رصد تقرير لصحيفة “الغارديان”، ترجمته “عربي21″، رد الفعل الغاضب من العراقيين على العفو الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن المتورطين من شركة “بلاك ووتر” بمذبحة “ساحة النسور” في بغداد.
وأصدر ترامب عفوا عن أربعة من الذين أدينوا عام 2014 بارتكاب المذبحة التي قتل فيها 14 مدنيا، من بينهم طفل في سن التاسعة، وأثارت المذبحة (عام 2007) غضبا حول اعتماد القوات الأمريكية المحتلة على المرتزقة.
وهؤلاء الأربعة هم بول سلاو وإيفان ليبرتي وداستن هيرد ونيكولاس سلاتين، وقاموا بفتح النار من رشاشاتهم وأطلقوا القنابل اليدوية ورصاص القناصة على أناس عزل كانوا في ساحة النسور.
وكانت المذبحة هي أدنى نقطة وصل إليها الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العراق.
ورأى الكثير من العراقيين الإدانة بأنها “مناسبة نادرة يتم فيها تحميل مواطنين أمريكيين مسؤولية الجرائم التي ارتكبت أثناء الغزو وبعده”.
ووصف مواطنون تحدثت إليهم صحيفة “الغارديان” تصرف ترامب بعفوه عن القتلة قبل رحيله عن البيت الأبيض، بأنه “صفقة قاسية” وإهانة.
وقال عادل الخزعلي، الذي قتل والده في الهجوم، بأنه صدم من الأخبار، وعلق: “لا وجود للعدالة، وأطلب من الأمريكيين الوقوف معنا. فقدت والدي ومات الكثير من النساء والأطفال الابرياء أيضا”.
وأضاف: “أطلب من الحكومة الأمريكية إعادة النظر بالقرار لأن هذا قرار المحاكم الأمريكية التي ستفقد مصداقيتها. ولا حق لترامب في العفو عن قتلة الأبرياء”.
من جانبه، قال الباحث حيدر البرزنجي إن “ترامب لا حق له بالتقرير نيابة عن عائلات الضحايا والعفو عن المجرمين وهو مضاد لحقوق الإنسان والقانون. وفي القانون العراقي لا يتم العفو عنهم إلا إذا قررت العائلات العفو. وأشجّع عائلات الضحايا على تقديم طلب ضد ترامب عندما تبدأ إدارة بايدن”.
وقال الناشط في مجال حقوق الإنسان في تغريدة: “لا أزل أتذكر أستاذي في مجال أمراض الدم بجامعة بغداد الذي أصيب في الحادث مع عائلته، وعندما استعاد حياته واكتشف أن زوجته وابنيه قتلا في ساحة النسور كاد أن يفقد عقله”.
وأضاف: “كان أحد الأسباب لمواصلة الحياة هو شجب القتلة. والشخص الذي يعفو عن القتلة هو مجرم. وعلى الحكومة العراقية أن تطلب من إدارة بايدن إلغاء العفو”.
وجاءت المذبحة بعد أربعة أعوام من الاحتلال الأمريكي للعراق، والذي أدى إلى حرب طائفية شرسة وجعلت السكان ساخطين من مواكب الشركات الأمنية التي كانت تسيطر على حركة الشارع بحسب ما تريد، وتطلق النار على السيارات التي تقترب من الموكب.
وكان المتعهدون الأمنيون الذين كانوا يدعمون العمليات اللوجيستية أو الجيش الأمريكي مصدر شكوى جراء تصرفاتهم وعدم احترامهم للسكان.
وقال ريبال منصور الذي سمع عن المذبحة في ساحة النسور في 16 أيلول/ سبتمبر 2007 وركض إلى مكان الحادث: “كنا نخاف منهم، خاصة بلاك ووتر”، مضيفا أن “ما شاهدته ظل يلاحقني للأبد، وكان على القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية عدم الإفراج عنهم باعتبارهم خطا أحمر، وهذا عار”.
وأدين سلاو وليبرتي وهيرد بارتكاب عدد من الجرائم ومحاولة القتل غير العمد، ولكن سلاتين الذي بدأ بإطلاق النار أدين بالقتل العمد، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة. أما الثلاثة الباقون فصدر عليهم حكم بالسجن لـ30 عاما لكل واحد.
وفي البداية رفض قاض فيدرالي الاستماع للقضية، لكن نائب الرئيس في حينه جو بايدن وعد بجلسة استماع أخرى، نجحت عام 2015.
وقال مساعد لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إن موضوع العفو “سيكون أول شيء ستناقشه معه” إدارة بايدن.
وبعد صدور الحكم على المقاتلين الأربعة، قال مكتب المدعي العام الأمريكي في بيان له إن “مدى الخسارة الإنسانية التي لا داعي لها والمعاناة الإنسانية التي تسبب بها السلوك الإجرامي للمتهمين في 16 أيلول/ سبتمبر 2007 كان مذهلا”.
وبعد قرار العفو الذي أعلن عنه ليلة الثلاثاء، قال بريان هيبرليغ محامي بول سلاو، إن موكله وزملاءه “لم يكونوا يستحقون السجن ولو دقيقة واحد وغمرتني المشاعر وهذه أخبار رائعة”.
وجاء العفو ضمن قرارات للرئيس ترامب شملت عددا من المقربين له والجنود الأمريكيين.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي عفا عن قائد عسكري أمريكي كان سيقدم للمحاكمة لقتله أفغانيا يشتبه بصناعته متفجرات. وعفا عن جنرال أمريكي آخر أدين بإصدار أمر لجنوده بإطلاق النار على ثلاثة أفغان.
وقام الداعمون للمتعهدين الأمنيين بحملة ضغط واسعة، وجادلوا بأن الحكم الصادر عليهم مفرط جدا.
لكن المدعين ضد المتعهدين الذين كانوا يعملون في “بلاك ووتر” و”وورلدوايد”، أكدوا أن الرجال المدججين بالسلاح مع قافلة “ريفن 23″، قاموا بإطلاق النار بدون داع واستخدموا القناصة والرشاشات وقاذفات القنابل اليدوية.
ودافع محامو المتهمين عن أن موكليهم ردوا على النار بعدما تعرضوا لكمين من المتمردين العراقيين. لكن الحكومة الأمريكية أصدرت مذكرة بعد صدور الحكم قائلة: “لم يكن أي من الضحايا مسلحا أو شكل خطرا على قافلة ريفن23”.
واشتملت المذكرة على تصريحات من أقارب الضحايا بما فيهم محمد كناني، الذي قتل ابنه علي البالغ من العمر 9 أعوام، وقال حينها: “لقد غير ذلك اليوم حياتي للأبد، ودمرني ذلك اليوم بالكامل”.
وتضمنت المذكرة اقتباسا من العقيد الأمريكي المتقاعد ديفيد بوسليغو الذي قال إن المذبحة هي تعبير عن “استخدام مفرط وصارخ للقوة، وغير متناسب بشكل صارخ، ومن كيان كان عمله توفير الحماية لشخص كان في السيارة المصفحة”.
وقال بوسليغو إن الهجوم “ترك أثرا سلبيا على مهمتنا وأثرا خطيرا. وأدى لتوتير علاقتنا مع الرأي العام العراقي”.
ووصف فريق مكتب التحقيقات الفيدرالي (أفي بي آي) الذي زار مكان الحادث في الأيام التالية الحادث بأنه “مذبحة ماي لاي العراقية”، في إشارة للمذبحة سيئة السمعة التي ارتكبتها القوات الأمريكية في ماي لاي بفيتنام، والتي وجهت فيها الإدانة لجندي واحد.
وأدت المذبحة إلى منع الحكومة العراقية شركة “بلاك ووتر” من العمل في العراق، مع أنها واصلت العمل حتى 2009 حيث توقفت الخارجية الأمريكية عن التعاون معها لتوفير الأمن.
وقطع إريك برينس مؤسس “بلاك ووتر” العلاقة معها رغم استمراره في العمل في الميدان، وأنشأ جيشا من المرتزقة في الإمارات ونشر في اليمن.
وظلت “بلاك ووتر” التي أعيدت تسميتها إلى “أكاديمي” تحظى بعقود من الخارجية والبنتاغون لحراسة المنشآت الأمريكية في محاور الحرب وتدريب القوات المسلحة.
أما أسماء الضحايا في مجزرة ساحة النسور فهم: أحمد هيثم أحمد الربيعي، محاسن محسن كاظم الخزعلي، أسامة فاضل عباس، علي محمد حافظ عبد الرزاق، محمد عباس محمود، قاسم محمد عباس محمود، سعد علي عباس الكرخ، مشتاق كريم عبد الرزاق، غانية حسن علي، إبراهيم عبد عياش، حمود سعيد عبطان، عدي إسماعيل إبراهيم، مهدي صاحب ناصر وعلي خليل عبد الحسين.
وقبلت عائلات الضحايا تعويضات بـ50,000 عن كل جريح، و100,000 عن كل قتيل. وكان هيثم الربيعي الذي فقد زوجته محاسن، دكتورة، وابنه أحمد، 20 عاما، الوحيد الذي رفض المال الأمريكي.
وقال زميل دراسي سابق لأحمد الربيعي، إن عفو ترامب ليس مفاجئا للعراقيين؛ “لم يعاملنا الأمريكيون أبدا بمساواة”، مضيفا أنه “بالنسبة لهم فدمنا أرخص من الماء ومطالبنا بالحرية والمحاسبة هي مجرد إزعاج”.
(عربي21)
