محمود الريماوي
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

في ضوء الانتفاضات: طُلقاء “يستنجدون” بأسرى

محمود الريماوي
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

تثير الرسالة التي نشرها الكاتب اللبناني إلياس خوري الشجون. ظهرت بصيغة مقال كتبه خوري بعنوان “رسالة الى الصديقات والأصدقاء في فلسطين” على صفحات “القدس العربي” يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. يأخذ الكاتب على “النخب الثقافية والمناضلات والمناضلين والأسرى والفقراء والمحاصرين في الغيتوات التي صنعها الاحتلال” غيابهم عن الانتفاضة اللبنانية الحالية. متسائلاً: أين أنتم؟ وواقع الحال أن هذا التساؤل قابلٌ بالقياس لأن يتوجّه به الكاتب إلى “صديقات وأصدقاء آخرين” في سورية والعراق ومصر وليبيا واليمن… مثلا. فقد سبق لهذه البُلدان أن شهدت ثورات، شأنها شأن فلسطين ولبنان. ومن الطبيعي أن تستشعر الشعوب محنة شعبٍ آخر، وتلتمس الوسائل للوقوف معه، إذا وسعها ذلك، كما كان عليه الحال في حقب سابقة من القرن الماضي، غير أن مياهاً غزيرة جرت تحت جسور التواصل والتضامن بين الشعوب، حتى كادت تغمر هذه الجسور. وكان من مظاهر هذه التحولات أن المشكلات الداخلية، مرفوقة بتحدّيات خارجية، قد تضخّمت منذ عقد التسعينيات على الأقل. وأدّت، بين ما أدّت إليه، إلى بروز أجنداتٍ وأولويات ذاتية للشعوب، مع تضاربٍ في تعيين الخصوم والأصدقاء. وقد بدأ “الشرخ” لدى اجتياح النظام العراقي السابق للكويت في العام 1990. وكانت المرة الأولى التي يغزو فيها نظام عربي بلدا آخر، وعلى نحو سافر. وقبل ذلك كانت هناك تدخلات مصرية وسعودية في اليمن عام 1962، في أعقاب انقلاب عبد الله السلال على نظام الإمامة، وكانت هناك في الفترة نفسها تهديدات بالتدخل في الكويت من نظام عبد الكريم قاسم في العراق، إلا أن اجتياح نظام صدام حسين أدى إلى انقسام في مواقف الأنظمة، متبوعا بانقسام شعبي حيال هذا الحدث المزلزل، وهو ما ولّد افتراقاً بشأن تحديد الخصوم، ما انعكس على العلاقات بين الشعوب.

بعدئذ، وفي ظروف التغير على الساحة الدولية، بانهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، أخذت الأنظمة تجتهد في تثبيت ركائزها، بعد أن اضطرب مفهوم الأمن العربي الجماعي. وشهدت الفترة نفسها مع أواسط التسعينات بروز الجنوح إلى أقصى اليمين لدى الاحتلال 

الإسرائيلي، وانطفاء فرص التسوية الفلسطينية الإسرائيلية شيئا فشيئا، هذا مع صعود نجم إيران التي رأت في الغزو الأميركي للعراق 2003 فرصةً لتصفية الحساب مع الجار العراقي، والاستيلاء المقنع على بلاد الرافدين. وتتالت التطورات، خلال ذلك، مع بروز أولوية مكافحة الإرهاب عقب تفجيرات نيويورك 2001، وجرى استثمار هذه المكافحة الواجبة، بتشديد قبضة السلطات هنا وهناك. ومع احتكار السلطة، تضخمت ظاهرة الفساد، وأدّى ذلك إلى اندلاع موجة الربيع العربي، انطلاقا من تونس في خريف العام 2010. وتتالت حلقات هذه الموجة في مصر والبحرين وليبيا وسورية واليمن، تحت عناوين مناهضة الاستبداد والفساد. وبينما وقفت الشعوب مؤيدةً انتفاضتي تونس ومصر، وقد حققت كل منهما هدفها المباشر خلال أسابيع، تواصل هذا التفاعل مع بقية الحلقات، لكنه أخذ يخفت رويدا رويداً، وذلك بسبب التعرّجات التي شهدتها الحراكات في تلك الدول، مرفوقةً بتدخلاتٍ خارجيةٍ تنتصر للنظام المعني، أو تدعم الحراكات في مواجهة ذلك النظام. وهو ما أسهم في انقسام المواقف الشعبية حيال هذه التطورات.

وليس بعيدا عن مضمون رسالة إلياس خوري وموضوعها، فقد ارتفعت في ذروة موجة الربيع الأولى أصوات فلسطينية تتساءل: أين فلسطين في الثورات العربية، لماذا تغيب قضيتها، وكل بوصلة لا تقود الى فلسطين لا يُعوّل عليها. إذ لم تدرك بعض النخب التي باتت تقليدية بالفعل أن لكل شعبٍ عربيّ قضيته الذاتية الضاغطة، وله أولوياته الخاصة به. ولهذا اتسمت حلقات موجة الربيع العربي بانعدام التواصل ما بينها، وسادت القناعة بأن مثل هذا التواصل قد يضر ولا يفيد، إذ إنه قابلٌ لتصويره بأنه من قبيل التدخل وخدمة لأجندات خارجية، وإن كل شعب أدرى بتعقيدات الوضع في بلده، وتقدير الموقف منها. وقد انسحب ذلك على انتفاضتي السودان والجزائر خلال العام الجاري، فقد احتفظ هذا التسونامي في كل من البلدين، بخصائصة المحلية وبطابعه الوطني الخاص به، بغير دعم معنوي يُذكر من مكونات الأمة.. وأحيانا باهتمام “عادي” لا يتناسب مع استثنائية الحدثين.

هكذا تتالى واقع قيام الانتفاضات في بيئاتها، بمعزلٍ عن التأثير الخارجي، وبمنأىً عن الدعم الخارجي، حتى الإعلامي منه، كما يجري منذ أسابيع في العراق ولبنان. ولعله من العُسف أن ينحو أحد باللائمة على افتقاد الدعم المعنوي من لدن شعبٍ ما، أو بلد ما، فالشعوب مكبّلة بالضغوط المعيشية والأمنية عليها. وكان من المفارقة أنه بينما كان خوري يوجه رسالته، بمشاعر طيبة وآمال أخوية وعتب ودّي، كان قطاع غزة يتعرّض للقصف مجدّدا من عدو متفوق، دأب على استخدام سلاح الطيران في قصف الأبنية السكنية والتجارية، فيما يشعر أبناء الضفة الغربية المحتلة بالعجز عن مناصرة أشقائهم في الشطر الآخر من الوطن. وفي جميع الأحوال، يحتاج الفلسطينيون لدعم خارجي في مواجهة عدو استيطاني مدجّج بالأسلحة الفتاكة حتى الأسنان، وطاقاتهم تكاد تكون مستنفدةً في تفرّغهم لمواجهة عدوهم الوجودي، بما لا يترك كبير مجالٍ لدعم اشقاء لهم في “الوطن العربي المترامي الأطراف” بما فيه لبنان، علاوة على أنه يتعذّر على الأسرى نجدة الطُلقاء.

وحتى في بلد الأرز، فإن الانتفاضة الرائعة الجارية، ومن شدة التركيز على القضية الداخلية،

فإنها لم ترفع الصوت لمناصرة الانتفاضة العراقية الشقيقة، على الرغم من تلاقي أهداف الانتفاضتين في مكافحة الفساد ومناهضة مجموعة الحكم المتنفذة، وانبثاق الإنتفاضتين بصورة متزامنة تقريباً. وينسحب الأمر نفسه على الانتفاضة العراقية التي وجّهت بعض تحيات التضامن للمنتفضين اللبنانيين، لكن حجم التحدي الذي يواجهه العراقيون ومدى شراسته لم يفسح في المجال للتواصل مع تطوراتٍ أخرى خارج الحدود. وفي هذه الأثناء، لا يجد السوريون المنكوبون حتى من يتذكّرهم ، أو “يذكرهم بخير” من أقرب أشقائهم إليهم.

هذا هو حالنا بغير رتوش أو تجميل للواقع الشائك، فالأنظمة أصبحت أكثر شراسةً، وتستفيد من خبرات بعضها بعضا في مواجهة شعوبها، وتتخطى كل خطوط حُمر. والتحدّيات الخارجية الجسيمة، الأميركية والإسرائيلية، أضيفت إليهما تدخلات إيرانية وروسية فظة، وبدرجة أقل تركية. وشعوبنا المُستفرد بها سوف تقطع طريقا شاقا ومتعرجا، كي تستكشف مداخل جديدة للتضامن الفعال ما بينها، وإلى ذلك الحين، ينكبّ كل شعب على قلع شوكه بيده.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts