عصام تليمة
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

قل (غير المسلم) ولا تقل (الكافر)

عصام تليمة
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

هناك سلوك يصدر عن بعض من لم يسبروا غور النصوص الشرعية جيدًا، وليست المشكلة في أن يكون لهم رأي في قضية دينية، حتى لو كان ضعيفًا، أو خطأ، لكن المشكلة في تصوير موقفهم أنه الدين الصحيح، ولا صحيح سواه، وما عداه فهو تمييع للإسلام، وتسطيح للعقيدة الإسلامية، ومن هذه القضايا قضية: خطاب غير المسلم، وهو ما يصر فيه بعض المتدينين بمخاطبتهم بالكفار، ويعد أي نداء آخر هروبًا من الحقيقة الشرعية والقرآنية، وهو كلام غير صحيح، والقضية هنا تتعلق بمسألتين: هل ما يعتقده غير المسلم من دين غير الإسلام، يعد دينًا، أم أنه لا يصح إطلاق كلمة دين إلا على الإسلام؟ والمسألة الأخرى: هل المخالف في الدين نخاطبه أو نناديه بالكافر أو بغير المسلم، أو بأي مصطلح آخر لا يمثل له إيذاءً أو ضررًا ماديًا أو معنويًا؟

هناك أديان غير الإسلام:

أما المسألة الأولى، فإنك إن قلت: الدين اليهودي، أو الدين المسيحي، أو أي دين، تجد من يعترض عليك من بعضهم، أنه لا دين غير الإسلام، مستدلًا بقوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) آل عمران: 19، وقوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه) آل عمران: 85، وهو كلام ليس في الموضوع، فمن الطبيعي أن كل من يعتنق دينًا، فهو يعتقد من داخله وبكل كيانه أنه الدين الحق، وأن ما سواه من تصورات واعتقادات ليست الحق، وإلا لم يعد مؤمنًا حقيقيًا بدينه، فلماذا إذن يعتنقه؟!

والقرآن الكريم نفسه، هو الذي أطلق على اعتقاد الآخرين، سواء كانوا أتباع أديان سماوية، أو غير سماوية، أنها دين، فقد قال تعالى: (لكم دينكم ولي دين) الكافرون: 6، بل إن الآية التي يستدلون بها، وهي: (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا)، تثبت أن هناك دينًا غير الإسلام، وإن لم يكن حقًا وصوابًا، فكلمة: (غير الإسلام دينًا)، عدّت أي اعتقاد غير الإسلام هو دين، كما قال تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) النساء: 171، فسمّى دين أهل الكتاب دينًا، وطالبهم بعدم الغلو فيه.

فإطلاق كلمة أديان على معتقدات الآخرين، هو إطلاق صحيح شرعًا، وليس كما يظن بعضهم بعدم صحة العبارة، ولذا نجد قسمًا في جامعة الأزهر في كلية الدعوة الإسلامية، بعنوان: قسم مقارنة الأديان، وهو في جامعات أخرى، لكني نقلت اعتماد الأزهر لأنه لن يمر بسهولة، بل سيمر على البحث العلمي الديني قبل اعتماده.

غير المسلمين أم الكفار:

أما المسألة الأخرى: وهي خطاب غير المسلم، الذي لا يدين بدين الإسلام، وهو في حكم عقيدتنا أنه كافر بالإسلام، أو كافر بنبي الإسلام محمد -صلى الله عليه وسلم-، أي: لا يؤمن به، فقد يكون مؤمنًا بدين آخر، أو لا يؤمن بالأديان كلها، فهل نخاطبه بكافر، أم غير المسلم؟ إن الأولى والأفضل هنا خطابه: بغير المسلم، أو أي عبارة تدل على معتقده ولا تجرحه أو تسبب له ضررًا، حيث إن كلمة (كافر) الآن أصبحت ذات مدلولات مسيئة، ومدلولات أخرى تضر بالمعاملة، وربما يفهم منها بعضهم: إباحة الدم، أو المال، أو العرض، وإن لم يفهم منها ذلك، فهي بلا شك مؤذية حاليًا، ولا تعجب من تطلق عليه في الخطاب.

القرضاوي يرفض مخاطبتهم بالكفار:

يقول العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه: (خطابنا الإسلامي في عصر العولمة) ص: 44: “ومن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن الجدال بالتي هي أحسن، المطالب به المسلمون، وخصوصًا في عصر العولمة: ألا نخاطب المخالفين لنا باسم الكفار، وإن كنا نعتقد كفرهم، ولا سيما مخالفينا من أهل الكتاب، وذلك لأمرين:

أولهما: أن كلمة (كفار) لها عدة معان، بعضها غير مراد لنا يقينًا، من هذه المعاني: الجحود بالله تعالى وبرسله، وبالدار الآخرة، كما هو شأن الماديين الذين لا يؤمنون بأي شيء وراء الحس، فلا يؤمنون بإله، ولا بنبوة، ولا بآخرة.

ونحن إذا تحدثنا عن أهل الكتاب لا نريد وصفهم بالكفر بهذا المعنى، إنما نقصد أنهم كفار برسالة محمد وبدينه، وهذا حق، كما أنهم يعتقدون أننا كفار بدينهم الذي هم عليه الآن، وهذا حق أيضًا.

والثاني: أن القرآن علمنا ألا نخاطب الناس –وإن كانوا كفارًا– باسم الكفر، فخطاب الناس –غير المؤمنين– في القرآن، إما أن يكون بهذا النداء: (يا أيها الناس) أو (يا بني آدم) أو (يا عبادي) أو (يا أهل الكتاب).

ولم يجئ في القرآن خطاب بعنوان الكفر إلا في آيتين: إحداهما خطاب لهم يوم القيامة: (يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون) التحريم: 7.

والأخرى قوله تعالى: (قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين) الكافرون: 1-6. فكان هذا خطابًا للمشركين الوثنيين الذين كانوا يساومون الرسول الكريم على أن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدوا إلهه سنة، فأرادت السورة قطع هذه المحاولات بأسلوب صارم، وبخطاب حاسم، لا يبقي مجالًا لهذه المماحكات، فأمر الرسول أن يخاطبهم بهذه الصورة القوية، بما فيها من تكرار وتوكيد، ومع هذا ختمت السورة بهذه الآية التي تفتح بابًا للسماحة مع الآخر، حين قالت: (لكم دينكم ولي دين)”.

رشيد رضا يحرم مخاطبتهم بالكفار:

بل إن العلامة الشيخ محمد رشيد رضا، وقد سبق القرضاوي لهذا الرأي، فقال كلامًا مهمًا في ذلك، إذ يقول في تفسير المنار (7/556): “وغلب لفظ الكفر في القرآن، وعرف عند الفقهاء والمتكلمين بمعنى: المقابل للإيمان الصحيح شرعًا، ثم غلب في عرف كتاب هذا العصر على الملاحدة المعطلين المنكرين لوجود الله -عز وجل- فصار إطلاقه على كل متدين سبًا وإهانة، فيترتب على هذا: أن إطلاقه على من يحرم إيذاؤه من أهل الأديان محرم شرعًا إذا تأذى به، ولا سيما في الخطاب”.

وقال رشيد رضا في مجلة المنار (1/17) في مقال له بعنوان: (اصطلاحات كتاب العصر): “وأما لفظ (الكفر): فيطلق في عرف الكتاب اليوم على الملاحدة كما ألمعنا إليه في عرض كلامنا آنفًا، فمهما أطلقنا لقب (الكافر) أو اسم الكفر في كلامنا فنريد به ما ذكرنا، ولا نطلقه على المخالفين لنا في الدين من أصحاب الملل الأخرى، لأنهم ليسوا كفارًا بهذا المعنى، بل نقول بعدم جواز إطلاقه عليهم شرعًا، لأنه صار في هذه الأيام من أقبح الشتائم، وأجرح سهام الامتهان، وذلك مما تحظره علينا الشريعة باتفاق علماء الإسلام، ولا يصدنك عن قبول هذا القول إطلاق ما ذكر في العصر الأول للملة على كل مخالف، فإنه لم يكن في زمن التشريع يرمى به لهذا الغرض، بل كان من ألطف الألفاظ التي تدل على المخالف من غير ملاحظة غميزة ولا إزراء، فضلًا عن إرادة الشتم والإيذاء المخالفة لمقاصد الدين وآدابه”.

خطاب وخطابات النبي لغير المسلمين:

وأضيف لما بينه رشيد رضا والقرضاوي من أدلة ونصوص وتطور المصطلح من زمن لزمن، بما ورد من سلوك الرسول -صلى الله عليه وسلم- نفسه، فلم يرد عنه النداء في خطابه لغير المسلمين بالكافر، إلا في حالات المواجهة العقدية فقط، والتحدي والعناد، بل كان ينادي خصومه من كفار قريش بأسمائهم وكنيتهم، فقال لأحد سادتهم، وهو يعرض عليه كلام قريش: أفرغت يا أبا الوليد، وقال لعمه أبي طالب وهو مشرك: والله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني، وهكذا في كل خطاباته لكفار قريش وغيرهم.

وحين خاطب الملوك والأمراء وأرسل لهم رسائل تدعوهم للإسلام، وهو يعلم أن منهم من سيرفض، ومنهم من سيقبل، أو يكون محايدًا، ومع ذلك خاطبهم بما يليق بمكانتهم لدى شعوبهم، وبخطاب فيه تقدير، فكتب إلى كل منهم بما يناسبه، وكلهم حكمهم العقدي أنهم كفار، ومع ذلك لم يخاطبهم بذلك، بل كتب لهم هذه العبارات في رسائلهم: (إلى هرقل عظيم الروم)، (إلى كسرى عظيم الفرس)، (إلى النجاشي ملك الحبشة)، (إلى المقوقس عظيم القبط)، وكلهم يمثلون ديانات مختلفة، بين السماوي، وغير السماوي، فمنهم من كان مسيحيًا، ومنهم من كان مجوسيًا، ومنهم من كان وثنيًا، ومع ذلك لم يقل في رسائله: إلى فلان كبير الكفرة، ولم يعترض أحد على إطلاق كلمة عظيم وفيها ما فيها من تقدير وتبجيل.

رأي مهم في الفقه الحنفي:

وقد وجدت عند عدد من فقهاء الحنفية كلامًا في غاية الأهمية في هذه المسألة، ومنهم الفقيه المصري المعروف ابن نجيم، إذ يقول في كتابه: (الأشباه والنظائر) ص: 217: “من آذى غيره بقول أو فعل يعزر -كما في التتارخانية- ولو بغمز العين، ولو قال لذمي: يا كافر، يأثم إن شق عليه”، وهي عبارة متكررة في عدد من كتب الفقه الحنفي المعتمدة، وتارة يذكروها بهذا النص أيضًا: “لو قال ليهودي أو مجوسي: ‌يا ‌كافر ‌يأثم إن شق عليه”، وقال الحموي في شرحه على كتاب (الأشباه والنظائر) المسمى: غمز عيون البصائر (2/182): “قال في البحر: ومقتضاه أنه ‌يعزر ‌لارتكابه ‌موجب ‌الإثم”.

والتعزير الذي حكم به من حكم من الفقهاء الحنفية، لهذه الكلمة، مقصود به: العقوبة أو التأديب الذي لا يصل للحد، سواء كان ذلك بالحبس، أو الجلد، أو الغرامة المالية، أو بما تقدره السلطة التشريعية لمن يفعل ما يستحق به التعزير.

هل يعد حسن خطابهم تنازلًا؟!

بعض الناس يعد مثل هذا الأسلوب في الخطاب تنازلًا، وهو ما واجه به أحدهم القرضاوي، حين عدَّ فتواه بقوله: غير المسلم بدلًا من الكافر، أنه لون من التنازل والتمييع للدين، فأجاب القرضاوي: “ولا أدري لماذا يعتبر الخطاب الرفيق، والكلام الرقيق: تنازلًا منا؟ وعن أي شيء تنازلنا، إنما لم نتنازل عن الاعتقاد بأن ديننا هو الحق، وأن كل من لم يؤمن برسالة محمد فهو كافر، وهذا شأن كل ذي دين، أن يعتقد أن دينه هو الحق، وأن غيره على الباطل، ولا يتم إيمان ديني إلا بهذا.

ولكن هذا شيء، ومخاطبة المخالفين بما يؤذيهم أو يجرح مشاعرهم، أو ينفرهم: شيء آخر، وما طلب الله ذلك منا، بل أمرنا بعكس ذلك تمامًا، فقال تعالى: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا) الإسراء: 53.

فنحن –المسلمين– مأمورون من ربنا: أن نقول الكلمة التي هي أحسن لمن نخاطبه أو ندعوه أو نحاوره، وليس من التي هي أحسن أن نجابهه فنقول له: أيها الكافر، بل ينبغي أن نخاطب فيه إنسانيته وفطرته، ولا نتبع نزغات الشيطان، عدو بني الإنسان المبين، الذي يريد أن ينزغ بينهم، ويوقع بينهم العداوة والبغضاء”.

الجزيرة

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts