450 ألف دولار، بحسب سعر صرف سابق)، في ديسمبر/كانون الأول الماضي لشخص يُدعى رؤوف.

وانتشر مقطع فيديو من المزاد للحظة بيع السيارة، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة شح محروقات متفاقمة تسببت في شلل المواصلات في العاصمة وريفها، مما أثار سخط السوريين وغضبهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتساءل كثير من السوريين، على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، كيف لهم أن يجمعوا مبلغ 2.5 مليار ليرة بينما رواتبهم لا تتجاوز عتبة 200 ألف ليرة (31 دولارا)؟

وعلى الرغم من العقوبات المشددة التي تحول دون استيراد معظم البضائع، تغصّ بعض الأحياء الراقية في دمشق واللاذقية بسيارات حديثة الطراز، ينشر صورها محبو السيارات على مواقع التواصل.

وعن الشريحة القادرة على شراء سيارات حديثة الطراز في ظل الأزمة المعيشية الطاحنة التي يعيشها السوريون، يقول الباحث والخبير الاقتصادي السوري عادل العوا إن “معظم أفراد هذه الشريحة إما أن يكونوا من أمراء الحرب الذين ظهروا خلال السنوات العشر الماضية واقتنصوا فرصا ذهبية للتقرب من بعض أطراف الصراع والانخراط في أعمال تجارية وعسكرية معها، وإما أن يكونوا من الواجهات الاقتصادية التي اختارها النظام لتنوب عنه في أعماله داخل البلاد وخارجها، كرجل الأعمال سامر الفوز وسابقا رامي مخلوف”.

ويضيف “هناك أيضا أصحاب المناصب الحكومية والرتب الأمنية والعسكرية من الفاسدين القادرين على المجاهرة بامتلاكهم هذه الأموال، لذا فإنهم يُقدمون على شراء السيارات والمطاعم ويستثمرون أموالهم في شركات من دون أي تحفّظ أو تخفٍّ”.

وكان بعض السوريين وجّه، في منشورات على مواقع التواصل، انتقادات لاذعة لمستشارة الرئيس السوري لونا الشبل عندما افتتحت مطعما فخما لتقديم الطعام الروسي وسط العاصمة دمشق منتصف العام الماضي.

وجدد السوريون انتقاداتهم للمستشارة مع إعلان مطعمها “ناش كراي” عن تنظيمه غداءً بمناسبة ميلاد السيد المسيح عليه الصلاة والسلام يوم 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي بتكلفة 200 ألف ليرة (31 دولارا) للشخص.

مواكبة العصر رغم الانهيار

على الرغم من الأزمات الخانقة التي يعاني منها السوريون في مناطق سيطرة النظام، حيث يرزح 90% منهم تحت خط الفقر بينما يعاني 80% من انعدام الأمن الغذائي، فإن الكثيرين من أفراد هذه الشريحة لا يتوانون عن نشر صورهم التي تعكس حياتهم المترفة على مواقع التواصل. وهو سلوك يرى سالم (41 عاما)، كاتب وصحفي من دمشق، أنه “وقاحة مستفزة تؤجج غضب السوريين وتتناقض مع الخطاب السياسي والإعلامي الذي يعمل النظام وزبانيته على ترويجه بمفردات عفا عليها الزمن، كالصمود والمواجهة”.

وعن تفسيره لهذا السلوك يقول سالم، في حديثه للجزيرة نت، “أعتقد أن كثيرين من هؤلاء لا يعنيهم ما يقاسيه السوريون عموما، كما أنهم يتأثرون بما يشاهدونه من صيحات العصر على مواقع التواصل، وتحدوهم رغبتهم في مواكبة هذه الصيحات إلى تجاهل كل الاعتبارات الأخرى التي قد تضر بهم وبمن يوالونه”.

وينشر فنانون ومسؤولون ومقربون من النظام صورا لاحتفالاتهم وجولاتهم السياحية ونشاطاتهم الباذخة بشكل مستمر على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يثير سخط السوريين وسخريتهم.

الجزيرة نت

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: