أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

عن هزيمة مرشّحين للكونغرس مؤيدين للحق الفلسطيني

أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

أفضت نتائج بعض الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي إلى خسارة مرشّحين فيه عضوية الكونغرس من المؤيدين للحقوق الفلسطينية، أو ممن يتبنّون مواقف معتدلة، نوعاً ما، في هذا السياق، بمعنى غياب الانحياز الأعمى إلى إسرائيل. أهم ثلاث شخصيات خسرت: النائبة ماري نيومان، في شهر يونيو/ حزيران الماضي، وتمثل الدائرة الثالثة في ولاية ألينوي. النائبة السابقة، دونا إدواردز، الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، في انتخابات الدائرة الرابعة بولاية ميريلاند. وقبل أيام، النائب آندي ليفين ممثل الدائرة العاشرة في ولاية ميشيغان. خسارة الثلاثة، وغيرهم، كانت نتيجة مباشرة لعشرات ملايين الدولارات التي ضخّتها لجان سياسية انتخابية كبرى (Super PAC’s) تتبع منظمات صهيونية أميركية، وتحديداً لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك). وقد دفعت هذه النتائج المنظمات الصهيونية إلى التباهي بما زعمته انتصارات، أو كما قال باتريك دورتون، المتحدّث باسم “مشروع الديمقراطية المتحدة” (United Democracy Project)، وهي واحدة من أعتى اللجان السياسية الانتخابية التابعة لـ “إيباك”: “من الواضح تماماً أن كونك معادياً لإسرائيل سيكون له تأثير سلبي بترشّحك”. لكن، ما مدى دقة هذا الادعاء؟

بداية، ينبغي وضع الأمور في إطارها الصحيح. أولاً، الحديث هنا عن انتخابات تمهيدية داخل الحزب الديمقراطي، وليس عن انتخابات عامة بين ديمقراطيين وجمهوريين وغيرهم. ثانياً، في حالتي نيومان وليفين، وهما عضوان حاليان في مجلس النواب الأميركي، جاءت خسارتهما على خلفية إعادة رسم الدوائر الانتخابية في ولايتيهما، وهو ما وضعهما في منافسةٍ مع زميلين آخرين لهما من الحزب الديمقراطي في مجلس النواب. ولو لم يكن هناك إعادة رسم للدوائر الانتخابية في ولايتيهما، لكانا مؤهلين لربح الانتخابات العامة، فدائرتاهما الانتخابيتان تعتبران آمنتين بالنسبة إلى الديمقراطيين. ثالثاً، وهو الأهم، أنه لا في حالة نيومان ولا إدواردز ولا ليفين، كان سبب خسارتهم المباشرة الموقف من فلسطين والاحتلال الإسرائيلي. بل لم تأتِ الدعايات الممولة من اللجان السياسية التابعة للمنظمات الصهيونية ضدهم على ذكر هذه المسألة أبداً، فهم يعلمون أنها لا تعني الكثير بالنسبة إلى الناخب الديمقراطي، هذا إن لم تكن ذات أثر عكسي، وهو ما ستوضحه هذه المقالة.

من الأمور المعروفة بداهة أن المال عصب الانتخابات الأميركية، بكل مستوياتها، محلية أو ولائية أو فيدرالية. يكفي أن تعلم، حسب تقرير لموقع OpenSecrets.org، أن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 كلفت الحملتين الجمهورية والديمقراطية 6.6 مليارات دولار، فيما بلغت تكلفة انتخابات الكونغرس سبعة مليارات دولار. من ثمَّ، يملك المرشّح الذي يجمع مالاً أكثر فرصاً أكبر للفوز، فهو أقدر على الدعاية والإعلان وبناء فرق انتخابية تعمل على الأرض. هذا بالضبط ما حصل في الانتخابات محل النقاش هنا. مثلاً، لجنة “مشروع الديمقراطية المتحدة” صرفت، وحدها، في هذه الانتخابات 26 مليون دولار على مرشّحيها، هذا عدا عن عشرات الملايين من الدولارات من لجان سياسية صهيونية أخرى.

قد يقول بعضهم إن هذا دليل على قوة المنظمات الصهيونية. هو كذلك، ولكن ليس بالمطلق. أن تضطر هذه المنظمات إلى أن تنفق هذه المبالغ الطائلة لهزيمة مرشّحين تعتبرهم غير موالين لإسرائيل، فإن في هذا إشارة إلى تغيير حاصل في ديناميكيات الساحة السياسة الأميركية. وكلنا يذكر كيف أن التيار التقدّمي في الحزب الديمقراطي رفع من سقف الخطاب الناقد لإسرائيل العام الماضي، خلال العدوان على قطاع غزة، وكيف تمكّن أعضاء في هذا التيار في الكونغرس من تعويق تقديم مزيد من الدعم العسكري الأميركي لها بعض الوقت. كان هذا أمراً غير مسبوق في تاريخ العلاقة الأميركية – الإسرائيلية التي هي في جوهرها علاقة تواطؤية.

ليس هذا فحسب، فكما سبقت الإشارة، لم تأتِ الأموال التي أنفقتها المنظمات الصهيونية لاستهداف المرشحين الناقدين لإسرائيل أبداً على ذكر مواقفهم تلك، ولهذا تفسير منطقي. إذ تفيد استطلاعات الرأي المتواترة المعتبرة بأن ثمَّة تحولاً تدريجياً داخل الحزب الديمقراطي ضد إسرائيل، وميلاً أكبر إلى التعاطف مع الفلسطينيين. مثلاً، أظهر استطلاعان للرأي أجرتهما جامعة ميرلاند في شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران الماضيين وجود فجوة واسعة بين أعضاء الحزب الديمقراطي من ناحية، ومواقف غالبية ممثلي الحزب في الكونغرس، وإدارة بايدن الديمقراطية، من ناحية أخرى، في ما يتعلق بالسياسة الأميركية تجاه “الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني”. في هذا السياق، قال معظم الديمقراطيين إن إدارة بايدن تميل نحو إسرائيل أكثر مما يميلون هم نحوها (26% مقابل 3%)، وكذلك الأمر مع ممثلي حزبهم في الكونغرس (33% مقابل 3%). أبعد من ذلك، وجد استطلاع مايو/ أيار الماضي أن نسبة كبيرة من الديمقراطيين، وتحديداً بين الشباب منهم، تريد أن تنحاز الولايات المتحدة إلى الفلسطينيين أكثر من انحيازها إلى إسرائيل.

تدرك المنظمات الصهيونية ولجانها السياسية الانتخابية هذه الحقائق، ولذلك ركّزت جهودها على هزيمة المرشحين الديمقراطيين المؤيدين للحقوق الفلسطينية في الانتخابات التمهيدية داخل حزبهم، وليس في الانتخابات العامة، حيث من الصعب تصوّر أن يصوّت الديمقراطيون لمرشح جمهوري في الانتخابات العامة، مهما بُذِلَ من أموال هنا. وكما أوضحت المقالة هنا، لم يكن الموقف مع الحقوق الفلسطينية ومن الاحتلال الإسرائيلي أبداً جزءاً من الدعاية السلبية ضد المستهدفين بها.

ومع ذلك، رغم تحقيق المنظمات الصهيونية نجاحات معتبرة في هذا الصدد، إلا أن ثمنها المستقبلي قد يكون كبيراً عليها، وذلك لعدة أسباب. أولاً، إن الأموال الطائلة التي أنفقتها هذه المنظمات لإطاحة مرشّحين تقدميين أثارت حنق الأخيرين وغيرهم في الحزب الذين رأوا في ذلك نوعاً من ممارسة التنمّر عبر “مال أسود”، جاء أغلبه من متبرّعين جمهوريين ومحسوبين على الرئيس السابق، دونالد ترامب. وقد انعكس ذلك في مطالب متصاعدة داخل الحزب الديمقراطي بمنع أموال اللجان السياسية في أي انتخابات تمهيدية مستقبلية. ثانياً، ساهم التدخل الصهيوني الفجّ في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين في توسيع الشرخ داخل الحزب بين مؤيدي إسرائيل والناقدين لها. ثالثاً، ترتب عن ذلك شرخ آخر داخل المجتمع اليهودي الأميركي وداخل الحركة الصهيونية الأميركية نفسها، وتحديداً لناحية من هو الصهيوني. فليفين، مثلاً، يهودي ينتمي إلى عائلة سياسية نافذة في ولاية ميشيغان، وكان رئيساً سابقاً لكنيس، وهو يعرّف نفسه صهيونياً، وكان مدعوماً من منظمة “جي ستريت”، وهي منظمة صهيونية ليبرالية مقابل “إيباك” اليمينية. وكان ليفين قد قال قبل أسبوع من الانتخابات التمهيدية: “أنا يهودي حقاً، لكن إيباك لا تستطيع تحمّل فكرة أنني أوضح وأقوى صوت يهودي في الكونغرس يقدّم اقتراحاً بسيطاً مفاده: لا توجد طريقة للحصول على وطن آمن وديمقراطي للشعب اليهودي ما لم نحقق الحقوق السياسية والإنسانية للشعب الفلسطيني”.

باختصار، قد تكون المنظمات الصهيونية الأميركية حققت نجاحاتٍ معتبرة في المعركة الانتخابية الديمقراطية الحالية، ولكنها لم تكسب الحرب. من ناحية، هي لم تستطع أن تطيح مرشّحين آخرين مؤيدين بقوة للحقوق الفلسطينية، كأعضاء مجلس النواب: رشيدة طليب، وإلهان عمر، وبيتي ماكالوم، وإندريه كارسون، وكوري بوش وإلكساندريا أوكازيو كورتيز. وكانت المرشّحة التقدمية سمر لي قد تمكّنت من كسب الانتخابات التمهيدية الديمقراطية مرشحة لمجلس النواب الأميركي عن الدائرة 12 في ولاية بنسلفانيا، رغم دعم المنظمات الصهيونية لمنافسها. ومن ناحية ثانية، يرى بعضهم، ومنهم منظمة “جي ستريت” أن مقدار الفجاجة في التدخل في الانتخابات التمهيدية على أساس الموقف من إسرائيل سيجعل من الأخيرة قضية أكثر خلافية، ومسبّبة للشقاق، وسيقلص من دائرة المتعاطفين معها، ما دام التعاطف، في مقاربة المنظمات الصهيونية اليمينية، يعني الوقوف في صفها من دون إبداء أي تحفظات. أضف إلى ذلك أن تاريخ “إيباك” والمنظمات الصهيونية اليمينية المتواطئ مع دونالد ترامب جعل منها، في وعي أميركيين كثيرين، عنصرية وبغيضة، وهذا ينسحب على إسرائيل بطريقة أو بأخرى.

في المحصلة، المعركة أبعد من أن تكون حسمت لمصلحة المنظمات الصهيونية، ولكن هذا يعتمد، أيضاً، على قدرة أنصار الحق الفلسطيني على تنظيم أنفسهم وتسخير مواردهم بشكل صحيح لمؤازرة حلفائهم.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts