عبدالرحمن الدويري
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

في ذكرى إحراق المسجد الأقصى الواقع واليقين

عبدالرحمن الدويري
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

تُصادف اليومَ -الحادي والعشرين من آب- الذكرى الخمسون لإحراق المسجد الأقصى المبارك، حين أقدم المتطرف اليهودي “مايكل دينيس” في هذا التاريخ من العام 1969م، على اقتحام المسجد الأقصى من باب المغاربة، وإشعال النار في الجناح الشرقي من المصلى القبلي في المسجد، حيث التهمت النيران كامل محتويات الجناح من: جسور ونحوت وزخارف، بما في ذلك منبره التاريخي، منبر صلاح الدين الأيوبي، وهدد الحريق قبة الجامع الأثرية المصنوعة من الفضة وباقي محتوياته، لولا أن تدارك الفلسطينيون الأبطال الحريق، وأخمدوه، بعد أن قطع المحتل الصهيوني الماء، وأعاق سيارات الإطفاء عن الوصول للموقع، في سلسلة آثمة من الاعتداءات المستمر التي استهدف ميراث المسلمين في القدس، منذ احتلالها عام 1948م.

وعلى الأثر اجتمع مجلس الأمن الدولي، وأصدر قراره رقم 271 لسنة 1969، الذي أدان فيه إسرائيل، ودعاها إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها تغيير وضع القدس، وعبّر عن حزنه للضرر البالغ الذي ألحقه الحريق بالمسجد الأقصى، تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وعبر عن إدراكه لحجم الخسارة التي لحقت بالثقافة الإنسانية نتيجة لهذا الضرر، بينما تنصّلت إسرائيل كعادتها من المسؤولية، وعزت الأمر إلى تماس كهربائي، لولا أن المهندسين العرب أثبتوا بطلان زعمها، فاعترفت بالجريمة، ووعدت بمحاكمة الفاعل، لكنها زعمت بعد ذلك أنه مختل عقليا، وأطلقت سراحه بعد فترة وجيزة، وأبعدته إلى استراليا حيث موطنه الأصلي، بينما اجتمع قادة الدول العربية والإسلامية في الرباط يوم 25 سبتمبر/أيلول 1969م، وقرروا إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، وما تلاها من إجراءات لم ترقَ لحجم الخطر، أو لوقف التهديد!!

لقد ظل المسجد الأقصى والقدس كلها، محل نظر الصهاينة، منذ احتلالهم فلسطين، ولم تكن محطة إحراق المسجد الأقصى إلا بالون اختبار، لقياس المدى الذي ستصل إليه ردود الفعل الرسمية للنظم السياسية العربية، على هذه الخطوة، والتي كانت صادمة بالنسبة لهم، بل خارج إطار توقعاتهم، إذ لم يحدث شيء على أرض الواقع، ما دفع رئيسة وزراء الاحتلال حينها “غولدا مائير” للتعلق على الموقف العربي مستغربة: “عندما حُرق الأقصى لم أنم تلك الليلة، واعتقدت أن إسرائيل ستُسحق، لكن عندما حلَّ الصباح أدركت أن العرب في سبات عميق”.

ولقد صدقت فيما قالت -وهي كذوبة- وليت النظام العربي -كان فعلا كما قالت- يغط في نوم ثقيل، أو يعيش حالة شلل، أو يرزح تحت التخدير، لكنه –للأسف- كان على غير ذلك خواء وعجزا، ما أغرى الكيان الصهيوني بسلسلة من الانتهاكات المنظمة، والتي تتم بشكل رسمي ممنهج في تهويد الأرض، وتغيير معالمها، وترسيخ الاستيطان، ومتابعة الحفريات التي باتت تهدد بناء المسجد الأقصى، وتجعله –فعلا- على حافة الانهيار، لأي عارض طبيعي حقيقي، أو مفتعل يحل بجواره، لتحقيق الحلم المعشعش في عقلية بني صهيون، منذ آلاف السنين، علما تاريخ حرق المسجد الأقصى هذا، لم يأتي اعتباطا، بل هو ذات التاريخ الذي تم فيه تدمير الهيكل المزعوم للمرة الثالثة عام70م.

إن الموقف العربي والإسلامي تجاه القديس والأقصى ما زال مخيبا للآمال، وتستفيق الأمة وشعوبها كل يوم على فاجعة جديدة، تتكشّف فيها الحقائق، وترشح الأخبار كالسم، مبدية مواقف يندي له الجبين ،في التآمر على القضية الفلسطينية، قضية الأمة الأولى، ويتجرّع المرابطون هناك العلقم جراء التغافل، وإدارة الظهر، والخذلان، والهرولة المحمومة، للتطبيع مع الكان المجرم، على حساب الأرض والشعب والمقدسات والهوية، ما أغرى العدو الإدارة الأمريكية بتسريع خطوات إحكام السيطرة على فلسطين، كل فلسطين، والقدس والجولان، فافتُتِحت السفارة الأمريكية في القدس بتاريخ 14 مايو 2018، بعد نقلها من تل أبيب، تنفيذا قرار دونالد ترامب في 6 ديسمبر 2017، بالتزامن مع احتفالات إسرائيل بذكرى إعادة توحيد القدس وتثبيت احتلال القدس الشرقية، وإطلاق قطار السيطرة بعقد ورشة البحرين، تمهيدا لصفقة القرن التي ستنكسر -بعون الله- على صخرة إرادة الشعب الفلسطيني الحر مقاومته في غزة ومرابطيه في القدس والضفة الغربية.

للأسف ليت العرب ظلوا في نومهم العميق وليتهم، ظلّوا مُخيّبين لظنّ الشاعر الكبير، والفيلسوف المسلم محمد إقبال – رحمه الله- والذي لو استفاق على واقع العرب المرير، لوجدهم في نقطة الصفر، يوم قال حين زار القدس الشَّريف؛ للمُشارَكة في المؤتمر الإسلامي العالميِّ في ديسمبر 1931م: “إنَّني أعتَقِد أنَّ مستقبل الإسلام مُرتَبِطٌ بمستقبل العرب، ومستقبل العرب مُتوقِّف على اتِّحادِهم، فيَفُوز المسلمون إذا اتَّحَد العرب، ويجب علينا جميعًا أن نَصرِف كلَّ ما لدينا في إنجاز هذا الهدف، والله – سبحانه وتعالى – سوف يمنَحُنا الفوزَ والنَّجاح”.

لكنه أيضا كان من يومها فطنا، منتَبِهًا للمُؤامَرة الغربيَّة، محذرا ومتعجبا من سَذاجَة بعض القادة العرب، الذين كانوا يثقون في بريطانيا وفرنسا، حذَّرهم في شعرٍ بليغ يُخاطِب به الإنسان العربيَّ المسلم قائلا:” أيُّها الغافل، لماذا ترجو العطفَ والحنان من الإفرنجيِّ الغاصب؟! ألاَ تدري أنَّ قلبَ الصَّقر لا يرقُّ لطائرٍ يقع بين مخلبَيْه؟!”. وقال لافتا لتحكم اليهود بالقرار الغربي، وما زالت نبوؤته تتأكد كل يوم:

لاَ دَوَاءَ بِ “لَنْدَنٍ” أَوْ “جنوا” فَوَرِيدُ الْفِرْنِجْ بِكَفِّ اليَهُودِ

إن معركة الأمة العربية والإسلامية مع إسرائيل ووراءها الغرب المتصهين بشقيه الرأسمالي والاشتراكي، ليست معركة عادية وإنما هي معركة مصيرية، يختلط فيها السياسي بالاقتصادي والمصلحي والعقدي، ولقد عبَّر الإمام الشهيد عن موقع فلسطين في هذه المواجهة بقوله: “إن فلسطين تحتل من نفوسنا موضعًا روحيًّا وقدسيًّا فوق المعنى الوطني المجرد؛ إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة، وبركات النبيين والصديقين، ومهد السيد المسيح عليه السلام وفي كل ذلك ما ينعش النفوس ويُغذي الأرواح”.

كما أوضح بجلاء حجم التضحيات التي يبذلها الشعب الفلسطيني المرابط، وواجب كل مسلم، وكل أخ مسلم، تجاه هذه القضية فقال: “إن الدماء التي خضبت أرض فلسطين .. وإن آلاف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل المثل الإسلامي الأعلى .. وإن المسجد الأقصى الذي انتهكت حرمته .. كل أولئك يهيب بك أيها الأخ المسلم أن تبذل في سبيل الله، ما وهبك من روح ومال، لتكون جديراً بالاسم الذي تحمل، وباللواء الذي ترفع، وبالزعيم الذي أنت به مؤمن “.

والأمة اليوم على مفرق طريق، وفي محطة هي الأخطر في تاريخ المواجهة مع هذا العدو المجرم، ومن يسانده من قوى الشر والاستكبار العالمي، ومن يتواطأ معها من العملاء والمرتزقة والمنافقين، توجب على كل حر مؤمن صادق الإيمان أن يبذل وسعه في سبيل هذه القضية المقدسة، كل من موقعه، وفي ثغره الذي يرابط به، فواجب العلماء والخطباء التوعية والتعبئة والحشد، لنصرة هذه القضية، ودعم ومساندة المرابطين والمجاهدين في عموم فلسطين، وفي القدس وغزة خاصة، وواجب الأساتذة والمعلمين والجامعات التعريف بالقضية وكتابة الأبحاث وعقد الندوات والمؤتمرات ونشر البحوث والدراسات التي تدحض وتفضح الخبث والكذب الصهيوني، وواجب الإعلام والصحافة أن تملأ الفضاء بالمقالات والنشرات والتقارير المساندة للحق العربي، الإسلامي والمسيحي في هذا الميدان، وواجب التجار والأثرياء بذل المال لتمتين والمقاومة، وتثبيت الأهل وتمكينهم من الصمود خاصة في القدس، ولا عذر لمسلم أبدا أن يقف مكتوف اليدين خالي الوفاض غدا بين يدي الله من موقف شرف أو جهاد عزيز يثقل به ميزانه.

إننا ورغم قتامة المشهد، وانسداد الأفق، والانهيار والتشظي، الذي يخيّم بظلاله على العرب تحديدا، ما زلنا مؤمنين بإمكانية تعديل المسار، وتدارك الخلل، وتوحيد الجهود، وما زلنا على يقين أن إسرائيل إلى زوال، وأنها دولة قامت على الظلم والعدوان والتزييف والكذب، ومارست -وتمارس كل يوم- الإجرام والقتل والاغتيال والقهر، وأنها تعيش أوضاعا داخلية قاسية، موغلة في العنصرية والتمييز، والخواء النفسي، والجبن والارتباك, أنها أمة لا ترعى قدسية لمقدس، ولا حرمة لا لإنسان ولا لأديان، وأن الأوان مؤذن بزوالها، وأن مصيرها هو مصير كل قوى الشر، {ذلك وعد غير مكذوب} في التوراة والإنجيل والقرآن: { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}.

{ويسألنك متى هو قل عسى أن يكون قريبا}

21/8/2019م

(البوصلة)

هـ/7

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts

Comments 1

  1. ضياء says:

    ويسألونك