ضحايا التعذيب.. قصورٌ في التشريعات وأرقام “الوطني لحقوق الإنسان” غير واقعية

ضحايا التعذيب.. قصورٌ في التشريعات وأرقام “الوطني لحقوق الإنسان” غير واقعية

المحامية ليلى عطا لـ “البوصلة”: العدد الحقيقي لقضايا التعذيب في السجون أكبر بكثير

عمّان – خاص – البوصلة

أكد المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريره السنوي السابع عشر لحالة حقوق الإنسان في الأردن للعام 2020، أنه تلقى ما مجموعه 37 شكوى تضمّنت الادّعاء بالتعرض للتعذيب وسوء المعاملة على أيدي موظفي إنفاذ القانون والإدارات الأمنية المختلفة، منوهًا إلى أن هذا الرقم أقل من نصف شكاوى العام 2019 التي بلغت 98 شكوى.

وقال المركز في تقريره إن العام 2020 لم يشهد أيّ تطورٍ تشريعيٍ على المنظومة القانونية لمناهضة التعذيب، ما أدّى إلى استمرار إشكاليات أساسيةـ تتمثل في القصور في تجريم التعذيب وإمكانية شمول جريمة التعذيب بأحكام التقادم والعفو، والملاحقة الجزائية في شكاوى التعذيب، وإشكالية تعويض ضحايا التعذيب.

الأرقام الحقيقية للتعذيب أكبر بكثير

وأكدت المحامية والحقوقية ليلى عطا في تصريحاتٍ لـ”البوصلة” أنّ الأرقام التي أوردها تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان حول توثيق حالات التعذيب لا تعكس الواقع الحقيقي بل إنها لا تمت له بأي صلة؛ مشددة في الوقت ذاته على أنّ الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير ويثبته الواقع اليومي الذي يطّلع عليه المحامون في هذه القضايا ولم يتم توثيقه من قبل الجهات الحقوقية في الأردن.

كما انتقدت ليلى عطا عدم استجابة المركز الوطني لحقوق الإنسان عندما تواصلت بقضايا التعذيب شخصيًا أو من خلال موكليها مباشرة، قائلة: “جربنا في أكثر من قضية وشكوى التواصل مع المركز الوطني لحقوق الإنسان ولم يكن هناك أي نتيجة أو رد”.

وتابعت بالقول: “بآخر شكوى قدمتها بشكلٍ شخصيٍ لم أجد أي تجاوبًا أو ردًا من المركز الوطني لحقوق الإنسان، وحين طلبت من بعض الموكلين التواصل المباشر مع المركز لم يستطيعوا الحصول إلا على معلومات قليلة جدًا حول صحة وسلامة موكليهم خاصة في قضايا أمن الدولة”.

وأشارت عطا إلى أن حالات الضرب والتعذيب متكررة وكثيرة جدًا سواءً في قضايا المخدرات أو القضايا والجنح الجزائية وحتى في الجنح البسيطة.

مثل ما أخذناك بنرجعك

بهذه الكلمات: “مثل ما أخذناك بنرجعك”، كشفت المحامية ليلى عطا جزءًا من شهادة موكليها حول تعرضهم للضرب والتعذيب من أجهزة إنفاذ القانون، والمعنى أنه لا يعرض على النائب العام ولا يقابل محاميه أو أهله “إلا بعد زوال آثار التعذيب”.

وعلقت عطا على ذلك بالقول: “طبيعي جدًا أنهم يقولون للموقوفين (مثل ما أخذناك بنرجعك)، حتى عندما يطول شعر رؤوسهم في الحجز يقومون بقصه وإعادته مثل ما كان، وحين كان يرفض بعض الموقوفين في أمن الدولة قص شعرهم كانت الجهات المختصة تصرّ على حلق شعرهم وإعادته مثل ما كان، قبل أن يمثل أمام القاضي، حتى تظهر الجهات الأمنية بصورة مثالية وأنّ مدة التوقيف لم تكن طويلة وأن كلّ شيء متوفر للموقوفين، وأنهم لم يتعرضوا لأي نوع من الضرب أو العذيب أو الإهانة”.

وأوضحت أن أغلب من يتعرضون للضرب والتعذيب من الموقوفين تكون خلال “مراحل التحقيق الأولى”، منوهة إلى أن تلك الفترة  يمنع المحامي من مقابلة موكله، إلا حينما يحين وقت عرضه على المدّعي العام، بعد أن تكون زالت كل آثار التعذيب.

ونوهت عطا إلى أن ما يجعل إمكانية توثيق حالات التعذيب قليل جدًا، إلا في الحالات التي تسمح بها الأجهزة المختصة للجهات الحقوقية أو المركز الوطني لحقوق الإنسان لزيارة الموقوف المعني بهذه القضية وتوثيق حصول اعتداء أو تعذيب وضرب له، مستدركة بالقول: “هذه هي البينة الوحيدة التي لدى المحامي للاستناد عليها”.

وشددت على أن القصور هنا ليس في التشريعات وحسب في قضايا توثيق حالات التعذيب؛ بل في الإجراءات لا سيما وأنه لا يؤخذ بشهادة الأهالي والموقوفين في توثيق حالات التعذيب والضرب.

طرق ملتوية لإخفاء التعذيب ورسائل بعدة اتجاهات  

وأوضحت عطا أن لدينا إشكالية في توثيق حالات التعذيب تتمثل في “أن الموقوف الذي يتعرض للتعذيب لا يستطيع إثبات من هو الشخص الذي ضربه ولا تستطيع تقديم شكوى ضد الجهاز بأكمله، فالقانون لا يسمح لنا برفع قضايا ضد أجهزة إنفاذ القانون وإن كانت مخطئة”.

وقالت: نحن كمحامين في حال حصل اعتداء على موكلك تحاول قدر الإمكان الوصول إلى اسم الشخص الذي ضربه أو عذبه، وإن كان هناك محاكمة أمام محاكم عسكرية بصرف النظر أين حصلت، يجب أن تحصل على قرار الحكم وتلجأ للمحاكم النظامية للمطالبة بالتعويض، إذا كان القرار يتضمن الإدانة.

ووجهت المحامية ليلى عطا عدة رسائل  لأصحاب العلاقة من شأنها أن تسهم بالحد من حالات التعذيب وجعل التقاضي والحصول على تعويض ممكنًا لمن يتعرضون للإساءة بما يخالف حقوق الإنسان.

وأشارت عطا إلى أن أولى هذه الرسال للقضاء الحر، الذي يمكن أن يغير من إجراءاته عند التعاطي مع مثل هذه القضايا، ويتمثل ذلك بقبول شهادة الشهود مثل الوالد والوالدة والإخوة خلال عمليات التوقيف وتفتيش البيوت لما يرونه بعينهم من إجراءات مخالفة لحقوق الإنسان، أو القبول بشهادة الموقوف.

ونوهت إلى ضرورة أن يكون هناك رقابة حقيقية على أجهزة إنفاذ القانون، وهذه الرسالة الثانية بحسب عطا، موضحة في الوقت ذاته أنه يتم التحايل على القانون بقضايا التعذيب بطرق ملتوية يتفقون عليها فيما بينهم، فعلى سبيل المثال: يحقق شخص مع الموقوف، ويضربه أو يعذبه شخصٌ ثانٍ، فيما الذي يوقع على محضر التحقيق شخصٌ ثالث لا يعرفه.

وأضافت أن “المحكمة تستجوب الشخص الثالث الذي وقع محضر التحقيق وهو بالفعل لم يضربه. ولذلك يجب أن تأخذ المحكمة بشهادة الموقوف والبحث عن الشخص المعني بحادثة الضرب والتعذيب وإحضار كل من له علاقة للشهادة”.

وقالت عطا: عندما نقدم “طلبات اعتراض” في مثل هذه القضايا لإثبات هوية الشخص الذي قام بالتعذيب، ترفض المحكمة ذلك، فيما تقوم محكمة التمييز بالمصادقة على الإجراءات بأنّه من حق المحكمة أن لا تستمع لباقي المعنيين في حادثة الضرب أو التعذيب، وأن تستمع فقط لمن وقّع على التقرير.

وشددت في رسالته الثالثة على أنه يجب أن يكون هناك عقوبات رادعة للمتجاوزين على حقوق الإنسان داخل أجهزة إنفاذ القانون،  مؤكدة في الوقت ذاته على أنه يجب بمرحلة متقدمة يمكن أن تكون صعبة المنال، أن تعاقب الجهات المقصرة بقضايا التعذيب بصفتها الاعتبارية ويتمكن كل مواطن من مقاضاتها.

وأوضحت أنه يجب أن يكون هناك عقوبة على أي جهة مقصرة سواءً كانت قضائية أو حكومية وأن يوقع عليها عقوبة، وأن يستطيع المتعرض للضرر أن يقاضي الجهة بصفتها الاعتبارية بأكملها ليكون له الحق بعد ذلك في الحصول على التعويض.

وختمت المحامية ليلى عطا تصريحاتها لـ “البوصلة” بالقول: على سبيل المثال عندما يتعرض أردني للظلم ويوقف عامان أو ثلاثة أعوام وتكون نتيجة الحكم “براءة” في النهاية، من يعوض هذا المتضرر، وعندما يتعرض أردني للضرب من أحد منتسبي أجهزة إنفاذ القانون ظلمًا، ألا يجب أن تكون هناك جهة مسؤولة عن تعويضه وحفظ حقه؟

الوطني لحقوق الإنسان يطالب بمنح المحاكم النظامية الحق بنظر “قضايا التعذيب”

من جانبه أكد المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريره السابع عشر أن اعتبار جريمة التعذيب جريمة جنحوية يفضي إلى نتائج قانونية مغايرة لمبدأ الملاحقة وفقًا لاتفاقية مناهضة التعذيب التي ألزمت بعدم سقوطها بالتقادم أو العفو.

وأضاف أن الواقع العملي أثبت أن إسناد الاختصاص للنيابة العامّة الشرطية والمحاكم الخاصة (غير النظامية) للتحقيق والنظر في شكاوى التعذيب يؤدي إلى اعتبار هذه الأفعال مخالفات مسلكيّة أكثر منها أفعالًا جرمية، مما يعني ضرورة توافر الاستقلالية والحياد من حيث الشكل والمضمون في الأجهزة التي تتولى النظر والتحقيق في هذه الجرائم.

وطالب بضرورة منح النيابة العامة والمحاكم النظامية دون غيرها الاختصاص النوعي بالنظر في قضايا التعذيب لضمان مقاضاة مرتكبي هذه الجرائم وإدانتهم.

ورأى المركز أن استمرار قصور التشريعات الوطنية في نطاق تعويض ضحايا التعذيب ماديّاً ومعنويًا، وذلك لخلوّ النصوص التشريعية من النّص على حقهم في التعويض صراحة، إذ إن ترك ذلك للقواعد العامّة لا يفي بصور التعويض الواردة في اتفاقية مناهضة التعذيب، وإن التعويض بحسب المعايير الدولية يشمل إعادة تأهيل الضحايا نفسيًا وجسديًا، ويشمل كذلك ضمان: عدم تكرار الفعل، والاعتذار للضحية، والترضية بمفهومها الواسع الذي قد يشمل التعويض المادّي والمعنو وغيره من وسائل الترضية.

من الجدير بالذكر أن الحق في السلامة الجسدية وعدم التعرض للتعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة يعتبر مدأ دستوريًا، كما كفلت المعايير الدولية هذا الحق، باعتباره حقا مرتبطًا بالكرامة الإنسانية، بالإضافة إلى أن الأردن صادق على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لسنة 1984 ونشرها في الجريدة الرسمية، وبالتالي أضحت جزءًا من المنظومة القانونية الوطنية، بحسب ما ورد في التقرير السابع عشر للمركز الوطني لحقوق الإنسان 2020.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: