فيلم سيدي نجيب يعرض سيرة الشهيد البطاينة بمقاومة الاستعمار في ليبيا (شاهد)

فيلم سيدي نجيب يعرض سيرة الشهيد البطاينة بمقاومة الاستعمار في ليبيا (شاهد)

البوصلة – عرض فيلم سيدي نجيب الوثائقي الذي تم عرضه أمس الجمعة، على خشبة مسرح جامعة اليرموك سيرة الشهيد البطل الأردني “نجيب سعد العلي البطاينة” الذي استشهد في ليبيا خلال مقاومة الاستعمار الإيطالي.


وعرض الفيلم برعاية محافظ اربد رضوان العتوم، ضمن احتفالية اربد عاصمة الثقافة العربية، وأخرجه ناجي سلامة وكتبت نصه عايدة الأمريكاني.
وسلط الفيلم الضوء على الرحلة النضالية للشهيد البطاينة، الذي عرف في ليبيا باسم “نجيب الحوراني” الذي يعد واحدا من أبز وألمع قادة المقاومة في ليبيا وخاض معارك جمة ضد الاستعمار الإيطالي واستشهد عام 1914.


يذكر أن الشهيد نجيب البطاينة ولد عام 1882 في منطقة البارحة غرب مدينة اربد وتخرج من الكلية العسكرية في اسطنبول برتبة ضابط وتميز بالحنكة والقيادة والتخطيط الاستراتيجي للمعارك.
وعرف عن والده الشيخ سعد العلي البطاينة، المواقف الوطنية والقومية، بالإضافة إلى دوره الاجتماعي وهو ما تأثر به الشهيد نجيب في مواقفه من الاستعمار الغربي للدول العربية آنذاك.


من جهتهما، قال اللواء المتقاعد أحمد جمال البطاينة، والمشرف العام على الفيلم وصفي الطويل البطاينة، إن الشهيد نجيب قدم نموذجا متميزا في القومية العروبية ومقاومة المحتل أينما كان على الأرض العربية وحمل إرثا تاريخيا سارت العديد من الشخصيات الوطنية على نهجه وضحت بدمائها على كل الأرض العربية، مثمنا جهود وزارة الثقافة والمكتب التنفيذي لاحتفالية اربد عاصمة الثقافة العربية وفريق العمل والداعمين لإنجاز الفيلم.

تلقى المجاهد نجيب بن سعد البطاينة العلوم الأساسية القراءة والكتابة في مكتب القرية لتعليم القرآن ثم انتقل إلى مدرسة إربد الابتدائية بعد ذلك سافر إلى دمشق ليكمل دراسته في مدرسة عنبر.

وفي عام (1901) إستأذن والده بالسفر إلى الأستانة لمتابعة دراسته في الكلية العسكرية وتخرج برتبة ملازم ثان وذلك عام (1905) بعدها تابع أمور البادية والحدود والمناطق الصحراوية ، وبدأ عمله الوظيفي كقيمًّ للحج ومرافقاً لأمير الحج ثم نقل إلى الفرقة (14) والتي تتواجد في سوريا ولبنان والأردن.

وقد تحدث المؤرخ قائلاً: كانت سرية المجاهد نجيب سعد العلي البطاينة متمركزة في قرية (المزة) وفي عام (1910) التحق مع سريته إلى اليمن لإخماد ثورة الإمام يحيى وبعد التفاهم مع الإمام يحيى انسحبت القوات العثمانية من اليمن وتوجهت إلى جبهة جديدة ساخنة في ليبيا وكان ذلك عام (1911) للمشاركة في الحرب الدائرة مع الجيوش الإيطالية الغازية ، وكان برفقة القائد عزيز علي المصري ، والقائم مقام علي خلقي الشرايري وحصل أن تنازلت الحكومة التركية عن ولايتي طرابلس وبني غازي إلى الجيوش الإيطالية بموجب معاهدة أوشي فانتقل المجاهد إلى هضبة (برقة) وقد كان لهذه المنطقة قيمة روحية وسياسية إذ أنها موطن السنوسية وزعيمها النشط الشيخ أحمد الشريف.

ويضيف المؤرخ قائلاً: في عام (1909) انتسب إلى الجمعية القحطانية ، وهي جمعية سرية أسسها المناضل سليم الجزائري ، وقد ضمت عدداً من الضباط العرب ، وقد عمل على تعزيز المفهوم القومي في نفوس وذاكرة الضباط والجنود العرب.

وأثناء وجوده في طرابلس كان من أكثر الضباط حماسة للقتال وكان يقول: جنود الطليان جبناء المهم في الأمر الصمود وتزويدنا بالإمدادات العسكرية.

تعرض لمحاولة الاغتيال بالسم وذلك عام (1913) وقد كتب الأديب الراحل يعقوب العودات عن محاولة الاغتيال في كتابة (القافلة المنسية) قائلاً: أعطوا للخادمة علبة صغيرة فيها (سم) لترشه على الطعام ولما عاد نجيب إلى منزله مع رفاقه وبدأوا بتنظيف السلاح تناول بعضاً من الطعام المسموم ، فأوشك على الموت ، فعرف نجيب أن في الأمر ما يبعث على الريبة ، ونالت الخادمة جزاءها إذ قتلها أحدهم.

ويتابع حديثة قائلاً: وفي عام (1913) اشترك في أهم وأقوى المعارك مع الغزاة في موقعة (محروقة) وكان يقودها من الجانب العربي المجاهد محمد بن عبد الله اليوسفي ومن الجانب الإيطالي الجزال (مياني) وقد استغرقت المعركة خمس ساعات اتسمت بالعنف وقتل عدد كبير من الضباط (الطليان) ويقول خليفة محمد التليسي في كتابة: (معجم معارك الجهاد في ليبيا): إنها معركة من أهم معارك الجهاد إذ تصدى المجاهدون لقوات مياني الإيطالي ، وكان مياني قد اصطدم مع المجاهدين في معركتين (الشب) و(اشكدة).

ويضيف قائلاً: خاص المجاهد نجيب البطاينة عدة معارك أهمها معركة (الشلظمية) و(الكردايسي) وقد جرح في المعركة الأولى وخاض المعركة الثالثة في زاوية (مسوس) ودخل نجيب المعركة الثالثة وهو جريح ولم يثنه ذلك عن واجب الجهاد وفي هذه المعركة استشهد البطل العربي وروى بدمائه الطاهرة الجبل الأخضر.

وقد عبر الشعب الليبي عن مقدار اعتزازهم بهذا المجاهد المقدام بأن أطلقوا اسم نجيب الحوراني (نجيب بن سعد العلي البطاينة) على العديد من الشوارع في ليبيا وعلى مناطق مختلفة.

وفي ذلك تحدث المؤرخ قائلاً: يضرب المثل ببطولته وتضحيته كما يضرب المثل بالحزن عليه ويقولون هناك كما ذكر الدكتور عارف البطاينة: أنت تبكين فلان وكأنه نجيب الحوراني ، وأضاف: بكاه الشعب الليبي ولم يحزن المجاهد أحمد السندسي كما حزن عليه وقال المجاهد شكيب أرسلان: لم يحزن أحمد الشريف السنوسي على أحد حزنه عليه الباهر شجاعته وشديد إخلاصه وكان السنوسي يكتب لي من الجبل الأخضر وافر الثناء عليه ، وقال اللواء علي خلقي الشرايري باستشهاد نجيب رفيق السلاح ورفيق المهمات الصعبة خسرت حركة النضال العربي أشجع الشجعان وفارس الفرسان وحرمنا من أفكاره واجتهاداته العسكرية وروحيته القتالية.

وقد تحدث الدكتور عارف البطاينة قائلاً: عندما كنت وزيراً للصحة عزمت على زيارة ليبيا وهناك تم استقبالي بحفاوة كبيرة وأمر الرئيس معمر القذافي بنقلي بطائرة خاصة لزيارة ضريح أخي الشهيد نجيب البطاينة وذلك تكريماً لذكراه الطيبة ، وهكذا فقد استحق المجاهد الشهيد نجيب بن سعد العلي البطاينة لقب أول شهيد عربي على التراب الليبي.

إن الكلام في (نجيب بن سعد العلي البطاينة) إذا طال يحلو ويعذب النفوس التي عرفته وما عرف فيه ، وعنه إلا الإخلاص العميق لقضية الإنسان العربي وقضايا المجتمع العربي بكافة أشكالها وأنواعها… إذا كان من الصعب الإحاطة في شخصية المجاهد نجيب بن سعد العلي البطاينة صفاته ومزاياه كلها فإننا لا نملك إلا أن نستذكر جملة من مزاياه التي جعلته نموذجاً وطنياً قومياً وإنساناً مؤثراً


انه الشهيد نجيب سعد باشا العلي البطاينه

ولد في قرية البارحة اربد في الشمال الأردني وسقط شهيداً في الجنوب الشرقي الليبي، فالبطولة لها أشكالها وأنواعها، ولها زمانها ومكانها، فرسم لوحة على جدار الزمن ليتحدث التاريخ عن البطولة والأبطال، وعن أحرار الأردن الذين سقوا بدمائهم الزكية شجرة الحرية في ليبيا واليمن، وفلسطين والعراق، وسورية، و الجزائر …

نعم إن أردت أن تعرف شعباً من الشعوب فعليك أن تتعرف على رجاله، لأن هذه الرموز هي التي تخوض معركة الحياة بخيرها وشرها، وهي التي تصنع التاريخ للأمة، وهي التي أسهمت في إضاءة الدروب للأجيال الصاعدة والمتجددة في وطننا، وهي التي صاغت البيان التحريضي لنهضة الأمة، وهم الذين علمونا الوعي بثقافة المقاومة .


ونجيب البطاينة من هؤلاء الرجال الأبطال الذين أضاءوا أفق الرؤية، وكان لـه شرف بلورة الهوية القومية من أجل بناء وطن كانت رؤاه الوحدوية منطلقة في الدفاع عن العروبة في كل بقعة من بقاع الوطن العربي.


قد تختلف العوامل التي تصنع الرجال، إلا أنها تشترك في استحالة تحقيق هذا الرجل أو ذاك دون رصيد حقيقي من مواقف وأقوال وأفعال ومنجزات يسجلها لـه التاريخ ويتحدث عنها البعيد والقريب، وذاكرة أبناء الأردن من الرعيل الأول والثاني والثالث تحتفظ بالكثير من الأحداث وصناعة الفعل الثوري والجهادي.

تروي حكايا هذا المجاهد المعتز بعروبته وإسلامه.
قاد شهيدنا البطل نجيب البطاينة فصائل المقاومة الشعبية الليبية عندها لم يكن مباهاة لتعزيز الهيبة ولا ترفاً لصيد الرجال، وإنما كان دفاعاً عن قدسية الأرض وكرامة الإنسان العربي، فقد صاغ خطابه الجهادي وفق معطيات مرحلته بكل تحولاتها العميقة وتحدياتها الخطرة، ومستجداتها الصعبة بتفكير ثاقب، ووعي ناضج متمسكاً بفكر المقاومة الشعبية مع القوى الوطنية الليبية ممثلاً بالمجاهدين: أحمد الشريف ومحمد المهدي، ومحمد بن عبد الله، وغيرهم من أبطال المقاومة الليبية الذين كان وإياهم يعبرون عن مجمل الشعور الجمعي لرسالة النضال المكونة في ذاكرتهم وهم يقارعون الغزاة وأعداء الوطن والأمة.


معركتي الشلظيمية والكردايسي

عندما تصبح المقاومة ثقافة للشعب الباحث عن الحرية والاستقلال، ينتصر التحدي بإرادة الصمود، ويهزم العدو مهما كانت قوته العسكرية، ويقهر جيشه القادم من وراء البحار لاستعمار الشعوب ونهب ثرواتها وإذلالها، وعندما يصبح قرار المقاومة بأيد أمينة ومؤمنة، يكون الانتصار حتمياً مهما طال الزمن، ومهما كثرت المعارك ومواقع التحرير..


هكذا كان شعبنا العربي الليبي البطل في صراعه مع الاستعمار الإيطالي ولمدة عشرين عاماً (1911- 1931م)، وهكذا كان (نجيب) سيفاً من سيوف المقاومة الليبية، وما سيوف (محروقة) إلا امتداد طبيعي لسيوف الشلظيمية والكردايسي، ومسوس، لأن مسافات الجغرافيا قصيرة بينها ومتقاربة على مسرح الأرض والزمن، مؤكداً على هذه الرموز المترابطة التي تلخص وتوجز أهداف المقاومة السامية وهي تنتقل من حال إلى حال وكلها كتبت بالدماء، وبالبذل السخي والفداء لطرح الدخيل الوافد من روما وبروجيا وغيرهما من مستعمرات الاستعمار الإيطالي.


لم تقف القوى الشعبية الليبية على ناصية التاريخ متفرجة، بل كانت منذ تأسيس مقاومتها تمخر عبابه فاعلة متفاعلة، خاضت غماره ممتطية صهوة الزمن دون رهان، وخيول السبق للشهادة تدق حوافرها الوعر، وصهيلها يسبق الحداء، وكان لها على سطح الأرض الليبية – من البحر إلى الجبل الأخضر – محطات نور وإشعاع


وكان (نجيب) على موعد مع النصر قبل الاستشهاد في معركة الشلظيمية التي وقعت يوم 28 شباط 1914م، واستمرت هذه المعركة أكثر من عشر ساعات، كان (نجيب) نجيبها وقائدها وفارسها وجريحها، فتكبد العدو الإيطالي أكثر من ثلاثمائة قتيل


يقول المجاهد شكيب أرسلان

عن هذه المعركة: كانت معركة الشلظيمية فتحاً عظيماً للمقاومة الليبية، وكان الثوار أطول هاماً من النخيل الليبي وأقوى، وقدّم الشعب الليبي كوكبة من الشهداء ارتوت الأرض بدمائهم الزكية، لتنبت الحرية والكرامة، وكان عدد شهداء هذه المعركة بحدود 200 شهيدً، كانوا سداً منيعاً لمنع أو لتأخير القائد الإيطالي (مياني) من التقدم إلى إقليم (فزان)، وجرح نجيب الحوراني في هذه المعركة، ولم يسترح لجرحه، بل ضمد الجراح، ليجرح مرة ثانية في معركة الكردايسي .


بدأت معركة الكردايسي يوم 1 آذار 1914، أي في اليوم التالي لمعركة الشلظيمية، ولم تكن أقل فعلاً من المعارك السابقة، بل كانت – كما يقول شكيب – أشد وجعاً على الجيش الإيطالي، واستعمل فيها نجيب أسلوب القتال العسكري النظامي (الكر والفر) ثم المباغتة في الجوانب، وهذا الأسلوب مكّن المقاومة من الوصول إلى الأطراف حيث قادة الفصائل من الضباط الطليان، وقتل أكثر من سبعة ضباط من الرتب المتقدمة، وتمكنت المقاومة من تدمير الأسلحة والذخيرة وحرق سيارات التموين والصحة ..


وفي هذه المعركة جرح نجيب للمرة الثانية في كتفه وساقه، وأخرج الرصاصة التي استقرت في ساقه اليسرى وبدون مساعدة من أحد رفاقه، واستمر في القتال ولم يقبل الرجوع إلى الخلف، إذ حاول شقيق زوجته (سنوسي) أن ينقله من أرض المعركة إلا أنه رفض رفضاً مطلقاً على الرغم من نزيف في ساقه اليسرى، وظل يقاتل حتى توقفت المعارك بانسحاب القوات الإيطالية فانتقل إلى منطقة (مسوس) حيث ينظم المجاهد أحمد الشريف صفوف المجاهدين، ويستعد لمعركة مقبلة مع الجيش الإيطالي الزاحف باتجاه المنطقة


معركة مسوس و استشهاده

مسوس: قرية تقع جنوب شرق (بنغازي) أسس فيها السنوسيون زاوية، والزوايا هي مركز إصلاح وتعليم أسسها الصوفيون في ليبيا وغيرها من دول الشمال الإفريقي، وهي شبيهة بالزوايا المغاربية، مثل: الزاوية الدلالية لمحمد حجي، والزاوية الوزانية لمحمد برادي، والزاوية الشرقاوية لأحمد بوكاري، وغيرها من الزوايا (الصوفية) السنية. وكانت الزوايا تقوم بمهمات علمية واجتماعية، وفي عهد الاحتلال تركز عملها على الجهاد ونشر ثقافة المقاومة . وفي (مسوس) كانت زاوية ولذلك فإن المعركة وقعت قرب (زاوية مسوس) التي هدمها الطليان.


وكان المجاهد أحمد الشريف قد اتخذ من (مسوس) هذه مقراً للقيادة في ظروف أذاقوا فيها الطليان صنوفاً من العذاب بعد معركة (سيدي كريك القرباع) التي وقعت يوم 16 أيار 1913، إذ تقدم الجنرال (مامبراتي) نحوها فخسر 72 قتيلاً من الجنود، و(13) ضابطاً بالإضافة إلى أسر 400 جندي، وأخذ منه المجاهدون (999) بندقية غير الأسلحة المختلفة .


لم تشر الوثائق الليبية إلى أسماء قادة هذه المعركة غير أحمد الشريف، إلا أن المجاهد شكيب أرسلان أشار إلى أن (نجيب الحوراني) اشترك في جميع المعارك إلى جانب الشريف باستثناء معركة (الأبيار) التي وقعت في اليوم التالي لاستشهاده.


إذن.. جاءت معركة (القرباع) لتؤكد على قوة المقاومة الليبية، وقد شعرت القيادة العسكرية الإيطالية بقوة المقاومة وتمكنها من قتل وأسر المئات من جنودها، وفشلت مرة ثانية في معركة الشلظيمية، وثالثة في معركة الكردايسي، فقررت الانتقام بقوة ولحسم أمرها مع المقاومة في معركة (مسوس) حيث انتقل إليها أحمد الشريف ونجيب البطاينة، والمهدي والسنوسي، وأسسوا فيها القيادة العامة لجيش المقاومة الشعبية


وفي صباح يوم 3 آذار 1914، بدأت المعركة الحامية وتمكنت القوات الإيطالية من تدمير (زاوية مسوس)، وأبدت المقاومة جهاداً بطولياً كبدت فيه الجيش الإيطالي مئات القتلى، وبالمقابل خسرت المقاومة أيضاً مئات الشهداء فاستشهد (المهدي) شقيق زوجة نجيب، وتلاه شقيقه (السنوسي)، وجرح نجيب، وكانت إصابته في الصدر وفي الفخذ قاتلة، فنقل من أرض المعركة إلى منزله لعلاجه، وبقي حياً إلى اليوم التالي (4 آذار 1914) ليفارق الحياة، ودفن في قرية مسوس بعيداً عن وطنه وأهله وزوجته، بعد معارك كان نجمها وفارسها وبطلها، فجاءت شهادته على الأرض الليبية تأكيداً على قومية وعروبة المعركة ضد الاستعمار في مغرب الوطن ومشرقه.


الشهيد نجيب في ذاكرة الشعب الليبي

يقول المؤرخ العربي الفلسطيني مصطفى مراد الدباغ

في كتابه (بلادنا فلسطين) الجزء الثالث، صفحة 461: نجيب السعد ابن المرحوم سعد باشا العلي وجيه عشيرة البطاينة في قرية البارحة، اشترك في حروب طرابلس الغرب عام 1912، ضد الطليان، وكثيراً ما خاض المعارك مع أحمد الشريف. جرح مرتين واستشهد في الثالثة، وحزن عليه الشعب الليبي حزناً شديداً، وترك في بلاد المغرب العربي ذكراً خالداً .


وقال يعقوب العودات (البدوي الملثم)


في كتابه (القافلة المنسية) صفحة (96- 99) نقلاً عن مذكرات شكيب أرسلان، ما يلي: لم يحزن السيد احمد الشريف على أحد حزنه على نجيب الحوراني لباهر شجاعته وإخلاصه .


وعندما انتقل أحمد الشريف إلى الجبل الأخضر، لم يقطع شكيب بالرسائل، وفي كل رسالة كان يترحم على رفيق سلاحه ودربه الجهادي الشهيد نجيب، يقول شكيب عن هذه الرسائل: وكان السيد أحمد الشريف يكتب لي من الجبل الأخضر، وهو وافر الثناء عليه وهو اليوم دائم الترحيم عليه، والشهيد المذكور هو نجيب بك بن الشيخ سعد العلي من مشايخ بلاد عجلون ترك في بلاد الغرب (المغرب العربي، ليبيا، ذكراً خالداً).. .


وظل اسم (نجيب الحوراني) من ألمع الأسماء بين أولئك القادمين من بلاد الشام أو العراق، يقول الدكتور سعد أبو دية: … وحدثني الدكتور عارف البطاينة أن هناك ضريح شخص من اليمن إلى جانب ضريح نجيب، وقرأت في كتاب الاستاذ الفرنسي (جورج ريمون) الذي ألقى الضوء على الزعماء والمناضلين العرب والأتراك ونشير هنا إلى أن قيادة الثورة الليبية وجهت دعوة رسمية لمعالي الدكتور عارف البطاينة شقيق الشهيد نجيب، وقام بزيارة (مسوس)، وقابل مختار القرية وحدثه عن قصة استشهاد أخيه والأثر البالغ الذي تركه في نفوس الناس، إذ أصبحوا يضربون المثل بالحزن عليه ويقولون هناك: أنت تبكين على فلان وكأنه نجيب .


وكرّمت الحكومة الليبية الشهيد نجيب بتسمية شوارع رئيسة في طرابلس وفي بنغازي باسمه، وتشير إلى الاسم (نجيب الحوراني).


الثار لنجيب بك
بعد استشهاد نجيب، خاض المجاهدون معركة في منطقة (الأبيار) وأطلق عليها اسم معركة الثأر للشهيد نجيب الحوراني، وبعد هذه المعركة توقفت المعارك لمدة طويلة، أما قائد الثورة والمقاومة الليبية أحمد الشريف، فقد ذهب إلى استانبول واستقر فيها مدة طويلة، وأخيراً نزح عن تركيا واستقر في الحجاز، وفي سنة 1933م توفي في المدينة المنورة.


بعد خمسين عاماً فايزة السنوسي تلتقي بأهلها


شاءت ظروف الجهاد المقدس أن يرحل نجيب إلى ليبيا لمواصلة المهمة النضالية ويترك زوجته السيدة فايزة عبد الله السنوسي في البارحة، ويستشهد وتبقى هي في البارحة ولتتزوج في وقت لاحق من الشيخ عقلة نصيرات وتنجب أولاداً ومنهم شايش وفيصل.


كان شايش عقلة نصيرات ضابطاً في الجيش العربي الأردني، وخلال وجوده في معسكر الزرقاء يتلقى هاتفاً غريباً من القاهرة، وكان المتحدث معه الشريف أحمد الهوني وزير المواصلات في حكومة العهد الملكي عام 1965م، ويكون الشريف الهوني ابن شقيقة السيدة فايزة السنوسي، وبدأ التعارف على الهاتف، وبعد ذلك يسافر الضابط شايش ووالدته إلى ليبيا وتلتقي بأهلها بعد غياب دام أكثر من خمسين عاماً، ويساهم المرحوم الشريف ناصر بن جميل بتسهيل مهمة سفر شايش ووالدته بمنحه إجازة طويلة ليتعرف على أخواله، ولتعيد (فايزة) ذكريات الماضي، وتزور ضريح زوجها الأول في مسوس.


أما أصل الحكاية فيرويها شايش إلى الدكتور سعد أبو دية، وكانت على الوجه التالي:

كان هناك اجتماع في الجامعة العربية للقيادة العربية الموحدة، وفي هذا الاجتماع التقى الشريف أحمد الهوني مع الضباط الأردنيين: فهد جرادات ويوسف كعوش، وعلي القضاة، وبواسطة الضابط فهد جرادات تم الاتصال فوراً مع شايش في معسكر الزرقاء، وشرح له ظروف والدته ورغبتها بالتعرف على أهلها، فتم تنظيم الزيارة، وقابلوا الملك ادريس السنوسي، ثم قاموا بزيارة (مسوس) وتعرفوا على ظروف استشهاد نجيب، وكانت الزيارة عام 1965م، وبقي (فيصل) مدة طويلة في ليبيا.


وفي المقابل تمت دعوة الشريف أحمد الهوني إلى الأردن، ومكث فترة طاف فيها الضفتين، وكان بضيافة أبناء الشيخ عقلة نصيرات، وأبناء الشيخ سعد العلي البطاينة، وفي 24 تشرين الأول سنة 1975 انتقلت السيدة فايزة السنوسي إلى رحاب الرفيق الأعلى بعد أن قضت في الأردن ستين عاماً منذ قدومها الأول عام 1914م مع زوجها الأول نجيب.

وشاءت الأقدار أن تموت الليبية في الأردن وتدفن في ربوعها، ويموت الأردني في ليبيا ويدفن في ربوعها، وبالقرب من جبلها الأخضر.. وبهذا يكون نجيب البطاينة أول الشهداء العرب على الأرض الليبية

فجاءت شهادة الشهيد القائد نجيب الحوراني
(((((نجيب بيك بن سعد العلي البطاينة)على الأرض الليبية تأكيداً على العقيدة الراسخة وأن الباطل أبدا لا ولم ولن ينتصر
ولن ينال منا الإ الأذىمن قصص الأردنيين الذين دافعوا عن قضايا الأمة شرقا وغربا ولبوا
النداء , ونفروا خفافاً وثقالاً في سبيل الله , قصة نجيب بيك بن
سعد العلي البطاينة , رفيق الدرب للمجاهد الكبير عمر المختار ورفاقه المجاهدين :: أحمد الشريف :: ومحمد المهدي :: ومحمد بن عبد الله :: وغيرهم من أبطال المقاومة الليبية , ويعبّرون عن ضمير هذه الأمة وعقيدتها الراسخة رسوخ الجبال , والمزروعة في ذاكرتهم ويقارعون الغزاة وأعداء الوطن والأمة والدين






حياته العسكرية في ليبيا
من معارك اليمن إلى معارك ليبيا، هذا هو قدر الضباط العرب أن يقاتلوا نيابة عن الضباط الأتراك، ولكن الحرب في ليبيا تختلف عن الحرب في اليمن، فالمعركة هذه المرة ضد الغزو الإيطالي على قطر عربي شقيق، فأحرز الضباط أمجاداً رائعة بقيادتهم المقاومة العربية ضد الغزو الإيطالي، ودائماً في طليعة الجهاد الأبطال الثلاثة: عزيز المصري، وعلي خلقي، ونجيب الحوراني، أما غيرهم من الضباط الأتراك فكانت عيونهم على استانبول حيث توزيع المناصب على الانقلابيين، فأخذتهم السياسة وأبعدتهم عن الواجب العسكري، فاحتلت الأراضي، وأنيطت المهمة للضباط والجنود العرب .
كان (نجيب) يعتز بشرف القتال على الأرض الليبية، ليس كضابط في الجيش التركي بل كضابط عربي يدافع عن الأرض العربية وكرامة الإنسان العربي، وعزز في نفوس وذاكرة الجنود العرب هذا الهدف القومي، حيث بدأ الضباط الأتراك يدركون معاني استبسال العرب في القتال ضد الجيوش الإيطالية، مما وسع شقة ال خلاف بينهم وبين القادة والضباط الأتراك وفي مقدمتهم الجنرال أنور باشا الذي تسلم فيما بعد وزارة الحربية، عن هذا الخلاف يقول علي خلقي في مذكراته (المخطوط) ما يلي: ..مما وسع شقة الخلاف بيننا وبين زملائنا الضباط في جمعية الاتحاد والترقي فأصبحت معاملتنا لهم خالية من الاحترام، مثال ذلك: انتقادنا الشديد لأنور باشا، وتجريحنا له، وعدم اعترافنا برئاسته لنا عندما كان معنا في ليبيا، ولم نكف عن انتقادنا الشديد له علناً أمام الضباط الأتراك والعرب حتى بعد أن أصبح وزيراً للحربية، كل هذه المواقف، جعلت بعض أعضاء جمعية الاتحاد والترقي يتهموننا بإثارة النعرة العربية، وكان نجيب بك أول من اكتشف نوايا القيادة العسكرية بتسليم ليبيا إلى الطليان.. .
كان ذلك الجزء من الأراضي الليبية الذي يشمل ولايتي طرابلس وبني غازي قد سقط في قبضة القوات الإيطالية الغازية في سنة 1911م، واضطرت تركيا إلى أن تعترف رسمياً بالتنازل عن سيادتها عليهما، في معاهدة (أوشي) وبقيت هضبة (برقة) القليلة السكان حرة لم تحتلها الجيوش الإيطالية. وكان لهذه المنطقة في ذاتها قيمة سياسية ودينية، إذ أنها موطن الزعيم الليبي النشيط والمجاهد أحمد الشريف، وكان نفوذه في إفريقيا الشمالية يتجاوز كثيراً حدود منطقته الخاصة.

نجيب والحركة السنوسية
نشأت الطريقة السنوسية في (برقة) في منتصف القرن التاسع عشر على يديّ رجل جزائري تقي كان قد قضى أكثر عمره في مكة المكرمة، ووقف نفسه على الدعوة إلى إصلاح العقيدة الإسلامية، وكانت تعاليم هذه الطريقة تدعو إلى الرجوع إلى أساليب صدر الإسلام وعاداته، كما أن (الزوايا) التي بثها في أنحاء البلاد مكنته من أن يكون له نفوذ سياسي، وأن يجند المتطوعين لأغراض عسكرية، ومن مميزات هذه الحركة أنها شجعت الناس على الاستقرار وزراعة الأرض. واستطاعت هذه الجماعة – خلال نصف قرن – أن تحقق لنفسها القوة والتماسك: وأن تضم إليها جماعات كبيرة من الأنصار في مناطق واسعة من إفريقيا الوسطى. وكان رئيس الجماعة في هذا العهد الذي يقوده حزب الاتحاد والترقي السيد أحمد الشريف من سلالة مؤسسها، ولم يكن على وفاق مع الاتحاديين، ولكنه تعاون مع الضباط العرب في الجيش التركي وفي مقدمتهم (نجيب) الذي أصبح صهراً لهم بعد زواجه من السنوسية السيدة الفاضلة (فايزة السنوسي)، فقاد نجيب إلى جانب أحمد الشريف، المقاومة الشعبية الليبية وأشرف على تنظيم وتدريب المجاهدين بالتعاون مع شقيقي زوجته (مهدي) و(سنوسي ).
وقد فهم (نجيب) السنوسية من خلال منهجية (الزوايا) القائمة على أشكال الممارسة السياسية/ الدينية، وأن الوظيفة الأساسية (للزاوية) هي الجهاد، ولا يمكن اعتبار الوظيفة الجهادية إلا بالارتكاز على الرجال الصلحاء، والاعتماد على شخصيات وقبائل قوية في لحظة تكون خلالها السلطة المركزية ضعيفة .
ويقول المجاهد أحمد الشريف: إن الدور السياسي للزاوية، هو نتيجة لنفوذها الاجتماعي والديني، ولكي يتمكن زعيم ديني من فرض سلطته على الصعيد السياسي، لابد أن يكون الظرف ملائماً، إنه لا يتمكن من تقوية نفوذه إلا إذا كان الحكم ضعيفاً، لأن السلطة المركزية حين تكون قوية، لا تسمح بإقامة قوة من الممكن أن تصبح في أية لحظة قوة منافسة .
لقد ضعفت الدولة، وهزم جيشها أمام الطليان، وتخلت عن المقاومة فدخل أحمد الشريف دائرة الضوء الجهادي بدعم من الضباط العرب وفي مقدمتهم نجيب البطاينة الذي فكّ ارتباطه بالجيش التركي، وخلع بزته ورتبه العسكرية، وتمنطق بالسلاح واللباس الليبي الذي كان يرتديه ثوار المقاومة الشعبية.
من العسكرية التركية إلى المقاومة الليبية
حين تولى السلطان عبد الحميد مقالد حكم الإمبراطورية العثمانية، كانت السلطة العثمانية في إفر يقيا تشمل تونس، وليبيا، ومصر، والسودان فقط، بعد أن استولت فرنسا على الجزائر سنة 1830م، وفي عام 1881م، احتلت تونس. وفي عام 1882م، احتلت إنجلترا مصر والسودان، وقد اعترفت إنجلترا بسيادة السلطان الإسمية على مصر والسودان، ولكن فرنسا لم تعترف بها على تونس والجزائر، وفي كلتا الحالتين لم يمارس (عبد الحميد) أية سلطة في حكم هذه البلاد وإدارتها، ومعنى هذا أن الشواطئ الإفريقية الشمالية جميعها ضاعت من الأتراك، ما عدا ليبيا التي سقطت أجزاء كبيرة منها في حوزة إيطاليا سنة 1912م، ولكنها قبل ذلك كانت البقعة الوحيدة في إفريقيا التي بقيت خاضعة للسلطان، وكانت مقسومة إدارياً إلى ولايتين: ولاية طرابلس، وولاية بنغازي.
قاتل نجيب في ظل الجيش التركي في معارك طرابلس كضابط محترف، وكان من أشجع الضباط في الجيش التركي بشهادة المجاهد شكيب أرسلان بقوله: واستمات العرب في قتال العدو فلما رأى هؤلاء وفرة من وقع من القتلى والجرحى، ارتدوا على أعقابهم، وخلصنا نحن إلى جهة فيها جموع المجاهدين، وفي هذه الواقعة جرح الضابط نجيب الحوراني الذي كان من أشجع أبطال الحرب الطرابلسية .
انتهت الحرب النظامية بين الطليان والجيوش التركية بهزيمة الجيش التركي و التسليم للطليان بالهزيمة، وعادت الجيوش التركية إلى مواقعها في استانبول وبلاد الشام، وعاد عزيز المصري وعلي خلقي الشرايري، ولكن نجيب كان صريحاً وشجاعاً عندما خاطب الجنرال التركي المهزوم: لقد أديت واجبي كضابط في الجيش السلطاني، ولم أسلم من الجراح، ولكن لم تكتب لي الشهادة… يعز عليّ يا سيدي الأفندي أن أترك إخوتي وأبناء جلدتي للجلادين الطليان، ومن العيب علينا نحن العرب خلط الدم بالماء البارد، لقد اخترت البقاء في ليبيا مقاتلاً ومدرباً، ولا تحسبني عاصياً أو متمرداً بل ممثلاً لسيدي السلطان .
لم يأخذ (نجيب) بنصيحة قائده التركي، ولا بمشورة صديقه القائد عزيز علي المصري، بل أخذ بتشجيع ابن بلده القائمقام علي خلقي الشرايري الذي قال له: سر على بركة الله يا أخي نجيب – لو كانت ظروفي العسكرية والعائلية مثل ظروفك ما تركتك في الجبل الأخضر، نحن أمامنا مهمات أكثر صعوبة من مهماتك، فالضباط العرب ينكل بهم وينقلون من جبهة إلى جبهة، ولهذا يتطلب منا، أنا وأخيك عزيز (علي المصري) أن نعيد نشاط جمعية العهد. لأن تعيين أنور باشا وزيراً للحربية سيؤثر على أحرار البلاد من عسكريين ومدنيين، فهو أكثرهم حقداً على العرب، بلغ تحياتنا للمجاهد الكب ير أحمد الشريف، وكن ساعده القوي ومستشاره الأمين، ولن تشعر بالغربة طالما بجانبك المجاهد شكيب أرسلان، آمل أن نلتقي بإذن الله في الشام .
الوداع الأخير
افترق الفرسان الثلاثة… فأخذ نجيب مكانه القيادي في المقاومة العربية الليبية تحت قيادة المجاهد العربي الليبي أحمد الشريف، وكان ينتقل من جبهة إلى جبهة، حيث تقضي ظروف المقاومة، ومن طرابلس إلى محروقة، ومن محروقة إلى فزان، ثم إلى الشلظيمية، والكردايسي وأخيراً إلى زاوية مسوس، حيث المعارك الأشد والانتصارات الأكثر، والهزائم اليومية للقادة الطليان (مياني) و(بولاتي) و(جيبي) و(جروشو) وغيرهم.
وينتشر اسم (نجيب الحوراني) في كل المدن والقرى والزوايا الليبية، وأصبح عنواناً للأهازيج الشعبية في مناطق (الشّب) و(أشكده) و(براك)، فزاد الحقد الإيطالي عليه، وقررت القيادة العسكرية الإيطالية تصفيته جسدياً بمؤامرة دنيئة، بعيدة عن السلوك العسكري وبالالتزام بالتقاليد الحربية، كما سنرى في الحلقة القادمة.
بعد عودته من ليبيا وتعيينه وزيراً للحربية مارس أنور باشا حقده وحسده على الضباط العرب، فأمر باعتقال عزيز علي المصري، وعلي خلقي الشرايري، لكن علي خلقي تخلص من الاعتقال بواسطة والد زوجته الجنرال شكري باشا، ونقل إلى الحجاز حاكماً عسكرياً، بعد فشل حملة قناة السويس التي شارك بها إلى جانب جمال باشا.
أما عزيز علي المصري فقد اعتقل بتهمة الخيانة، ونترك الحديث هنا للمؤرخ العربي جورج انطونيوس، الذي ذكر في كتابه (يقظة العرب) صفحة 195- 197 أنه في التاسع من شهر شباط/ فبراير سنة 1914م، بينما كان الرئيس عزيز علي المصري، من هيئة أركان حرب الجيش، خارجاً من فندق (طوقات ليان) بعد الغداء، بادره ثلاثة من رجال الشرطة السريين ودعوه إلى مركز الشرطة السري في القسطنطينية. وهناك ألقي القبض عليه من غير أن توجه إليه أية تهمة، فذاعت الشائعات بأنه سيحاكم بتهمة الخيانة، وقد أثار نبأ اعتقاله الدهشة بين العرب هناك، ثم تحولت الدهشة إلى سخط تمثل في مظاهرات الجماهير في الشوارع . ويؤكد جورج أنطونيوس استناداً إلى معلومات أمنية أن أسباب اعتقال المصري تعود إلى سعيه لإقامة مملكة عربية في شمال إفريقيا . أما جريدة (التايمز) فقد ذكرت في عددها الصادر يوم 9 نيسان 1914م أن الضباط العرب الذين كانوا في ليبيا لصد الهجوم الإيطالي، عادوا إلى الآستانة ليشكلوا جمعية سرية تطالب بالاستقلال العربي عن الدولة العثمانية، وتركوا في طرابلس مجم وعة من الضباط للدعاية لجمعيتهم… .
وبدأت محاكمة عزيز المصري سراً في الخامس والعشرين من شهر آذار، أمام مجلس تأديبي عسكري، يقول أنطونيوس: إن صحيفة الاتهام تضمنت اتهام عزيز المصري باقتراف جرائم لا يمكن تصديقها أبداً وهي أنه اختلس أموال الجيش، وأنه سلّم (برقة) للإيطاليين مقابل رشوة مالية، ويسعى إلى إقامة دولة عربية مستقلة في الشمال الإفريقي .
وأصدرت المقاومة العربية الليبية بياناً تضامنياً مع المعتقل عزيز المصري، ووصفته بالقائد البطل، أما الجنرالات الترك من أمثال أنور باشا بدلاً من محاكمته بتهمة التقصير، يõعيّن وزيراً للحربية، وأكد المجاهد شكيب أرسلان في مقابلته مع الكاتب والمؤرخ الأمريكي (لوثروب ستودار) أن نجيب الحوراني (البطاينة) أصدر بياناً يفند فيه الادعاءات الكاذبة التي لفقتها المحكمة العسكرية بحق القائد عزيز المصري ورفاقه الضباط العرب، وتحدث شكيب أرسلان عن بطولات نجيب في سير المعارك ضد الغزو الإيطالي، وقد وردت شهادة شكيب في الكتاب الذي أصدره الأمريكي (لوثروب ستودار) تحت عنوان حاضر العالم الإسلامي ، كما أن قيادة المقاومة الليبية أكدت على أن تركيا هي التي باعت ليبيا للطليان، وما الصلح الذي وقعت ه الحكومة التركية مع الإيطاليين يوم 18 تشرين الأول 1912م، إلا الدليل القاطع على هزيمة الأتراك، وترك الشعب الليبي وبعض الضباط العرب يواجهون الاحتلال الإيطالي، حيث بدأ المجاهدون بترتيب أوضاعهم وسط ظروف صعبة .
لم يتمكن نجيب من اللقاء مع صديقيه، وكان لقاء طرابلس، الوداع الأخير بينهم، نجيب ينال الشهادة ويسقي بدمه شجرة الحرية في (مسوس)، ويعود المصري إلى القاهرة، ثم يلتحق بالشريف حسين بن علي، ويعيّن الشرايري حاكماً عسكرياً في مكة، ثم يلتحق بثورة الشريف حسين، وتبقى بطولات نجيب في ذاكرة التاريخ .

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: