كيف تَسبَّب علاج التضخم في مضاعفات جانبية حادة للاقتصاد العالمي؟

كيف تَسبَّب علاج التضخم في مضاعفات جانبية حادة للاقتصاد العالمي؟

عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد، فإن الثقة هي الأساس. لكن الأزمة المصرفية الأخيرة المصحوبة بأزمة تضخُّم مستمرة هدّدَت بزعزعة شعور معظم الناس حيال الاقتصاد العالمي الذي بات قاب قوسين أو أدنى من دخول معترك أزمة مالية لا تقلّ ضراوة عن أزمة عام 2008، أو على الأقل ركود حادّ من شأنه أن يقلّل معدلات النموّ ويفاقم البطالة والديون.

عقب انتشار عدوى البنوك ووصولها إلى أوروبا من أبواب مصرف “كريدي سويس” السويسري الذي أعلن إفلاسه منتصف مارس/آذار الجاري، أغلقت البورصات الأوروبية يوم الجمعة على وقع انهيار في قيمة أسهم مصرف”دويتش بانك” الألماني، ليكون بذلك ثاني بنك أوروبي يشهد هذا المصير في غضون أسبوع، بعدما عرفت أسهم بنك “يو بي إس” السويسري انخفاضاً كبيراً، عقب سعيه للاستحواذ على منافسه “كريدي سويس”.

وعلى الرغم من الاضطرابات المالية التي أعقبت انهيار بنك وادي السيليكون في أمريكا، رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة الرئيسي قصير الأجل بمقدار ربع نقطة مئوية يوم الأربعاء، فيما أعلنت البنوك المركزية في أوروبا اتباعها النهج ذاته في حملة رفع الفائدة العنيفة لترويض التضخم.

ما العلاقة بين الفائدة والتضخم؟

في البداية، التضخم هو فقدان القوة الشرائية بمرور الوقت. ويُعبَّر عنه عادةً بأنه التغيير السنوي في أسعار السلع والخدمات اليومية مثل الطعام والأثاث والملابس والنقل وغيرها. وبينما يمكن للتضخم أن يكون نتيجة لارتفاع طلب المستهلك، يمكنه أيضاً أن يرتفع وينخفض أيضاً بناءً على التطورات التي لا علاقة لها بالظروف الاقتصادية، مثل إنتاج النفط المحدود ومشكلات سلسلة التوريد.

ومنذ أصبح التضخم الشغل الشاغل للبنوك المركزية التي أعلنت حالة الطوارئ تزامناً مع الحرب الأوكرانية التي اشتعلت في فبراير/شباط 2022، تبنّت البنوك المركزية سياسية رفع أسعار الفائدة بحدة وصرامة بهدف سحب الأموال وتقليل الطلب من أجل خفض الأسعار وكبح التضخم الذي سجّل معدلات قياسية غير مسبوقة منذ عقود.

وعندما يتعلق الأمر بمحاربة التضخم فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو رفع أسعار الفائدة، فهي الأداة النقدية الأبرز لدى جميع البنوك المركزية التي غالباً ما تصيب.

ونتيجة لرفع أسعار الفائدة يزداد عبء القروض الجديدة والقائمة، ما يعني أن عملاء البنوك سيتجنبون قدر الإمكان الإقدام على الاقتراض وتأجيله إلى حين هبوط أسعار الفائدة. قرار التأجيل هذا سيتسبب في تقليل السيولة النقدية داخل السوق لإبطاء الاستهلاك، وهي أولى طرق خفض التضخم في أي اقتصاد.

في المقابل، من شأن رفع أسعار الفائدة أن يدفع بتوجيه السيولة النقدية إلى البنوك على شكل ودائع، يحصل أصحابها مقابلها على فوائد مرتفعة من البنوك كأداة استثمار، وهنا ينجح البنك المركزي في سحب السيولة من الأسواق، وفقاً لما أورده تقرير لوكالة الأناضول.

ما العلاقة بين ارتفاع أسعار الفائدة وانهيار البنوك؟

في الولايات المتحدة على سبيل المثال، أدّت الخطوة الأخيرة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى نطاق من 4.75% إلى 5%. من المتوقع أن يؤدي هذا إلى زيادة تباطؤ النشاط الاقتصادي، إذ يرفع أسعار بطاقات الائتمان والرهون العقارية القابلة للتعديل والقروض الأخرى. لكن الأمريكيين، بخاصة كبار السن، يستفيدون أخيراً من عوائد مدخرات البنوك المرتفعة بعد سنوات من العوائد الضئيلة.

وعلى الرغم من أن ارتفاع أسعار الفائدة يزيد حجم ودائع البنوك، فإنه أيضاً يتسبب في هجرة الودائع من البنوك ليستثمرها أصحابها في السندات قصيرة الأجل (بين 3 و6 أشهر) التي تجاوزت عائداتها 5%، أي إنها مربحة أكثر من بقائها في بنك مثل “سيليكون فالي” الذي كان يمنح عائداً سنوياً لا يتعدى 3.5% على الودائع.

وإلى جانب ما تجلبه السندات الحكومية ذات العوائد المرتفعة من آثار سلبية، فاقم “الذعر المصرفي” الذي بدأ قُبيل انهيار “بنك سيليكون فالي” نتيجة خشية العملاء أن تكون ودائعهم “في خطر”، في انتشار العدوى بين البنوك، حتى تلك البنوك “التي تتمتع بصحة مالية جيدة”، الأمر الذي من شأنه أن يقود في النهاية إلى إفلاس عديد من البنوك والشركات على مستوى عالمي، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

ما الآثار الجانبية لعلاج التضخم؟

مثّلَت الأزمة المصرفية الأخيرة ضربة أخرى للاقتصاد العالمي الذي لا يزال يعاني الآثار السلبية التي خلّفَتها جائحة كورونا التي أعطبت بدورها الاقتصاد والصناعة وسلاسل التوريد والإمداد، وجاءت الحرب الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من عام لتزيد احتمال دخوله دوامة أزمة اقتصادية واسعة وشديدة.

لم تُخفِ البنوك المركزية أن إجراءاتها الأخيرة في مكافحة التضخم قد تؤدي إلى معاناة اقتصادية. على الرغم من أن أحداً لم يتوقع قط أزمة مصرفية بالشكل الذي تعيشه بنوك كبرى حالياً، فإن الاضطراب المتوقع كان يتمحور حول تراجع حادّ في الإقراض المصرفي، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد.

لكن مناخ انعدام الثقة الأخير الذي صاحب الأزمة المصرفية لم يقتصر على سحب الودائع وهجرتها إلى بلدان وموانٍ مالية أخرى، بل سبب أيضاً مشكلات لسوق الأسهم المتأزمة أصلاً.

وفي العادة، عندما تنخفض الأسهم يميل الناس إلى كبح جماح إنفاقهم، فيما يبطئ انخفاض الإنفاق مبيعات التجزئة، وهذا بدوره يؤدي إلى ردّ فعل في السوق ينتقل مرة أخرى إلى المستهلكين بما يقلّل معدلات النمو ويُدخِل الاقتصاد حالة ركود.

TRT عربي

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: