فتح ملف السجناء الأبرياء والانتهاكات في سجون العراق بعد تداعيات كورونا

فتح ملف السجناء الأبرياء والانتهاكات في سجون العراق بعد تداعيات كورونا

جددت تداعيات انتشار وباء كورونا في العراق، المطالبات بإطلاق سراح المعتقلين في سجون الحكومة والميليشيات، الذين مضى على الكثير منهم، سنوات وأغلبهم من دون سند قانوني، خوفا من وقوع ضحايا كثيرة بينهم بسبب المرض، وسط دعوات إلى إنهاء ملف الاعتقالات العشوائية أو غير القانونية والانتهاكات المستمرة التي تقع في السجون ضد المعتقلين والسجناء، بالتزامن مع الإعلان عن حالات موت عدد من السجناء جراء التعذيب مؤخرا.

وتدرس حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة حاليا، امكانية إصدار عفو يسعى لإطلاق سراح بعض المعتقلين في السجون المكتظة، وذلك جراء الضغوط السياسية والشعبية والدولية على الحكومة، لانقاذ الآلاف من المعتقلين والسجناء في السجون الحكومية ومعتقلات الميليشيات، لتجنب كارثة انتشار مرض كورونا بينهم، حيث تفتقد السجون للشروط الصحية المناسبة، إضافة إلى كون الكثير من السجناء والمعتقلين تعرضوا إلى الظلم والابتزاز والتعذيب.

وقد أرسل رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي توصية إلى رئيس الجمهورية برهم صالح، بإصدار عفو خاص عن المحكومين لتفادي انتشار وباء كورونا بين السجناء.

واقترح أن يشمل العفو الخاص بعض السجناء فقط ممن (أكمل نصف مدة محكوميته أو من تَبقّى على مدة محكوميته أقل من سنة أو المحكوم عليه بمدة سنة فأقل) واستثنت التوصية المحكومين بارتكاب الجرائم الدولية، والإرهابية، والماسّة بأمن الدولة المنصوص عليها في قانون العقوبات، والإتّجار بالبشر، أو حيازة واستعمال الأسلحة الكاتمة للصوت والمفرقعات، والفساد المالي والإداري، وجرائم تهريب المسجونين والمحبوسين أو المقبوض عليهم، والاغتصاب واللواط والزنى بالمحارم، والإتجار بالمخدرات، وغسيل الأموال، وجرائم الخطف، والاختلاس وسرقة أموال الدولة، وإهدار المال العام عمدا ما لم يُسدّدْ ما في ذمته من أموال قبل إطلاق سراحه، وجرائم تهريب الآثار، وتزييف العملة، وتزوير المُحرّرات الرسمية التي أدت إلى حصول المزور على درجة مدير عام فما فوق.

انتقادات شديدة

ونظرا لكون قضية السجناء والمعتقلين في العراق معقدة وتمتد لسنوات طويلة، دفعت منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية وقوى سياسية، إلى توجيه انتقادات شديدة لسجل الحكومة العراقية والميليشيات، بسبب الانتهاكات الجسيمة التي تجري في السجون العراقية ضد معتقلين وسجناء تم اعتقالهم لأسباب سياسية وطائفية غالبا، وإجبارهم على الاعتراف تحت التعذيب، بجرائم لم يرتكبوها، إضافة إلى تعرض المعتقلين للابتزاز وسوء المعاملة والتعذيب وغيرها من الانتهاكات.

دعوات

وفي ظل تصاعد المخاوف من تفشي وباء كورونا في السجون التي تعج بالمعتقلين، في ظل ضعف الرعاية الصحية فيها، فقد تجددت الدعوات لإطلاق سراح بعضهم وخاصة من الذين مرت سنوات على اعتقالهم من دون صدور أحكام ضدهم، أو ممن تم اعتقالهم لأسباب سياسية وطائفية، أو من أجل الابتزاز المالي والسياسي.

وفي هذا الصدد دعا رئيس جبهة الانقاذ والتنمية اسامة النجيفي، رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، في رسالة عاجلة، إلى إطلاق مبادرة إنسانية بشأن النزلاء والموقوفين لإطلاق سراحهم في ظل انتشار جائحة كورونا وتأثيراتها الكارثية على الشعب العراقي. وناشد النجيفي، أن يتضمن العفو “خمس حالات منها الايعاز بالإفراج فورا عن جميع الأشخاص الذين صدرت في حقهم قرارات الإفراج ولم يطلق سراحهم حتى الآن، والإفراج عن الأشخاص الموقوفين الذين لم تصدر في حقهم أحكام بكفالة ضامنة وإصدار عفو خاص باستثناء الجرائم الدولية وجرائم (داعش) وشمول المحكومين المستحقين بالإفراج الشرطي وحسم قضايا المحكومين المشمولين بقضايا العفو العام رقم 27 لسنة 2016 من قبل لجان العفو وإطلاق سراحهم”.

وفيما طالب رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، بأن ينال ملف المعتقلين الأبرياء ما يستحق من اهتمام ورعاية، وأن على “الدول والحكومات أن تسارع في الأزمات باتخاذ خطوات عاجلة حفاظاً على حياة أبنائها” فإن عضو مجلس النواب ليث الدليمي، شدد على “إطلاق سراح السجناء الأبرياء وإعادتهم إلى عوائلهم في ظل الدعوات العديدة لإطلاق كل الموقوفين من دون دليل وشمول فئات أخرى بعفو عام لمنع كارثة في السجون في حال تسلل فيروس كورونا إليها”.

واشتركت نقابة المحامين العراقيين في الحملة، محذرة من كارثة اكتظاظ السجون، ومطالبة بإصدار عفو عن السجناء، بالتزامن مع لقاء رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان بمبعوثة الأمم المتحدة جينين بلاسخارت والسفير الأمريكي في العراق، لبحث سرعة حسم قضايا الموقوفين والسجناء، وإخراجهم من السجون خوفا من انتشار كورونا بينهم.

انتقادات قانون العفو

ورغم أن قانون العفو الذي اقترحته الحكومة لم يصدر حتى الآن، إلا أن انتقادات شديدة وجهت له، نتيجة الثغرات الكثيرة التي تضمنها المشروع، مع اتهامات باستفادة الفاسدين منه أكثر من الأبرياء.

فقد انتقد القيادي في تحالف القوى السنية هيبت الحلبوسي، مقترح العفو الخاص، وطالب بإعادة المحاكمات للسجناء والمتهمين بدلاً من عمليات “الترقيع”. وقال الحلبوسي في تغريدة عبر “تويتر” إن “هذا ليس بعفو؛ بل (ترقيع) فالقصد من إصدار العفو هو تقليل الزخم داخل السجون لحماية آلاف الأرواح من شبح الموت والكارثة الإنسانية لا سمح الله، فهل المحكوم الذي أمضى نصف المحكومية سوف يصيبه الفيروس والذي لم يمضِ تلك المدة لا؟ أليس هناك شعور بالإنسانية تجاه آلاف المظلومين؟” وطالب بـ”إعادة المحاكمات، لأنها جرت في ظروف غير طبيعية، وإعادة النظر في ظروف وأوضاع المحكومين داخل هذه السجون”.

واستنكرت عشائر “المجمعي” بني جميل في محافظات العراق، بدورها الانتهاكات المرتكبة بحق “السجناء الأبرياء الذين يقبعون في السجون منذ سنوات بسبب وشاية المخبر السري سيئ الصيت والحقد الدفين والفساد المالي والابتزاز من بعض ضباط التحقيق، والتي وصلت إلى انتهاك الأعراض والشرف والاغتصاب مع بعض حالات المعتقلين الذين انتزعت الاعترافات منهم بالتعذيب والإكراه وأصبحوا ضحية الإهمال والإذلال والأعمال المشينة التي يتلقاها السجناء بصورة عامة في العراق وسجن الحوت في الناصرية على وجه الخصوص”. وشدد بيان العشائر على انتقاد “تقصير إدارة سجن الحوت في الناصرية والذي أطاح بأبنائنا الأبرياء العزل القابعين في سجون الذل والإهانة بذمة المخبر السري والتفرقة العنصرية الطائفية المقيتة التي أتى بها المحتل الأمريكي وأذنابه وبعض ضعفاء النفوس المريضة من السياسيين الذين حكموا العراق بعد الاحتلال الأمريكي والتي أودت بمقدرات العراق وأبنائه البررة لمنعهم من أخذ موقعهم الحقيقي في البناء والعمران والتطوير”.

وأضاف البيان “اليوم إذ يواجه العراق والعالم جائحة كورونا، فإن الحكومة العراقية ترفض إصدار قانون العفو العام عن السجناء المظلومين والمتهمين زوراً وبهتانا وبطرق تعسفية والذين أنهوا سنوات طويلة من محكومياتهم، وسط اعتراف كل المسؤولين العراقيين بعدم امكانية المؤسسات الصحية لمواجهة وباء كورونا لقلة الامكانيات المتاحة للتصدي له ان اجتاح السجون العراقية المكتظة بنزلائها”.

أما “المجلس الموحد لعشائر العراق” (السنية) فقد انتقد قانون العفو، مؤكدا “أن عدم شمول أولادنا الذين غدر بهم المخبر السري وعدم العفو عنهم، هو ليس عفوا بل هو مكرمة للصوص والفاسدين وتجار المخدرات”.

ومن جانبه، حدد القاضي رحيم العكيلي بعض نقاط الخلل في مقترح العفو الخاص التي تستدعي مراجعتها، أبرزها، أنه شمل جرائم سرقة أموال الدولة والاختلاس وإهدار المال العام عمدا، إذا سدد ما بذمته من أموال قبل إطلاق سراحه، في حين أن الجرائم الثلاث أعلاه هي من جرائم الفساد حسب نص المادة (1) من قانون هيئة النزاهة رقم 30 لسنة 2011 المعدلة بقانون التعديل الأول، وجرائم الفساد من الجرائم التي لا يجوز أن يصدر بها عفو خاص وفق المادة 73/أولا من الدستور”.

أما في النقطة الأخرى فقال العكيلي إن “المقترح ساوى بين الجرائم الخطيرة (الجنايات) وبين الجرائم البسيطة (الجنح) وساوى بين الجرائم العمدية والجرائم غير العمدية (جرائم الخطأ) كما أن مقترح القانون ساوى بين البالغين والأحداث”.

موت سجناء تحت التعذيب

وفي شأن ذو صلة، تواصلت الانتقادات ضد انتهاكات الأجهزة الأمنية الحكومية ضد المعتقلين والسجناء، وآخرها مقتل عدد من السجناء في السجون جراء التعرض للتعذيب.

فقد استنكر بيان لعشائر “المجمعي” موت ابنها السجين غسان شهاب احمد المجمعي و6 سجناء آخرين، في سجن الحوت سيء الصيت في الناصرية جنوب العراق. وأدانت العشيرة “إبقاء الأبرياء ضحايا المخبر السري وفساد ضباط التحقيق في السجون واعتماد التصفية الجسدية لعدد منهم وهم أبرياء” مستنكرة “تصفيتهم بهكذا طريقة واستغلال ذريعة الأمراض حجة واهية وضعيفة، فيما هم ماتوا تحت ضغينة حقد وكراهية” محملة الجهات المسؤولة عن سجن الحوت، المسؤولية الكاملة عن وفاة المذكور وآخرين. وأشار البيان إلى أن التبليغ عن وفاة غسان المجمعي جاء من خلال “ثلاث قصص متناقضة ومختلفة الأقوال والأحداث، الأمر الذي يجعلنا أن نتهمهم بهذا الاتهام المباشر”.

وكان “المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب” منظمة مستقلة، قد اتهم الأجهزة الأمنية الحكومية والميليشيات، بعمليّات تصفية لمعتقلين داخل السجون العراقية، فضلا عن خطط لإخراج موقوفين متهمين بالانتماء لتنظيم “الدولة” الإسلامية، مقابل أموال. وأشار المركز إلى مقتل 6 سجناء في سجون الحكومة مؤخرا، بينهم غسان المجمعي، الذي ظهرت آثار التعذيب على جسمه، إضافة إلى تعرض ناشط التظاهرات جسام آل قاسم إلى تعذيب ممنهج أثناء اعتقاله.

ورغم الأوضاع المزرية وضعف الرعاية الصحية في السجون الحكومية ومعتقلات الفصائل المسلحة، ورغم الانتقادات الواسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية للانتهاكات وغياب الشفافية في مبررات الاعتقالات وأساليب التحقيق، والدعوات لإطلاق سراح الأبرياء، إلا أن الحكومات المتعاقبة بعد 2003 كانت ترفض الاستجابة لهذه المناشدات والدعوات، لأسباب سياسية وطائفية. ويبدو أن ظهور وباء كورونا وضعف قدرة الحكومة على التعامل مع المرض في السجون المكتظة بالسجناء، قد يكون فيه حبل النجاة لبعض المعتقلين الأبرياء، مع توقع أن يكون المستفيد الأكبر من قانون العفو هم الفاسدون وتجار المخدرات ومختلسو الأموال العامة الذين يدفعون الأموال الطائلة لإطلاق سراحهم.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: