كيسنجر في عامه المائة.. ثعلب السياسة الخارجية الأمريكية ومهندسها أم وجهها القبيح؟

كيسنجر في عامه المائة.. ثعلب السياسة الخارجية الأمريكية ومهندسها أم وجهها القبيح؟

رصد – البوصلة

ما زال أشهر وزراء خارجية الولايات المتحدة في القرن العشرين، ومستشار الأمن القومي الأمريكي السابق هنري كيسنجر، مثار الجدل المحتدم في السياسة الدولية على الرغم من بلوغه “المائة عام”، لا سيما وأنّ آراءه وأفكاره تحوز دائمًا على اهتمام الإعلام العالمي باعتباره ثعلب السياسة الخارجية الأمريكية ومهندسها في أحلك الظروف، والذي يوصف بالعبقري والسياسي المخضرم، إلى الحد الذي يصفه البعض بـ “الناطق باسم النظام العالمي الجديد”.

وعلى الرغم من الأوصاف “العظيمة” السابقة، والغزل السياسي الذي يكال للرجل مدحًا من غير حسابٍ، فما زالت النخب العربية أو كثيرٌ منها ينظر لـكيسنجر باعتباره “الوجه القبيح” للسياسة الخارجية الأمريكية والمسؤول عن كثيرٍ من الجرائم التي تسببت بمقتل الآلاف ونشر الفوضى في دول العالم بدعمٍ أمريكيٍ كان ببصمات الرجل وهندسته.

ولكن اتفقنا أو اختلفنا على “هنري كيسنجر” فما زال يُنظر له باعتباره شخصية لا يمكن تجاوزها، ويجب الاستماع بدقة لما يقوله الرجل في كافة شؤون السياسة الدولية، فمهما كانت تحمل من آثام الماضي وكوارثه، لكنها ما زالت متمسكة حتى اللحظة بالسعي نحو منع صدامٍ دوليٍ جديدٍ سيهدد الحضارة الإنسانية بكاملها.

البوصلة” ترصد تفاعل النخب العربية مع بلوغ كيسنجر عامه المائة، وكيف يرون منطق السياسة الذي تحدث فيه في الماضي واليوم، وكيف يحكمون على ذلك؟

هواجس تراجع الغرب وأمريكا تشغل كيسنجر

ويرى الصحفي والمحلل السياسي ياسر الزعاترة أنّ كيسنجرالذي بلغ عامه المائة ما زال يقرأ ويحلّل، والعالم يستمع إليه، لكنّ هواجس تراجع الغرب وامريكا وخوفه على مشروعه الأمّ هو الذي ما زال يشغله.

ويعلق الزعاترة على المقابلة التي أجرتها صحيفة “وول ستريت جورنال” مع كيسنجر ويرى أنها استثمرت الفرصة، وحاورته كي تطلّ من خلاله على العالم.

ويقتبس الزعاترة من المقابلة، يقول الصحفي المُحاور: ما يراه السيد كيسنجر عندما ينظر إلى العالم اليوم هو “الفوضى”. إنه “عالم تمزّقه المنافسة بين الولايات المتحدة والصين”.

ويضيف: واصل تحذيره من تطوّر الصراع مع الصين، وتحدّث عن “الخصومة الطائشة”.

قال إن “الحربين العالميتين كان يجب أن تعلّما (العالم) أن الثمن الذي يدفعه المرء حتى مع التكنولوجيا التقليدية لا يتناسب مع معظم الأهداف التي يمكن تحقيقها”. أما مع أسلحة اليوم وزمن “الذكاء الاصطناعي”؛ “فإن هذا النوع من الحرب سيدمّر الحضارة”.

عندما سئل عن حجم طموحات الصين؛ قال:”لا أعتقد أنهم يرغبون في نشر الثقافة الصينية في جميع أنحاء العالم”. إنهم يسعون إلى “الأمن”، وليس الهيمنة على العالم، لكنهم يتوقّعون أن يكونوا القوّة المهيمنة في آسيا. ثم توقّع أن اليابان “سوف تطوّر أسلحة الدمار الشامل الخاصة بها”، فيما بين 3 إلى 7 سنوات.

ولفت الزعاترة إلى أنّ كيسنجر ما زال يؤمن بـ”السلام الأمريكي”، وبضرورة “الدفاع عن مناطق العالم الضرورية لبقاء أمريكا والديمقراطية”. لكنه يقول إن القدرة على “تنفيذها سياسيا” ، “تراجعت بشكل حاد، وهذه هي مشكلتنا المهيمنة الآن”.

ونوه إلى أنّ في الكلام اعتراف واضح بتراجع السطوة الأمريكية، وضرورة أخذ ذلك في الاعتبار عندما تتمّ قراءة الأحداث ووسائل الردّ عليها.

ويتابع الزعاترة حديثه بالقول: إن الحروب لا تُدار بالمنطق دائما، بل كثيرا ما تدفعها الأحداث دفعا نحو تطوّرات غير محسوبة.

ويختم الزعاترة بالقول: إنه سنّة “المدافعة” الربّانية، بجانب سنّة “التداول”، تلك التي يعرفها كيسنجر ضمنا، ويعرف مآلاتها، وإن كان من الصعب عليه الاعتراف بها صراحة، ويشدد على أنّ هواجس تراجع الغرب تشغله، لأنها تؤثر على “كيانه الأم”.

الثعلب العجوز ما زال يسعى لتلافي الصدام

أما الصحفي عبدالله المجالي فيقول: الثعلب العجوز تصدر وسائل الإعلام بمناسبة عيد ميلاده المئة، فهو لا يزال شخصية مؤثرة، ولها وزنها وآراؤها، كما أنه لا يزال حاضر الذهن رغم سنينه المئة.

ويتابع في مقالته بصحيفة “السبيل” بالقول: بعيدا عن الشرق الأوسط كان أكبر آثاره هي دبلوماسية “البينغ بونغ” التي أدت إلى علاقات أمريكية صينية أثرت على مسار العلاقات الدولية حتى هذا اليوم.

ولفت إلى أنّ الثعلب لا يزال يدافع عن ذلك الإنجاز، وهو يرى الاندفاع الأمريكي لتوتير العلاقات مع الصين وربما دفعها نحو الصدام خطر كبير جدا.

وينوه المجالي إلى أنّ “كيسنجر لم يبخل بعرض آرائه في مسألة الحرب في أوكرانيا”.

ويختم بالقول: ما توقفت عنده في آراء الثعلب حول مسألة علاقات واشنطن ببكين والحرب الروسية في أوكرانيا، هو أن الرجل يسعى بكل ما أوتي من قوة لتلافي صدام كبير قد يطيح بالحضارة الغربية، فهل العالم يعيش فعلا إرهاصات ذلك؟! الله أعلم.

أما الإعلامي عبدالباري عطوان فكتب مقالا يتساءل فيه: كيسنجر الذي يحتفل اليوم بعيد ميلاده المئة.. داعية سلام ام مجرم حرب؟ ولماذا غير فتاويه عن الحرب الاوكرانية ثلاث مرات؟ وما هي أبرز نجاحاته وإخفاقاته في الشرق الأوسط؟

لا يستحق الألقاب التي منحت له

ويرى عطوان في مقالته بصحيفة رأي اليوم أنّ “كيسنجر” الذي يصفه محبوه بـ “الثعلب العجوز” لا يستحقّ الألقاب التي أُعطيت له كداهية، ودبلوماسي عبقري خبير في مُفاوضات السّلام، فهذا الدّهاء يعود إلى قوّة أمريكا في حينها، وضعف وأحيانًا غباء الآخرين.

ويلفت إلى أنّ الوثائق الرسميّة كشفت أنه كان من أبرز دُعاة الحرب، وتسبّب في مقتل مئات الآلاف في فيتنام وكمبوديا، وبَذر بُذور وأدِ الديمقراطيّة، وتكريس الانقلابات العسكريّة في أمريكا الجنوبيّة.

بدوره يرى الإعلامي الدكتور موفق زيدان أنّ كيسنجر يمثل “الوجه القبيح المسكوت عنه”، قائلاً إنّ الكثير من الكتاب والصحافيين تغزلوا ببلوغ هنري كيسنجر المائة عام، وهو في كامل حضوره الذهني، بعد أن ألّف أكثر من كتاب خلال العامين الماضيين، وهو في هذا السن المتأخرة، ولكن ما يتجاهله، أو يجهله البعض من تاريخ كيسنجر اليهودي الأصل هو دوره في قضايا عدة لا بد من الإشارة إليها.

ويسرد زيدان  الأدوار التي لعبها الرجل بعد حرب1973، وتسويق نظام حافظ الأسد، وكيف لعب دوراً إجرامياً في عمليات قصف وإبادة ممنهجة في لاوس وكمبوديا وتيمور الشرقية وكذلك الحرب في باكستان أيام انفصالها، ويشير إلى ما أسماه “الدور المريب الذي لعبه على امتداد قرن مع امبراطورية رأس المال الأمريكية”، فضلا عن نظرته للمرأة وانها ليست أكثر من هواية، وفي الهواية لا تكرّس كثيراً من وقتك لها.”

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: