“غرف قرطاج المظلمة”.. هل ينجح سعيّد بإحكام قبضته أم يطيح به العسكر

“غرف قرطاج المظلمة”.. هل ينجح سعيّد بإحكام قبضته أم يطيح به العسكر

عمان – البوصلة

تتوالى الأحداث السياسية في تونس وتزداد تعقيدًا، فيما يرى العالم كيف يُحكم قيس سعيّد قبضته على حكم تونس في كل قراراته وخطواته المثيرة للجدل وآخرها “الإستشارة الإلكترونية” التي أثارت موجة من السخرية في مواقع التواصل الاجتماعي ورفضًا من قبل المعارضة التونسية.

لكن المتتبع للأحداث في تونس وأحاديث المراقبين والمهتمّين بالشأن التونسي يشهد حالة انفضاضٍ كبيرة من حول الرئيس قيس سعيّد حيث شهدت الدوائر المقربة منه استقالات متتالية وكان أكثرها صخبًا استقالة مديرة ديوان الرئاسة عكاشة والتسريبات التي رافقتها عن خلافاتٍ كبيرة مع “عكسر تونس” الذين يرفضون “حتى اللحظة” تكرار “سيناريو السيسي” الذي تبنّاه قيس سعيد بقراراته وخطاباته الصادمة فور عودته من زيارة لمصر.

ومهما بلغت قوة قيس سعيّد وسطوته في إحكام قبضته على كرسي الحكم بتونس، إلا أن ما بعد الانقلابات في أيّ بلدٍ كانت تحكمه مدى استجابة “المؤسسة العسكرية” لقادة الانقلابات، الأمر الذي يظهر في المشهد التونسي على تناقض كبير كشفته الخلافات الأخيرة بين مؤسسة الرئاسة والجيش التونسي، فهل بدأت المؤسسة العسكرية بتونس ترتيبات مرحلة ما بعد قيس سعيد، أم أنّ الأخير سينجح في الاستمرار بحكم تونس من “غرف قصر قرطاج المظلمة”.

ويرى مراقبون أن جهات دولية قد تكون مشاركة في هذه الترتيبات، على الرغم من أن تلك الدول قبل الانقلاب باركت انقلاب قيس سعيد وخاصة السيسي في مصر وماكرون في فرنسا، وآخيرًا أمريكا التي وافق رئيسها ضمنًا بشرط الحفاظ على الحقوق والحريات وعدم القمع أو حل الأحزاب وتقديم “خارطة طريق” خلال شهر، وهي المهمّة التي ما زال يفشل قيس سعيّد بالوفاء بها.

 ولم يعلم أحدٌ حقيقة ما جرى في اللقاء الذي جمع السفير الأمريكي في تونس دونالد بلوم بوزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين، الذي قالت السفارة الأمريكة إنه جاء لمناقشة الجهود الأخيرة لمكافحة الإرهاب ومشاريع التعاون الأمني ​​المستمرة التي تعكس الهدف المشترك المتمثل في تطوير أمن مواطني فعال، والتشديد على أهمية احترام الحقوق والحريات الأساسية لجميع المواطنين.

المعارضة ترفض نتائج الاستشارة

ورفضت المعارضة التونسية الأرقام التي قدمها الرئيس قيس سعيد كـ”نتائج أولية” للاستشارة الإلكترونية والتي لم يمضِ سوى أسبوعين على انطلاقها، معتبرة أنها تؤكد أن سعيد يتّبع أسلوب الرئيس السابق زين العابدين بن علي للبقاء طويلا في الحكم.

وقال الرئيس قيس سعيّد، خلال لقائه الخميس الماضي مجلس وزاري في قصر قرطاج، إن النتائج الأولية للاستشارة الوطنية تؤكد أن “82 في المئة من التونسيين يفضّلون النظام الرئاسي، فيما صوت 92 في المئة على سحب الثقة من نواب البرلمان المجمدة أعماله، كما عبر 89 في المئة عن عدم ثقتهم في العدالة، ووافق 81 في المئة على نظام الاقتراع على الأفراد (النظام القاعدي)”.

الغرف المظلمة وجرائم الانقلاب

يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد هنيد أن آخر جرائم الانقلاب في تونس قد انكشفت يوم عيد الثورة في الـ14 من يناير الماضي حين قمعت قوات الأمن بأمر منه آلاف التونسيين الذين خرجوا للاحتفال بعيد الثورة وسقط منهم الجرحى واستشهد المناضل “رضا بوزيان” تحت ضربات بوليس الانقلاب.

وفي مقالة له في صحيفة “عربي21” اللندنية بعنوان “غرف تونس المظلمة”، يقول هنيد: لقد صار القصر الرئاسي غرفة سوداء مظلمة تُرتّب فيها تفاصيل الانقلاب وتحاك فيها مراحل تفكيك المنجز الثوري وتخاط فيها أثواب الدستور الجديد والأوامر الرئاسية العليّة وتحدد فيها قوائم المشمولين بغضب الزعيم الجديد أو المحاطين برعايته وعطفه. 

وأكد أن انقلاب تونس لن يخرج عن منوال الانقلابات العربية على مدار تاريخها الحديث حين يبدأ قائد المغامرة بالتخلص من أعوانه ومساعديه واحدا تلو الآخر لأنهم الوحيدون العالمون بخبايا الجريمة ووحدهم القادرون على فضحها. وليس أدلّ على ذلك في تاريخ تونس الحديث من انقلاب بورقيبة على حكم البايات حين بدأ في التخلص من رفاقه في النضال بالاغتيال والقتل والتهجير والتعذيب والنفي حتى يخلو الجوّ للمجاهد الأكبر زعيما أوحدَ دون غيره.

وأضاف هنيد لم يبق اليوم إلى جانب المنقلب إلا عائلته المقرّبة ومجموعة العناصر والأبواق الذين نالوا النصيب الأوفر من مراكز السلطة والقرار بتوصية من العائلة نفسها في مشهد يعيد إلى الأذهان سطوة حكم العائلة في السنوات العشر الأخيرة من دولة بن علي.

وتابع بالقول: في المقابل تتسّع دائرة المعارضين للانقلاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مع تحرّك القوى الحقوقية من محامين وقضاة ونشطاء مدنيين، خاصة بعد حملات الاعتقالات العشوائية التي طالت الجميع وما صاحبها من قمع وحشي أعاد إلى الأذهان صورة البلاد في زمن الاستبداد. هكذا تقف تونس اليوم في انتظار ساعة الحسم الأخيرة بين الفريقين مع اشتداد الأزمة الاجتماعية واستفحال الغلاء وبلوغ البلاد مرحلة الإفلاس المعلنة، ولن يكون أمام الجميع من مخرج عقلاني يوفر على المجتمع والدولة انزلاقات كارثية إلا بعودة الشرعية وعودة البرلمان والدستور ومحاكمة الانقلابيين.

المحلل السياسي المصري الدكتور محمد الجوادي، يقول في تغريدة له: “اذا قابل وزير الداخلية التونسي السفير الامريكي، فاعلم ان قيس ترقى من جاويش الي باشجاويش”.

سخرية من نتائج الاستشارة

أما الإعلامي الدكتور عزمي بشارة، فيقول في تغريدة له: ما أسماه قيس سعيد استشارة ألكترونية، ليس استشارة، بل هو “استطلاع رأي” غير منضبط بمعايير الاستطلاع من النوع المنتشر على الانترنت من دون عيّنة، لا مفحوصة ولا عشوائية، ولا تعرف له إدارة علمية محايدة. استطلاع من نوع مفصل للحصول على الأجوبة التي يريد. وهذه بحد ذاتها ممارسة استبدادية.

الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة، يقول في تغريدة له: ابتسم مع الدكتاتور المستجد! قيس سعيّد يقول إن 82% من المواطنين أكدوا دعمهم للنظام الرئاسي خلال الاستفتاء الإلكتروني. 92% مع سحب الثقة من البرلمان المجمّد. 89% أكدوا عدم ثقتهم في منظومة العدالة. 81% مع تولي الدولة إدارة الشؤون الدينية. كأنه نبي مرسل، وليس كائنا محدود الإمكانات.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: